ديستوبيا الأخ الأكبر في مصر: إيه هي وحدة تطهير المجتمع وإيه دورها؟
قدم المحامي المصري أشرف فرحات، مؤسس حملة “تطهير المجتمع” بلاغ للنائب العام، المستشار حمادة الصاوي، في الفنانة فيفي عبده، بيتهمها فيه بنشر الفسق والفجور.
البلاغ اتقدم بعد نشر فيفي عبده فيديو على صفحها على الإنستجرام وهي بترقص بفوطة حمام. قال في البلاغ: “لذا نلتمس من سيادتكم فحص البلاغ وإحالتها للتحقيق وتقديمها للمحاكمة”.
تطهير المجتمع – مجرد حملة عابرة ولا اتجاه فكري مسيطر على الشعب المصري؟
الهدف من حملة أشرف فرحات، تطهير المجتمع، هو الملاحقة القانونية لأي حد يتعدى على “ﻣﺑﺎدئ الأسرة المصرية” زيّ ما هو واضح من نص البلاغ اللي قدمته الحملة ضد فيفي عبده. الحملة دي مش جديدة خالص على الساحة الاجتماعية في مصر، بالعكس ده اتجاه فكري مسيطر جدًا، وعندنا المحامي سمير صبري اللي قدم أكتر من 3212 بلاغ ضد فنانين وشخصيات عامة.
واحد من أشهر بلاغات سمير صبري اللي اتحولت لقضايا رأي عام هو البلاغ اللي اتشهر باسم “قضية فستان رانيا يوسف”، واللي اتنازل عنه سمير صبري بعد ما عمل ضجة كبيرة جدًا في الشارع المصري، وقضية “الإشارة البذيئة” ضد المحامي خالد علي، والبلاغ ضد شيرين عبد الوهاب بتهمة الإساءة لسمعة مصر، واتهام أحمد مالك بإهانة الشرطة، وقضايا تانية كتير حققت لسمير صبري شهرة واسعة ومكاسب كبيرة، باعتراف سمير صبري نفسه.
رغم إن بلاغات سمير صبري وأشرف فرحات بيكون الغرض منها هو تحويل أي حدث بسيط لقضية رأي عام علشان يتم تحقيق مكاسب معينة، إلا إن المكاسب دي بتيجي من استغلال فكرة الرقابة الأبوية اللي مسيطرة على معظم الشعب المصري. الخطر هنا إن القضايا اللي زيّ دي لما بتوصل للشارع وتفرقع وتتحول لقضايا رأي عام، بتستفز الأفكار المتطرفة اللي عند ناس كتير في الشارع وبتشجع سياسة الرقابة الاجتماعية (رقابة الأفراد على الأفراد) واللي ممكن تتحول لجرايم كراهية وجرايم طائفية وعنصرية.
حملة تطهير المجتمع هي المنتج الطبيعي لسياسة المراقبة الاجتماعية اللي بدأها سمير صبري وناس زيّه كتير، والشكل المنظم من الوصاية الأبوية على الآخرين، واللي ظهرت في أسوأ أشكالها النهارده باسم ينذر بخطورته على المجتمع: “تطهير المجتمع”.
كلمة تطهير كلمة بتوحي بالتخلص من “الشوائب غير المرغوب فيها” علشان نوصل لشكل نقي من الشيء، ولما حد يستخدم الكلمة دي في اسم حملة اجتماعية بتنظيم قانوني، لازم نستشعر ناقوس الخطر.
مين اللي من حقه يحدد الشكل النقي للمجتمع اللي التطهير بيهدف له؟ ومين هما “الشوائب غير المرغوب فيها” اللي حملة تطهير المجتمع عايزة تتخلص منهم؟ والأهم، مفهوم التخلص من الشوائب ممكن يوصل لإيه؟ هل استفزاز واستغلال القانون هو أخر مرحلة في الرقابة الأبوية دي ولا ممكن الموضوع يوصل، زيّ ما قولنا، لاستفزاز شعبي وجرايم كراهية؟
ديستوبيا الأخ الأكبر: المراقبة الأبوية على الأفراد
اللي بيحصل ده بيفكرنا برواية 1984 لجورج أورويل واللي بتتكلم عن مجتمع خاضع لسُلطة الرقابة الأبوية في صورة شخص واحد “الأخ الأكبر” اللي بيراقب أفكار الناس وأفعالهم وبيطبق القانون على المخالفين في صورة الإعدام أو الاعتقال. وشخصية الأخ الأكبر هنا مجرد كناية عن أي شكل من أشكال الرقابة على الإنسان وأفكاره وحدود حريته الشخصية.
في الوقت الحالي، النظام السياسي في مصر بيتجه لمجتمع مدني وبيرسخ لمفاهيم تقبل الآخر في شكل احتضان القانون لتقبل الاختلافات الفلسفية والعقائدية للآخرين. رغم إن الاتجاه العام للنظام السياسي بيبشرنا بمجتمع متسامح إلا إن الحملات المجتمعية الشبيهة بحملة تطهير المجتمع بتهدد بتركيبة اجتماعية متشددة وغير متقبلة للآخر بشكل أكبر.
لو ماقدرناش نقف في وش الأفكار المتطرفة دي ونتصدى للتنظيمات المتشددة اللي بتهدد السلام الداخلي للمجتمع، ممكن نلاقي المجتمع اتحول لسجن بيراقب فيه الناس أفكار بعض واختياراتهم الشخصية زيّ اللبس والمظهر وحتى الاختيارات الشخصية المُسَلم بيها زيّ العقيدة والأفكار الفلسفية وطريقة ممارسة الأفراد لحياتهم اليومية. والخوف الأكبر إننا نتحول لمجتمع عنيف والشارع يبقى مكان غير آمن للأفراد بسبب عدم تقبل اختلاف الآخر.