ريش: فيلم مايفهموش غير النخبة المُتعالية مش رجل الشارع البسيط

فيلم ريش للمخرج المصري عمر الزهيري عمل ضجة كبيرة بعد عرضه في مهرجان الجونة، وكان الفيلم قبل الضجة دي أخد جايزة النقاد في مهرجان كان، وبعدها أخد جايزة نجمة الجونة الذهبية لأفضل فيلم عربي روائي طويل، وكلها حاجات تشرف المصريين والسينما المصرية.

نجاحات الفيلم والتقدير العالمي اللي حصل عليه يشهد له، والمقالات الكتير اللي بتشرح مدى عمق الفيلم ومدى ثرائه الفني كتير. كاتبة السيناريو المصرية الكبيرة أستاذة فاطمة ناعوت، كتبت بوست طويل على صفحتها على الفيسبوك بتمدح في الفيلم. ورأي استاذة فاطمة بالنسبة لي حاجة كبيرة جدًا، ورأي يحترم. لكن أنا عندي بعض الملحوظات كرجل بسيط من الشارع.

بما إني هتكلم عن رأيي في الفيلم، لازم أوضح إني عِشت طفولتي، وجزء كبير من شبابي في أسيوط، وعيشت فقير جدًا وسط العدم والعبث والقبح اللي فيلم ريش بيحاول يظهره.

الفيلم معقد جدًا، وفيه غلوشة، وماقدرتش أفهمه كمُشاهد بسيط من الشارع المصري

أستاذة سناء جميل بتنتقد في الفيديو ده شغل المخرج المصري يوسف شاهين، بتقول إنها مش بتحب شغل شاهين علشان مش بتفهمه، وإنه بيعمل Distortion أو غلوشة، وفاهم إن دي عبقرية، وإن الفن مرآة المجتمع، ورجل الشارع البسيط بتاع المجتمع مش بيشوف أفلام شاهين لإنه مابيفهمهاش، والفيلم اللي المُشاهد البسيط مايفهمهوش، يبقى مالوش لازمة.

ولإني كمُشاهد بسيط ماقدرتش أفهم فيلم ريش، فهحاول أوضح المشاكل اللي خلت الفيلم صعب على العين ومش مستساغ.

التراتبية: ازاي تعمل فيلم ينفع يشتغل من قدام لورا زيّ من ورا لقدام؟

مشاهد الفيلم هي سلسلة من العبث المطلق، غالبية المشاهد مش بتخدم خط القصة Story line. لدرجة إنك لو طفيت التلفزيون في نص الفيلم ورجعت شغلته تاني، وحبيت تعرف أنت وقفت فين، مش هتعرف، لإن كل المشاهد شبه بعض، بنفس درجات الألوان المطفية، ونفس درجة الصوت الرتيب، ونفس الكادرات المنفرة للعين والمهترئة والمهجورة والـ Overly used materials.

أي مشهد في الفيلم بعيدًا عن الأحداث التلاتة الرئيسية، ممكن يتحط مكان أي مشهد تاني وهيأدي نفس الوظيفة، لإن مفيش تراتبية وبالتالي المشاهد مش مبنية على بعضها، ومش بتمهد الطريق للمشاهد اللي بعدها.

في مشاهد طويلة في الفيلم بتيجي من غير تقديم Pay off، بتتصدم إن الشخصيات في مكان جديد تمامًا، وبتعمل حاجات جديدة خالص، وأنت مش فاهم ازاي وصلوا هنا، وبيعموا إيه. المشاهد المُبهمة دي بتفضل شغالة لوقت طويل جدًا لدرجة إنه لما الفيلم بيفسر لك إيه اللي بيحصل بتكون فقدت الإهتمام، وأصابك الملل، واتخقنت. لما ده يحصل في معظم أحداث الفيلم، المُشاهد البسيط اللي زيّي هيحس إنه غبي، وهيزهق، ويسيب الفيلم ويمشي.

