لأ يعني لأ، مهما كانت “التلميحات اللي بتلخبط”.. هل هو مصطلح مفهوم بجد؟
للأسف بقينا نسمع ونتكلم كتير في موضوع التحرش والاغتصاب اللي بقى قضية شبه أساسية ومش عارفين إذا كنا في يوم هنقدر نتخلص منها، مش عارفين الناس هتفهم امتي المعنى الحقيقي لـ “لأ يعني لأ”، مش عارفين الضحايا اللي معظمهم بيكونوا من السيدات هيفضلوا لحد امتى بيعانوا من صدمات نفسية بتأثر في حرفيًا كل خطوة وقرار في حياتهم، ومش بنبالغ لما بنقول “حرفيًا”.
بنحلم بمكان مفيهوش فلاشباكس أو صور وذكريات من الماضي صادمة تفتكرها فجأة وأنت قاعد في أمان الله، تقلب مودك من الـ ١٠٠ للصفر، بنحلم بمكان ماعندكش فيه قلق وشك في كل حاجة وأي حد، بنحلم بمكان نفسك مابتشُكش في نفسك وتوجه لك الاتهامات وده اللي اتضح إنه بيكون نظام تعايش آلي أو coping mechanism علشان تضحك على نفسك وتعرف تتعامل مع الحادثة أو الصدمة اللي مريت بيها.
بنسمع كتير عن حوادث التحرش والاغتصاب من ناس غريبة في الشارع، أو من عمليات خطف، أو من زوج الأم لبنتها، أو من حتى الأبهات والخيلان والأعمام وأزواج العمات وأزواج الخالات، ومن الجيران، ومن أزواجنا وده اللي بيقع تحت مسمى الاغتصاب الزوجي، ومن حتى أصحابنا، وبنحاول نفكر ليه ممكن يكون حد عنده القدرة إنه يأذي حد بالطريقة دي.. ازاي جالك القلب؟ وساعات بييجي لنا أفكار إن يمكن فعلًا هما فاهمين غلط، ومش عارفين يعني إيه “رضا” أو consent.. مش فاهمين يعني إيه “جسمي ده حاجة مقدسة بتاعتي أنا”، مش فاهمين تبعية الحادثة بتأثر ازاي في الضحية.. وده طبعًا جايز للمعظم بس، -دي مجرد فكرة من الأفكار اللي بتسحلنا علشان نحاول نلاقي سبب ورا الحادثة البشعة دي ولو فعلًا هي فكرة في محلها، فهي برضه مش مبرر ولا عذر لمرتكبها-، ولكن طبعًا كلنا عارفين إن الأكيد في ناس بتعمل كده وهما عارفين هما بيعملوا إيه كويس ومش مهتمين ولا فارق معاهم.
ولكن فكرنا في الحالتين، في حالة “الجايز” وحالة “الأكيد”، والحالتين مالهمش مبرر، الحالتين مش بيمنعوا الأذى اللي بيتسبب، الحالتين مش بيقولوا حاجة عكس إنك متحرش ومؤذي.
وقبل ما نكمل كلام، كنا عايزين نوضح مبدئيًا علشان مانتفهمش غلط، إن كلامنا مش بيبرر ولا بيتعاطف مع المتحرش اللي “جايز” يكون مش فاهم، لأ كلامنا بيوجه رسالة إننا محتاجين نوصل رسالة الرضا أو الـ consent صح.
ولإن معظمنا واجه حوادث من دي من أبعد وأقرب الناس لينا، واللي بتوجع وتأثر أكتر بتكون هي دي اللي من أقرب الناس ليك، وبنبدأ ندور لهم على أسباب، “يمكن مش فاهمين”، “يمكن مش عارفين”، “يمكن فاهمني غلط”، “طب ما أنا كنت عايزة كده”، “طب ما أنا مصاحباه”، “طب ما أنا يمكن بحبه”، ولكنها حجج كلها مؤقتة علشان دماغنا بتحاول تبعد عننا الأذى واللي هو بيكون إننا بنتعرض له من أقرب الناس لينا، علشان دماغنا بتفكر ازاي حد عزيز علينا يعمل كده! ده حتى بنكون بنفكر إننا لو واجهناهم ممكن يتضايقوا مننا ويقطعوا معانا علشان ازاي نتهمهم بحاجة زيّ دي، وعلشان ممكن فجأة تطلع أنت الشخص الغلطان اللي ماصانش العشرة، واللي بيلمح بحاجات مش واضحة وبيلعب بمشاعر الناس، و”طب ما أنا ماكنتش فاهمك، وأنتي اللي مش واضحة ففين غلطتي؟”.
