معاناة وسلب لمعاني الحياة.. قصة ترويها لنا فاطمة الأمين واحدة من ضحايا “ختان التبتيك”

السودانيات يعشن تحديات مريرة تتعلق بسلامة أجسادهن، وأهم تحدي هو الختان، الظاهرة الأكثر انتشارًا في المجتمع على الرغم من تجريمه، في السودان والصومال لم يقتصر الموضوع على الختان السني المنتشر والمعروف في دول أفريقية كثيرة حتى في مصر، ولكن هناك نوع آخر يسمى بـ “التبتيك” وهو الشائع هناك وهو الأكثر خطورة.

عبارة عن قطع البظر كاملًا والشفرين، وغالبًا ما يتضمن خياطة الفرج لتضييق فتحة المهبل، مع ترك فتحة صغيرة للبول، ما يؤدي إلى تراكم دم الدورة الشهرية، وحدوث مضاعفات صحية..

فاطمة الأمين كاتبة سودانية مقيمة في مصر وعارضة أزياء ومقدمة محتوى، من الكتابات المعروفة لها “يوميات بنت سمراء” كانت توثق بها كل موقف عنصري تتعرض له في المواصلات العامة والشوارع وتكتب مشاعرها تجاه الموقف في لحظتها.. تعرضت لختان التبتيك في سن الرابعة من عمرها.. تحدثنا معها وروت لنا معاناتها وكيف تغلبت عليها.

عن معاناة ودموع وتخطي وأمل: ترويها لنا فاطمة الأمين

” حاجة غير آدمية بيشيلوا كل حاجة ويخيطوا كل حاجة في بعض، لا بقيتي لا تحبي ولا تحسي بحاجة، ولما تتجوزي زيك زي المخدة.

فاطمة الأمين

تحدثت معنا فاطمة في البداية عن بداية استيعابها للصدمة والتي كانت بعد سنوات: “أنا عرفت تبعات الختان عليا، لما كنت في الكلية وحصل لي خراج في المنطقة دي كبير محتاج عملية جراحية وبعدها عرفت إن الخراج اللي جالي بسبب الختان، وبعدها من اللحظة دي استرجعت اليوم من أوله، الشريط كله عدى تاني قدامي، كان يوم كله عياط وصريخ وبعدها بتقعدي أسبوعين رجلك مربوطة في السرير علشان تتعافي وتقدري تقومي بعدها”.

“الست مساعدة الداية اللي كانت مسكاني كانت صديقة للعيلة، أنا كنت بخاف منها جدًا لحد ما ماتت، وعلى طول كنت بستخبى منها في أهلي لما كانت بتيجي لنا، ويمكن رد فعلي عليها وعلى تصرفاتها خلاها تفكر وتراجع نفسها وتقول ” إيه جاي عليا بده كله لما الأطفال تخاف مني”.

فاطمة بعد استيعابها تبعات الختان قررت تواجه أهلها بكلمات تحمل خيبة الأمل ” أنتوا بتعاقبوني على إيه؟ أنتوا بتعاقبوني على إنكم مش هتربوني؟ طب ما كنتوا ربتوني كويس أحسن، التربية أثرت معاكوا في إيه؟، انتوا بتعاقبوني علشان اتولدت بنت؟ .. وكان ردهم ” عاداتنا وده اللي طلعنا وتربينا عليه” وبعد الرد ده بتبقي خلاص اتبنى حاجز بينك وبين أهلك وبين جسمك”

“في بنات ممكن تتعالج ويتعملها زي ترميم وفي بنات حتى الترميم مابينفعش معاهم لإن حرفيًا بتبقى كل الأنسجة اتشالت، فهتفضلي كده طول عمرك، فيه متعة من متع الحياة أنتي مش عارفاها كإنك عندك كورونا طول العمر مش عارفة طعم الأكل إيه”

عند سؤالي عن مدى انتشار الموضوع من أشخاص محيطين بها وإذا قدمت لهم الدعم قالت” في ناس حوليا كتير من بنات العيلة حصل معاهم كده، بس بتتفاوت الدرجات في اللي اتعمل لهم ما يسمى بـ”السنة” بتبقى أخف من الفرعوني، الغريب إن معظم البنات ماشتكوش، بيقولوا ما ده اللي حصل لأمي وأهلي”

