زينب الشربيني: أم تحمل ابنها عبد المنعم “الشاب الزجاجي” على كتفها 100 كيلومتر للجامعة
في قلب الريف المصري، وتحديدًا في مركز الستاموني بمحافظة الدقهلية، تعيش الحاجة زينب الشربيني، امرأة من زمن آخر، حملت ابنها الشاب الزجاجي عبد المنعم 28 عامًا بوهنٍ على وهن، دون أن تشكو يومًا أو تفقد صبرها.
الحاجة زينب الشربيني، أمٌ بسيطة في هيئتها، عظيمة في عطائها، تحمل عبء حياة لم تكن سهلة، لكنها أدارتها بقلب أم يحتمل كل شيء.
ابنها “عبدالمنعم”، الشاب الزجاجي كما يسميه أهل قريتهم، قصة مختلفة تمامًا.
منذ ولادته، كان هشًّا كزهرة تحت ريح، يعاني من مرض هشاشة العظام في أقصى درجاته.
أي حركة غير محسوبة قد تنتهي بكسر مؤلم لعظامه التي تخون جسده في كل مرة، يحاول أن يعيش كأي شاب في عمره.
الحاجة زينب لم تكن فقط أمًا، بل أصبحت حارسة لجسد ابنها الهش وأمانه المفقود.
حرصها على كل خطوة يخطوها، وكل حركة يبديها، جعلها أكثر من مجرد أم؛ صارت درعًا بشريًا لا يسمح للضعف أن يغلب ابنها.
في بيت صغير تغمره البساطة، تعيش زينب مع ابنها الشاب الزجاجي عبد المنعم، حيث تحيط حياتهما بهالة من الصبر والإصرار.
قصة الشاب الزجاجي ووالدته ليست مجرد حكاية مرض، بل شهادة حية على أن قلوب الأمهات قادرة على مواجهة أصعب الأقدار بابتسامة ودعاء، وإصرار على الحياة، مهما كانت هشة كعظام عبدالمنعم.
الشاب الزجاجي عبد المنعم: عظمي بيطق من أقل حاجة
“ربنا ميحرمنيش منك”، قالها عبد المنعم بصوت بسيط، لكنه مليء بالمشاعر المختلطة، معبرًا عن امتنانه وحبه العميق لوالدته التي لم تفارق مسيرته الدراسية رغم الصعوبات.
عبد المنعم الذي كان من المفترض أن يتخرج عام 2018، إلا أن الظروف الصحية القاسية حالت دون ذلك، ليظل الصبر والأمل قوتين تحركانه.
يشرح عبد المنعم حالته الصحية قائلاً: “عظمي بيطق من أقل حاجة”، مشيرًا إلى الألم المستمر الذي يعاني منه بسبب مرض هشاشة العظام.
ومع ذلك، كان أقسى ما يواجهه هو مشقة والدته، التي أجرت عمليتين جراحيتين؛ الأولى لإزالة ورم في الثدي، والثانية لإزالة الرحم.
لكن رغم معاناتها الجسدية، كانت تواصل حمله إلى الجامعة لأداء امتحاناته، فلا تتركه يواجه التحديات بمفرده.
عبد المنعم الآن في السنة الرابعة بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة دمياط الجديدة، ويُصر على إكمال دراسته رغم كل الصعوبات.
وأضاف: “باقي 7 مواد وهخلصهم السنادي واتخرج وأخف الحمل من على أمي”، ليعكس بذلك الأمل في النجاح والتخلص من عبء الحياة الذي تحمله والدته بكل حنان.
من خلال هذه الكلمات، يظهر عبد المنعم في صورة الشاب الذي لا يتوقف عن النضال، رغم الألم، لأجل تحقيق حلمه وتحقيق الراحة لوالدته التي كانت ولا تزال المصدر الأول لدعمه.
ماذا نعرف عن مرض العظم الزجاجي الذي يعاني منه الشاب عبدالمنعم؟
مرض العظم الزجاجي، المعروف علميًا باسم “هشاشة العظام الوراثية” (Osteogenesis Imperfecta)، هو اضطراب نادر يؤثر على قوة العظام وصلابتها.
يُطلق عليه “العظم الزجاجي” لأن العظام تصبح هشة جدًا وسهلة الكسر، حتى مع أقل مجهود أو ضغط.