حاجات كلها برضه مش بتمنعك من كونك متحرش…
في ضحايا طبعًا كتير بتعرف تواجه وبتقول لأ من الأول وبتدافع عن نفسها من الأول وده طبعًا مش بيمنع تأثير الحادثة والصدمة عليهم، ولكن على الأقل دماغهم بتبقى واقفة في صفهم مش ضدهم، مش بتكون بتضحك عليهم أو بتداري عليهم، بيكونوا مواجهين الواقع الأليم، على عكس الضحايا التانية، اللي ممكن تتعاطف مع الجاني عليها علشان ماتجرحش مشاعره، أو علشان خايفين يواجهوا اللي بيحصل فبيسكتوا، أو بيتجمدوا أو يـ freeze مكانهم، أو بيخترعوا سيناريوهات في دماغهم إن الشخص ده حبيب ومش غريب، فا لو هو ده الوضع، لو احنا حبايبه وقرايبه، ده عمره ما هيكون تحرش، وبيبدأوا يكبتوا الحادثة جواهم وينسوها ويعيشوا واقع هو في الحقيقة مش واقع زيّ ما قولنا فوق إنه بيكون نظام تعايش آلي أو coping mechanism علشان تضحك على نفسك وتعرف تتعامل مع الحادثة أو الصدمة اللي مريت بيها.
فكرنا أكتر في أفكار عابرة علشان تاني بنحاول نفهم ليه ممكن حد يقدر يأذي حد كده، ولقينا إن جايز في متحرشين نيتهم أذية وفي مابيبقاش نيتهم حاجة أو مش فاهمين إن ده هيسبب أذى، وطبعًا فكرنا “ازاي حد متحرش نيته مش أذى”، بس زيّ ما قولنا فوق، إن “جايز” في ناس فعلًا مش فاهمة، بس ده من تاني مش بيمنع إنه بيقلل من الأذى اللي بيسببه، أو يوقفنا من إننا نقول عليهم متحرشين. وبنفكركم إن ده كلام عمر ما هيكون قصده الدفاع أو التبرير عن المتحرش، ولكننا بنحاول نفهم إيه اللي يخلي إنسان يتصرف تصرف حقير زيّ ده!! وده اللي بيخلينا نرجع للنقطة اللي بنرجع لها كل مرة، وهي إن المجتمعات كلها في الشرق والغرب مش بتفهم ولا بتعلم موضوع الرضا أو الـ consent صح من الألف للياء. احنا هدفنا مش إننا نقول إن المتحرش ماكانش قصده فَيلا بينا نعلمه الرضا أو الـ consent صح، لأ، لإن أيًا كانت نية المتحرش إيه، فهي مش مبرر لأفعاله أو سبب لإن الضحية تسامحه وتعتبر إن ده ماحاصلش، لإن الأذى تم خلاص أو the damage is done. احنا هدفنا هو إننا عايزين المجتمعات تبدأ تدي دروس ومواد عن الرضا أو الـ consent زيّ ما بيعلمونا ازاي نحترم أهالينا والكبير.
فمثلًا محتاجين نعلمهم إن لأ يعني لأ ازاي بكل تفاصيلها.
يعني لو مراتك مالهاش مزاج، ده مش معناه إنها بترخم عليك ولا هي متضايقة منك في حاجة فبتعاقبك، ده بكل بساطة معناه إنه لأ.
يعني لو أنت قعدت تزن على صاحبتك علشان تعمل معاك حاجة وفي الأخر وافقت بعد ما كانت واضحة وصريحة من البداية إنها مش موافقة، فده مش موافقة، الإلحاح والزن والتحسيس بالذنب أو الـ guilt tripping ده مش موافقة، في الغالب معظمنا بيوافق علشان خايفين إنكم تضايقوا أو تعاقبونا أو حتى تسيبونا أو علشان بتحسسونا بالذنب.