أخبرتنا فاطمة أيضًا عن عادة قديمة في السودان بخصوص الختان ” زمان لو البنت مش مختونة فرعوني واتجوزت جوزها بيرجعها تاني يوم الدخلة، بيقول لهم “مش مختونة اختنوها ورجعوهالي تاني” وعملية الرجوع دي بيسموها “العدل”، بالنسبة للراجل المتعة في إنه يشوفها تتعذب لإن المنطقة عندها بتبقى أضيق من الطبيعي بعد الختان الفرعوني او ختان التبتيك”

في متعة من متع الحياة أنتي مش عارفاها، كإنك عندك كورونا طول العمر مش عارفة طعم الأكل إيه

التخطي في تلك المواقف يحتاج لفترات طويلة لترميم ما حدث جسديًا ونفسيًا وأحيانًا يقف الزمن بالبنت عند تلك اللحظة ولكن كان لا بد أن أسألها عن “التخطي”.

“أنا أدعي إن أنا تخطيت بس جزء كبير ساعدني هو الجانب الإبداعي كنت بفرغ فيه طاقتي وأنا مستمتعة، بحب الرسم القراءة، التأمل، ساعات كنت بغني، ومع الوقت لما بتكبري وبتقرأي في علم النفس بتفهمي أكتر، أنا اللي حاولت أخلى بالي على نفسي وأعالج نفسي، فالحاجات دي خلتني أفكر إن في حاجات ممكن تبقى أهم من الجواز والختان وتبسطني برضه”

وعلى مستوى المباردات التي تحدث للتوعية في السودان ترى إن الظروف السياسية وفترات عدم الاتزان والحروب التي عاشتها السودان ومازلت تعيشها عدلت من أولويات المجتمع.

آخر كلمة لفاطمة هي رسالة للمجتمع وأي بنت تعرضت للختان “مش من الدين إننا نشوه فطرة سليمة ربنا خلقنا عليها مينفعش إن أحسن تقويم ربنا خلقنا فيه نلعب احنا بيه، عايزة أقول لأي بنت اتعرضت للموضع ده إن في طرق تقدر تستمتع بها تاني وتحس بطعم الحياة، هتحتاج إنها تشتغل على نفسها أوي وشريكها هيحتاج صبر كتير ولازم يبقى فاهم ده ويطبطب عليها، في أمل بس بعد شغل كتير”

بالنسبة لتسمية هذا النوع بـ”الفرعوني” فلم يجد دليل واضح، لإنه أحيانًا يسمى بالختان السوداني، وأحيانًا بـ”التبتيك” كما الوضع بالنسبة للصومال، ولكن مصطلح “فرعوني” في اللغة الصومالية مكوّن من مقطعين؛ “fir” وتعني “الأصل”، و”coon” وتعني “خبيث”، وبجمع المقطعين يكون معناها في اللغة الصومالية “Fircoon”، أي الأصل الخبيث، وهو مصطلح يُطلق على كل عادة أو سلوك أو فعل سيئ.

أما بالنسبة للسودان فالدكتورة نوارة بافلي الباحثة في التراث السوداني فأشارت حيث يرجع تاريخ ختان الإناث كما تقول كثير من الأساطير إلى عهد فرعون حينما حدثه الكهنة عن ولادة طفل يمكن أن ينقلب عليه وعلى حكمه، ففكر فرعون وأعوانه في كيفية معرفة نوع المولود تحسبًا لقدوم ذلك المولود المذكر، فكان كلما ولد ذكر قتله فرعون خشية أن ينقلب عليه، وبعدها اتبعت عادة ختان الإناث أو بمعنى آخر إصابتهن بالعقم في عدد من الدول الأفريقية والأسيوية كالسودان والصومال وإندونيسيا، وغيرها من الدول”.

وفقًا لآخر إحصاء رسمي أجرته “يونيسف” عام 2015 يشير إلى أن 86.6 في المئة من النساء والفتيات في السودان تعرّضن لتشويه أعضائهن التناسلية، وأن 83 في المئة من هذه النسبة مختونات ختانًا فرعونيًا (وهو ذلك الختان الذي يُبتر فيه جزء من الجهاز التناسلي بشكل كامل).

فبغض النظر عن اسمه وأصله فالإحصائيات تقول إنه مازال منتشر وبنسبة كبيرة، مما يمثل خطورة كبيرة والتي تصل أحياناً إلى حد الوفاة.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: في اليوم العالمي لمناهضة ختان الإناث: عيادة متخصصة لترميم…

تعليقات
Loading...