السنيماتوجرافي في ريش: كل ما اللقطات القريبة Close ups ما تكتر كل ما جرعة الفن تزيد

في قواعد في المونتاج بتحدد ازاي المونتير ممكن يستخدم اللقطات القريبة، واللقطات البعيدة، يعني ازاي يحطهم ورا بعض بشكل يخدم القصة، والجماليات السينمائية، ويخلي المُشاهد مستمتع وشغوف. أول القواعد دي إن اللقطات القريبة Close ups ماينفعش تيجي ورا بعض كتير، وكذلك اللقطات البعيدة.

الفيلم استخدم اللقطات القريبة بشكل مبالغ فيه وورا بعض، لقطات كانت بتقطع وش الممثلين وتقتل تعبيراتهم وتركز على حاجات زيّ إيديهم والأشياء اللي حوليهم لدرجة إني كنت بتخنق، وببقى عايز الكاميرا تبعد شوية علشان أشوف الممثلين، وأشوف المحيط بتاعهم، وأفهم إيه اللي بيحصل في المحيط ده. كنت ببقى حاسس بغضب لإن المشهد أكيد فيه طاقة وديناميكا بتحصل ورا الكادر المبتور ده.

تصميم النظام الصوتي: المزيكا أعلى من الواقع، والصورة منفصلة عن الصوت

المزيكا في الفيلم جميلة لكن تصميمها فيه لخبطة، وأوقات دخولها في المشاهد مش مضبوطة، ومش بتساعد في خلق أجواء معينة في الفيلم بالعكس دي بتتداخل مع الجو العام للمشاهد كتير، وبيبقى المود بتاعها بيناقض المشهد اللي بتشتغل فيه.

كمان أصوات الدوشة، والتصقيف في المشاهد بتكون غالبًا أكتر أو أعلى بكتير من الناس اللي موجودين في المشهد، وده لإن الفيلم مسجل الدوشة والتصقيف وضايف الصوت على المشاهد، فخلق حالة من الإنفصالية ما بين النظام الصوتي والصور.

الكادرات المنفرة للعين: الفن لا يخضع لفلسفة الجمال

في فنون بصرية كتير بتركز على القبح كمادة أساسية تشتغل عليها لإن الأشياء القبيحة فيها مساحات فنية كبيرة، ونقدر نعمل منها منتجات توصل لمُتلقي الفن بسهولة، ويقدر يتعاطف ويتواصل معاها.

في فيلم ريش كل حاجة مُهترئة، وممزقة، وتم استخدامها بشكل مبالغ فيه. والأماكن كلها مهجورة ومش بتوحي خالص إن في حد عايش فيها، وكل الأشياء القبيحة مبالغ فيها لدرجة تثير الإشمئزاز.

الفن فعلًا لا يخضع لفلسفة الجماليات، لكن الكادرات اللي بيستخدمها عمر الزهيري علشان يبرز القبح الموجود في العالم اللي خلقه، بتلوي القبح في أشكال مقززة وتثير الغثيان.

أفلام أليخاندرو خودرفوسكي فيها قدر شنيع من القبح، بس بيعمل منها كادرات فنية تخلي المشاهد يستمتع وهو بيشوف القبح ده. خودروفوسكي بيعمل من القبح منتج جمالي من غير ما يوصل المشاهد للغثيان والقئ في صالة السينما.

الكادرات في فيلم ريش مش قبيحة علشان بتصور الفقر ولكن علشان اللقطات نفسها منفرة، وجاية من زوايا بتركز على مواد مقززة، زيّ البراز والدم والقيح واللعاب والبول، وكل الحاجات دي مفهوم سبب وجودها في الفيلم، بس مش مفهوم ليه بيتم توظيفها بشكل مبالغ فيه، ومن زوايا تحسس المُشاهد إن المواد دي على جلده.

لازم تجذب المُشاهد للفيلم مش تخليه يشمئز ويتقزز ويبقى عايز يهرب منه. لو عايز توصل للمُشاهد إن الناس دي عايشة في قذارة وقبح بسبب الفقر اللي دايس عليهم، يبقى لازم تجذب المُشاهد علشان يكمل معاك للنهاية، وتقدر توريه الصورة كاملة.