يعني لو أنت بدأت حاجة من غير ما تسأل لغويًا أو verbally straight forward إذا كان ينفع ولا لأ، وأنا سكت وماتكلمتش، ده مش معناه إن أه أنا كده موافقة، ده معناه إني مخضوضة ومش مستوعبة اللي بيحصل ودماغي بتحاول تنكر اللي بيحصل، ولو قُلتلي “طب ما أنتي سكتي!” هقولك “أنت مين اللي سمحلك تلمسني من البداية؟”، سكوتي بعد لمسك ليا من غير ماتسألني مش معناه إني موافقة، لإن من تاني، أنت مين اللي سمحلك من البداية؟ لإننا برضه محتاجين نلغي عقلية “السكوت علامة الرضا” لإن السكوت عمر ما كان معناه الرضا، هو بكل بساطة معناه إننا مرعوبين ومش عارفين ننطق.
يعني لو واحدة صاحبتك بتديك mixed signals أو تلميحات مش مفهومة وأنت مش عارف تترجم ده ازاي، ده مش معناه إنك تجس النبض بإنك تمسك ايديها أو تطبطب على ضهرها أو تحسس على دراعها، علشان ممكن في الأخر تكون شخص كويس وخلاص أو being nice, أو جايز تكون بتلمحلك فعلًا أه ولكن رومانسيًا ومشاعريًا ولكن مش جسديًا، الـ mixed signals أو التلميحات اللي مش مفهومة عمرها ما كانت مبرر لإنك تقرب مني في أي سياق جسدي أو جنسي.
مش معنى إن اتسمحلك تهزر بالإيد ده معناه إنك تمسك إيدي في نطاق غير الهزار المسموح بيه، مش معنى إن اتسمحلك تمسك إيدي ده معناه إنك تلف دراعك حولين كتفي، مش معنى إن اتسمحلك إنك تلف دراعك حولين كتفي ده معناه إنك تعمل حاجة تانية، طول ما الحاجة في حد ذاتها ماتسمحش بيها يبقى مش المفروض تتعمل حتى لو كان في “تلميحات” بتقول إنك تعملها.
ناس كتير بتعلق على موضوع السكوت ده وعدم الدفاع عن النفس بإن كده الضحية كانت موافقة أو “هي عايزة كده”، أو “طيب ماشي هي ماقالتش أه بس برضه ماقالتش لأ” ولكنهم مش فاهمين إن تقريبًا تلت أرباع البنات اللي بيتم التحرش بيهم بيكونوا في وضعية الجمود أو الـ freeze وممكن نلاقي نفسنا بنكرر نفس الحادثة مع نفس الشخص بسبب كده وهما بيفتكروا إن ده كده رضا!
ده غير طبعًا مشكلة الـ entitlement، يعني مثلًا تلاقي واحد خبط فيكي في المواصلات بالغلط، فعلشان يتأسفلك، تلاقيه حط إيده على كتفك وهو بيقولك “أنا آسف ماكنتش أقصد”!
فعلًا وصلنا لمرحلة مش فاهمين ده غباء ولا سذاجة ولا أنتم فاهمين الدنيا غلط للدرجة ولا أنتم entitled للدرجة ولا فعلًا متحرشين عن قصد ومش فارق معاكم حاجة. ولكن أيًا كنت أنت إيه من الحاجات دي، ده مايمنعش من إن يتقال عليك متحرش وسببت أذى تقريبًا مش بيتمحي.
ولكن اللي هنلف ونرجعله هو إننا محتاجين نعلم الرضا أو الـ consent بجد من أولى حضانة في كل المجتمعات، محتاجين نمحي عقلية الـ mixed signals الجسدية، محتاجين نعلم الولد إن لو بنت جاتله وواجهته بحاجة زيّ دي، المفروض إنه يتعلم من غلطه ويتأسف، لكن مايجبش الغلط عليها ويحسسها بالذنب إن ازاي حاجة زيّ دي تيجي في دماغها وازاي تتهمه بالتهمة دي وإنها بتتبلى عليه وهي اللي ماقالتش لأ فهي كده مش مشكلته! بنستغرب أصلًا ازاي ممكن الجاني يحسس الضحية بالذنب بعد ما شرحت له اللي مرت بيه، فمحتاجبن نعلم ونفهم إن قد إيه الضحية بتفكر مرة واتنين وعشرة وبتاخد من كل قوتها قبل ما تقبل على اعتراف أو مواجهة كبيرة زيّ دي.
