التعليم الفني بين الأهمية والنظرة الاجتماعية: حوار مع المهندسة سها هيكل
لو هنتكلم عن تاريخ التعليم الفني في مصر هنرجع بالذاكرة لعصور مصر القديمة، اللي رغم كونها دولة زراعية في المقام الأول، إلا إن صناعات العصر البرونزي وصلت فيها لدرجات متطورة جدًا؛ من صقل المعادن للصناعات المرتبطة بالمعمار اللي لسه بيحير علماء المصريات لحد النهارده، وغيرها كتير.
يتضح من آثار وسجلات المصري القديم التاريخية إن التعليم الفني كان ضرورة محورية في مصر لخدمة المنظومة الحضارية اللي لسه بتبهرنا لحد النهارده.
علشان نفهم أكتر عن التعليم الفني في مصر النهارده والمشاكل اللي بيواجهها والحلول اللي بيبتكرها المهتمين بالمجال، مالقناش مثال أقوى من معهد الدراسات التقنية والمهنية بالاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، واللي تم افتتاحه سنة 2004 بشهادة معتمدة من هيئة پيرسون البريطانية.
واتكلمنا مع المهندسة سها هيكل، رئيس التسويق في مجمع خدمة الصناعة بالأكاديمية. بتقول هيكل: “بعد افتتاح المعهد لاحظت إن مافيش إقبال عليه رغم حاجة مصر الماسة لفنيين يقوموا الصناعة”.
قررت هيكل تستغل إمكانياتها في التسويق علشان تروج للتعليم الفني في مصر. قدرت هيكل فعلًا تسبب طفرة، وزاد عدد الطلاب اللي بينضموا للمعهد، ووصل عددهم للمئات.
بداية التعليم الفني في مصر الحديثة وآثره على النهضة الصناعية والإقتصادية
بدأ التعليم الفني في مصر الحديثة بالبعثات اللي بدأها محمد علي لأوروبا سنة 1813، وكان بيتسمى طلابها “المهرة”، وكان المهرة بيروحوا يتعلموا مهارات الصناعة علشان يرجعوا يطبقوها في مصر، وبتقول هيكل إن المهارات اللي اتعلمها الطلاب المصريين في أوروبا شملت بناء السفن وفن الطباعة والهندسة والفنون البحرية والعلوم المختلفة.
البعثة التالتة اللي تم ارسالها سنة 1829، كانت بعثة فنيين تم ارسالهم في 73 تخصص، لتلات دول هما فرنسا والنمسا وانجلترا، وكانت من أهم الصناعات اللي اتخصصوا فيها هي صناعة الآلات الجراحية والساعات والأسلحة وصقل المعادن والجواهر والميكانيكا.
بتقول هيكل إن طلاب البعثة رجعوا مصر علشان يقودوا التعليم في المعاهد والمدارس الفنية المصرية اللي كانت في أوج تألقها في الوقت ده، وبتوضح إن مهارات الطلاب دول ظهرت بشكل واضح في قصور وصناعات الفترة دي واللي لسه عايشة لحد النهارده.
بتشير هيكل لوضع التعليم الفني في مصر زمان: “. كنا منتبهين للتعليم الفني من قبل تركيا وألمانيا، علشان كنا عارفين إن أي دولة في العالم أساس نهضتها هي النهضة الصناعية واللي بيكون منبعها التعليم الفني”.
بداية إنحدار التعليم الفني في مصر
انحدار التعليم بدأ من النظرة المجتمعية المتدنية، وبتقول هيكل في السياق: “مصر كانت دولة زراعية لحد ثورة 23 يوليو 1952، اللي بدأت بعدها الدولة تتحول للصناعة، ورغم كده لقينا مجانية التعليم بتتوجه للتعليم الحكومي العام والكليات، وبسبب كده بدأ يظهر ميل المجتمع لمفهوم “البكالوريوس”، وتحقير أي شكل آخر من التعليم”.
بدأت مصر التحول للصناعة مع كوريا الجنوبية، ولكن للأسف ماحققناش نفس النجاح اللي حققوه، وبتقول هيكل إن كوريا الجنوبية بدأت كدولة فقيرة جدًا ماعندهاش أنهار وأراضي منتجة زينا، ولكن بدأوا بالصناعات اللي بتعتمد على الثروة البشرية، وبعدين دخلوا صناعات أكثر تعقيدًا خطوة بخطوة، لحد ما وصلوا النهارده للصناعة الإلكترونية.
سألنا هيكل عن وضع الصنايعية في مصر
بتقول هيكل إن كلمة “صنايعية” فيها مشكلة، وبتوضح: “الصنايعي هو اللي بيتعلم صنعة معينة من حد ومع الممارسة بيتقنها، من غير تعليم أكاديمي، أما الجزء اللي احنا بنتكلم عنه هو إنتاج الفنيين، والفني شيء مختلف”، وبتضيف: “الفني فاهم أجزاء المكنة وعارف أسماءها وأسباب تركيبها ومكوناتها والمادة المصنوعة منها وليه المادة دي بالذات” وبتأكد: “ده اللي المصانع محتاجاه”.
التقني درجة أعلى في المهارة والمعرفة، وبيعرف يفك ويركب ويصلح أجزاء المكنة ويشخص مشكلاتها، والمرحلة اللي بعد كده هي التقني المهني، واللي بيشتغل مع المهندس بشكل مباشر، ويقدر يقرأ اللوحات، ويواكب التكنولوجيا، ويوصل المعلومة للفني، ويقرأ الكاتالوج باللغة الأصلية بتاعته. بتقول هيكل: “هو ده اللي لما تبوظ حاجة في المصنع ونكلم الشركة الأم في بلد ما بتبعت التقني المهني High technician علشان يصلحها”.