أسباب مرض العظم الزجاجي
- اضطراب جيني: يحدث نتيجة طفرة جينية تؤثر على إنتاج الكولاجين، وهو البروتين الأساسي الذي يمنح العظام قوتها ومرونتها.
- نقص في تكوين الكولاجين: هذه المشكلة تؤدي إلى تكوين عظام ضعيفة وغير قادرة على تحمل الضغط أو الإجهاد.
أعراض مرض العظم الزجاجي
- كسور متكررة: تحدث حتى مع أقل إصابة.
- ضعف بنية العظام: مما يؤدي إلى انحناءات أو تشوهات في الهيكل العظمي.
- ألم مزمن: بسبب الكسور أو تدهور حالة العظام.
ما تأثير مرض العظم الزجاجي على عبد المنعم؟
عبد المنعم يعاني من هذا المرض منذ ولادته، مما يجعل حياته مليئة بالتحديات اليومية.
بسبب ضعف عظامه الشديد، قد يتطلب الأمر احتياطات إضافية في الحركة والأنشطة اليومية لتجنب الكسور المتكررة التي تسبب الألم وتعوق حياته الطبيعية.
هل هناك علاج لمرض العظم الزجاجي؟
لا يوجد علاج نهائي لمرض العظم الزجاجي، لكن يمكن التعامل معه من خلال:
- علاجات طبية: مثل أدوية تقوية العظام.
- تأهيل طبيعي: لتحسين الحركة وتقليل الألم.
- رعاية خاصة: لتجنب الكسور وإدارتها عند حدوثها.
مرض العظم الزجاجي ليس فقط تحديًا جسديًا، بل أيضًا نفسيًا واجتماعيًا يتطلب دعمًا كبيرًا من المحيطين بالشخص المصاب.
لا تفوّت قراءة: أشهر خرافات الحضارة المصرية: الفراعنة بين الأكاذيب الشهيرة والحقائق المغلوطة
الحاجة زينب الشربيني: ابني خف الريشة على قلبي
“ابني خف الريشة على قلبي وهخدمه بعيوني لآخر يوم في عمري” هذه الكلمات التي أطلقها قلب الأم زينب تعكس عمق حبها وتفانيها في رعاية ابنها عبد المنعم، الذي يعاني من مرض هشاشة العظام.
في حديثها، يملأ صوتها الدفء والحنان، حيث تؤكد على استعدادها الكامل لخدمته طوال حياتها، مهما كانت التحديات التي تواجهها.
زينب، التي تعتبر نفسها مسؤولة عن تربية ورعاية ابنيها، تروي قصة حياتها مع عبد المنعم، الذي اختاره الله سبحانه وتعالى ليصاب بهذا المرض، مؤكدة أن وجوده في حياتها ليس مجرد تحدٍ، بل رسالة من الله، وأنه سيكون شفيعًا لها يوم القيامة.
الحاجة زينب الشربيني: متأكدة أن ربنا مش هيسيبني
تقول: “ربنا اختارني أنا عشان أشيل عبدالمنعم طول عمري”، موضحة كيف تقاسم هي وزوجها أعباء الحياة؛ حيث يعمل زوجها في الفلاحة ليضمن لقمة العيش، بينما هي تظل بجانب عبد المنعم.
زينب لا تطلب الكثير، فقط أن يرى ابنها مستقبلاً أفضل، فتقول: “نفسي عبدالمنعم يتوظف وظيفة حكومية كويسة.. ويكون متيسرله حاله.. وعنده مصدر يعيش منه”.
فهي تتمنى أن تجد لابنها فرصة حياة مستقرة تضمن له الأمان المالي في حال غابت هي أو والده عن الحياة.
وفي نهاية حديثها، تختتم كلماتها بتأكيد إيمانها القوي وثقتها في الله، قائلة: “دايمًا كان عندي حسن ظن بالله.. ومتأكدة إنه مش هيسيبني.. لحد مجالي مكالمة إن شيخ الأزهر عاوز يشوف عبدالمنعم.. ربنا رضى قلبي”.
كيف حمت زينب الشربيني ابنها من غدر المرض؟
في مواجهة مرض “العظم الزجاجي” الذي يعاني منه ابنها عبد المنعم، لم تقف الحاجة زينب الشربيني مكتوفة الأيدي. بل قررت أن تحول الأمومة إلى قوة لا تعرف المستحيل.