محتاحين نعلم الولاد مايدافعوش عن صحابهم الولاد، علشان هما كمان خايفين على مشاعر صحابهم، ممكن تشجعوهم إنهم يتأسفوا برضه ويتعلموا من غلطهم. محتاجبن نعلم الأهل يصدقوا أولادهم، ولو في نقطة شك بسيطة إن دي اتهامات غير حقيقية، نقعد معاهم ونفهم الاتهام ده نابع من إيه!
وبعد كل الأفكار العابرة دي، بنفكر ازاي رجال بالغة وفاهمة وواعية ودماغهم مش جاهلة مايكونوش فاهمين الرضا أو الـ consent، هل هي حاجة فعلًا لازم حد يعلمها لنا زيّ العد من واحد لعشرة، ولا هي حاجة بنكتسبها لوحدنا مع الحياة!
لغاية مانعرف ده، محتاجين الأهم إننا نعلم البنات يعني إيه رضا أو consent، لإن جايز هما كمان مش فاهمين، وده اللي بيؤدي إن معظم الضحايا بيغلطوا ويلوموا نفسهم، محتاجين نعلمهم إن ماتوافقيش بعد الزن والتحسيس بالذنب. ماتوافقيش علشان خايفة يسيبك. لو ماقُلتيش “لأ” فده مش غلطك إنك سكتي. مش معنى إنه جوزك أو صاحبك فده من حقه إنه يعمل أي حاجة حتى لو مش على هواكي. مفيش عار عليكي، فالشخص الوحيد اللي عليه العار هيكون هو. لو حد من العزاز والقريبين ليكي عملك حاجة مش عاجباكي، ده مش معناه إننا نسكت علشان “هو أكيد مايقصدش”. لو حد من أفراد العائلة قرب منك، ده مش معناه إنه عادي علشان ده “قريبي”. لو عوزتي تقولي لأ بعد ما قُلتي أه، ده حقك بالكامل. والحاجة الكبيرة بقى اللي معظم الستات مش واخدين بالهم منها، إنك من حقك تقولي لأ، ستات كتير لما بيتحطوا في الموقف ده مش بيقولوا لأ علشان بيكونوا فاكرين إن ماينفعش يقولوا لأ أو خايفين من رد الفعل لو قالوا لأ سواء رد الفعل ده هيكون إنه يعنفني أو يسيبني.
محتاجين نعلم البنات مايتعاطفوش مع الجاني علشان خايفين على مشاعره أو علشان هو حد قريب مننا مش عايزين نخسره، أو خايفين على صورته قدام الناس، محتاجين نعلمهم يدافعوا عن نفسهم ومايخافوش، محتاجين نعلمهم مايكَونوش رابط بينهم وبين الجاني واللي أكيد هيؤدي لمشاكل أكبر بكتير قدام في الحياة على كل الأصعدة، وبيأثر في التفكير في كل قرار في الحياة سواء في الشغل أو مع الأهل والصحاب أو نظرة نفسنا لينا، أو في اختيار شريك الحياة، أو حتى اختيار اللبس اللي بنلبسه، واللي قدام أوي هيسبب ندم كبير وكره للذات.
محتاجين نعلمهم يسألوا عن المساعدة ومايتكسفوش أو يخافوا، سواء كانت المساعدة دي من طبيب نفسي أو من مساندة الأصدقاء لينا.
محتاجين نعلم البنات مايلوموش أو يتهموا نفسهم، محتاجين نقول لهم إن الغلط مش غلطهم..
ده مش ذنبك ولا ده غلطك، أيًا كانت الظروف اللي حادثتك مرت تحتيها، فهي مش غلطتك.
محتاجين نفهم المعنى الحقيقي لـ لأ يعني لأ!