بناء الشخصيات: ريش وصمت وموات

بطلة ريش اللي مالهاش اسم: الشخصية على ما يبدو مش محتاجة تمثيل

شخصية البطلة مالهاش اسم لإنها بتعبر عن كل ست، في كل مكان، وفي كل زمن، زيّ ما واقع الفيلم ممكن يكون أي مكان في العالم، وممكن يكون بيحصل في أي زمن. النقطة دي هي الحاجة الوحيدة المفهومة في تركيبة شخصية البطلة. باقي الشخصية عبارة عن ممثلة واقفة ببوكر فايس أو ظاهرة بضهرها أو بإيديها أو بنص وشها من غير ما تدي أي تعبيرات أو ردود أفعال على اللي بيحصل.

شخصية مش موجودة في الفيلم، سلبية جدًا وفقيرة من حيث التركيب الدرامي، وشها مش بيظهر أي مشاعر إنسانية في المشاهد القليلة جدًا اللي بنشوفه فيها، وصوتها مفيهوش أي طاقة شعورية، ومش بيوحي بحزن أو وجع أو فرحة أو استغراب، وده في الكلمات القليلة جدًا اللي بتقولها في الفيلم، وبالتالي ماتقدرش كمُشاهد تستشف أي حاجة من وجودها على الشاشة.

مهما كان الغرض السينمائي اللي عمر الزهيري كان عايز يوصله للُمشاهد من بناء الشخصية المنعدمة دي، فهل ده يبرر إنه يخلق شخصية شديدة السطحية لدرجة إن المُشاهد مايقدرش يفهمها أو يتفاعل معاها وبالتالي مايقدرش يتعاطف معاها؟

إيه الغرض من بطلة فيلم عن الفقر، وبتعبر عن قسوة، وآلم، ومعاناة النساء المهمشات، بس المُشاهدين مش قادرين يتعاطفوا معاها، وبالتالي معاناتها مش وصلالهم.

باقي الشخصيات: فيلم زومبي ممل

الشخصيات كلها تحسها موتى، كلهم بيتحركوا، وبيتنفسوا، وبيمارسوا حياة عبثية جدًا، لكن الديناميكا ما بينهم مش طبيعية، فيه شيء مصطنع جدًا، بيدوا إحساس إنهم ممثلين وحشين، حتى دميانة نصار (الشخصية الرئيسية)، ومش من الطبيعي إن يكون فيلم كامل مافهموش ولا ممثل واحد عارف يمثل ويدي ديناميكا طبيعية، إذًا أكيد المخرج قاصد يطلع الديناميكا الشاذة دي ما بين شخصياته، بس ليه؟ العنصر ده ماضافش أي حاجة للفيلم، وماخدمش أي فكرة.

الشخصيات السلبية والديناميكا الشاذة ما بين الشخصيات، والأحداث العبثية هي تيمة سينمائية معروفة في الأفلام المستقلة في العالم كله، وهتلاقيها ظاهرة بشكل واضح جدًا في فيلم يد إلهية Divine intervention للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان، لكن سليمان موظف كل العناصر الشاذة والعبثية دي في مقطوعة فنية مبهرة بصريًا، وليها ثقل فني واضح، ومترتبة في أحجية سينمائية صلبة وذكية. على عكس فيلم ريش اللي عمل distortion وغلوشة، وماهتمش يوظف العبثية والسلبية وديناميكا الشخصيات الشاذة دي في لوحة سينمائية توصل صورة واضحة للمُشاهد.

فيلم ريش عمل ضجة كبيرة في السينما، وعمال يفتح مناقشات حادة ما بين الفنانين، والمتخصصين وجمهور السينما العادي، والمناقشات دي بتُثري ثقافتنا كشعب، وبتحرك ساقية الفن، وبتخلينا نطلع إبداعات أكتر. احنا مش بنحجر على حرية التعبير الفني لحد، بس بنمارس حريتنا في نقد الفن اللي بيتقدم لينا.

آخر كلمة: الفن هو تعبير الإنسان عن الحاجات اللي بتحصل جواه، وبيخضع لمفاهيم التفسير، وبالتالي كل شخص بيستقبل العمل الفني بالشكل اللي هو شايفه، ورؤيتي الشخصية للفيلم مش بتعبر عن قيمته الفنية.

تعليقات
Loading...