يبلغ الشاب الزجاجي عبد المنعم من العمر 28 عامًا، يدرس حتى اللحظة الراهنة في كلية الدراسات الإسلامية التابعة لجامعة دمياط الجديدة، في الفرقة الرابعة
أدركت مبكرًا أن الرعاية الطبية وحدها لن تكون كافية، وأن التعليم هو السلاح الذي سيحمي ابنها من تحديات الحياة.
زينب، الأم التي حملت ابنها في أحشائها لتمنحه الحياة، قررت أن تحمله على كتفيها لتحقق له حلم التعليم.
رغم ضعف جسدها وآلامها، كانت تحمل عبد المنعم من وإلى المدرسة والجامعة، متحدية كل الصعاب.
وفي لقائها مع الإعلامي شريف عامر، عبرت عن التضحية التي قدمتها بقولها
ابني كان جسمي بيتكسر وهو قاعد على السرير، ومكانش عندي حل تاني يحميه لو مت، غير أنه يتعلم
كلماتها هذه تلخص رحلة كفاح استثنائية، حيث كانت الأم هي الجسد الحامي والداعم لطفلها ضد قسوة المرض وغدر الزمن.
زينب الشربيني ليست فقط نموذجًا للأمومة، بل مثال حي على أن الحب والإصرار يمكن أن يتغلبا على أصعب التحديات.
دين لن يرد: تحمل ابنها 100 كيلومتر يوميا ذهابا وإيابا
في رحلة استثنائية من العطاء، تواصل الحاجة زينب الشربيني، رغم بلوغها الستين من عمرها، حمل ابنها عبد المنعم إلى محاضراته الجامعية يوميًا.
عبد المنعم، الذي يدرس الآن الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر بدمياط، أصبح يمثل لها أملًا ورسالة حياة لا تعرف الكلل.
تقطع زينب المسافة الطويلة التي تبلغ حوالي مائة كيلومتر، من قريتها “الستاموني” إلى جامعة دمياط، ذهابًا وإيابًا، كل يوم.
ورغم التعب والمشقة، كانت الأم حريصة على أن يحضر ابنها جميع محاضراته ويعود إلى المنزل بسلام.
طوال سنوات دراسته الجامعية، ظلت زينب تتحمل المسؤولية بشجاعة، حتى وصل عبد المنعم إلى السنة الرابعة.
كل خطوة قطعتها الأم لم تكن مجرد وسيلة للوصول إلى الكلية، بل كانت رسالة حب وتضحية لا يمكن تقديرها بثمن.
هذا الدين العظيم الذي قدمته زينب لابنها، قد لا يُرد أبدًا، لكنه سيبقى شاهدًا على قوة أم تحملت عناء السنين لتضمن لابنها مستقبلاً مشرقًا، رغم ضعف جسدها وغدر الظروف.
لا تفوّت قراءة: أبشع 24 مأساة تسرد حكاية الألم في 2024: غزة تنزف وسط أهوال الحرب
تلبية النداء من شيخ الأزهر
في لحظة انتظرتها الأم وابنها طويلاً، تلقى عبد المنعم ووالدته اتصالًا من مدير مكتب شيخ الأزهر، ليتم إبلاغهما برغبة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، في لقائهما.
كانت المكالمة بمثابة أمل جديد، حيث أوصى شيخ الأزهر بتوفير الدعم الكامل والتكفل بكل احتياجاتهما، في خطوة تعكس التقدير والرعاية التي يقدمها للأشخاص في حاجة.
عبّر عبد المنعم عن فرحته العارمة قائلاً: “فوجئت تمامًا بالاتصال، وسعيد بلقاء شيخ الأزهر. أشعر أن هذه المكالمة هي عوض من الله على صبري الطويل وتحقيق لحلمي”.
كانت تلك اللحظة بالنسبة له تتويجًا للجهود والتحديات التي مر بها طوال سنوات.
أحلام الشاب الزجاجي عبد المنعم
وعن أحلامه، أضاف عبد المنعم: “حلمي بسيط؛ أن أجد وظيفة تضمن لي حياة كريمة وتقلل من شفقة الناس عليّ. وأتمنى أن تكون هناك فرصة تناسب حالتي”.
كلمات عبد المنعم كانت صادقة، تعبر عن رغبة في حياة مستقرة بعيدًا عن العوائق التي فرضها عليه مرض العظم الزجاجي.
لقاء شيخ الأزهر لم يكن مجرد لقاء رسمي، بل كان بمثابة الضوء في نهاية نفق طويل من التحديات، وأمل في مستقبل أفضل.