درجة الفني بتتحدد بدرجة إتقانه للمهنة، بتوضح هيكل إن في الدول الصناعية الكبرى ممكن نلاقي فني ماسك رئاسة قسم في المصنع علشان حقق متطلبات الوظيفة، رغم إن ماعندوش شهادة جامعية.
في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، بياخد الفنيين شهادة هيير ناشيونال دبلومة higher national diploma اللي بتتطلب بالاسم في جرايد الدول الخليجية الصناعية زيّ الإمارات، علشان بيكونوا على درجة كبيرة جدًا من المهارة والمعرفة، وبتقول هيكل إن معظم حاملين الشهادات دي بيجوا من الهند وباكستان، وعلشان كده بدأت مصر تهتم بإنتاج المهارات دي عندنا.
أسباب دفعت هيكل للتركيز على التعليم الفني
كان من أول ملاحظات هيكل على الصناعة في مصر إن المصانع بتشتكي من عدم توافر الفنيين المهرة، وعلشان كده بعتت باسم الأكاديمية بعثة لإنجلترا تبع مؤسسة “بيرسون Pearson” وبتقول هيكل إن كان شرط المؤسسة إنهم يبعتوا فنيين مش مهندسين بس، حتى لو كانوا مش بيتكلملوا إنجليزي، وبتشير إن الدول الصناعية الأوروبية مهتمة بإنعاش الصناعة في دول العالم التالت.
بتوضح هيكل إن طلبة التعليم الفني في الأكاديمية بيتكونوا في جزء كبير منهم من طلبة ثانوي صناعي، ولكن معظمهم طلبة ثانوية عاملة، وبتقول إنهم واجهوا مع الطلبة مشكلة كبيرة في قراءة الكتالوجات بالإنجليزية، فاضطروا يبدأوا معاهم اللغة من الصفر، ويشتغلوا على مهارات التواصل عندهم علشان يحسنوا قدراتهم على التواصل مع الآخرين في المصنع.
تغيير النظرة الاجتماعية ناحية التعليم الفني في مصر
بتقول هيكل: “أنا ودكتور عصام البكل، عميد مجمع خدمة الصناعة بالأكاديمية العربية في الوقت ده واللي يندرج تحته معهد الدراسات التقنية والمهنيه، فكرنا إننا لازم نبدأ في تغيير النظرة الاجتماعية للتعليم الفني، وهي المهمة اللي قادها البكل من خلال “منتدى التعليم الفني في مصر لتغيير النظرة الاجتماعية”.
في 2016، بدأت الأكاديمية تقيم فعاليات بحضور السفراء والوزراء ورجال الدولة والصناعة، وفي 2018 كانت الفعالية برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، واتناقشت فيها المشاكل اللي بتواجه المصانع ورجال الأعمال.
بتقول هيكل: “تخيل إن رجال الأعمال في مصر بيضطروا يستوردوا عمالة من الخارج عندها المهارات الفنية اللي مصانعنا محتاجاها!”
مسابقة أحسن فني في العالم
في 2018، المركز الثقافي البريطاني عزم المعهد علشان يحضر مسابقة المهارات World Skill Competition، واللي بتوصفها هيكل بإنها مسابقة ضخمة زيّ كاس العالم ولكن للفنيي؛ أحسن خراط وأحسن لحام وأحسن ميكانيكي.. إلخ، وبيحضر المسابقة طلبة المدارس الصغيرين علشان يشوفوا الفنيين بيشتغلوا بإيديهم، علشان يشجعوا الطلبة على إنهم يشتغلوا المهن دي بعد كده.
بتقول هيكل إن المركز الثقافي البريطاني اداهم كل الدعم علشان يعملوا مسابقة زيّ دي في مصر، وفعلًا اتعملت في 2019، وعملوا موقع إلكتروني علشان الفنيين يسجلوا عليه لدخول المسابقة، ودخل المسابقة فنيين من 24 تخصص، وكان لأول تلات مراكز جوايز مادية، وكانت المصانع بتتسابق على تشغيلهم.
بتشير هيكل للأوضاع المادية السيئة للفنيين في مصر وبتقول: “كنا بنشيل مواصلاتهم وإقامتهم وكل حاجة محتاجينها علشان يدخلوا المسابقة، لإنهم رغم كونهم أفضل فنيين في مصر إلا إنهم تحت خط الفقر”.
وجه المقارنة بين مصر وألمانيا في مجال التلعيم الفني
تتساءل هيكل: “ألمانيا حققت نهضتها بإيه؟ بالصناعة، والصناعة طلعت منين؟ من التعليم الفني”.
بتعتمد ألمانيا على التعليم المهني المزدوج باستخدام منهج نظري وآخر تطبيقي، في تخصصات كتير ولمدة تلات سنين، والطلبة بيروحوا يتدربوا في مصانع على مكن حقيقي.
ألمانيا بدأت مع مصر تجربة رائعة سنة 1995، وهي مبادرة مدارس مبارك كول للتعليم الفني، واللي طبقت مصر فيها تجربة التعليم المزدوج، وبدأوا يعلموا الأولاد نظري يومين في المدرسة وأربع أيام في المصنع، بعدها بدأوا يعملوا مدرسة جوا المصنع علشان يكون التواصل بين النظري والعملي مباشر.
بتقول هيكل إن التعليم الفني في مدارس مبارك كول أصبح تحت رحمة اتحاد مستثمرين ووحدات إقليمية ومجلس جواه مجلس، وبتوضح هيكل إن الطلبة بيتاخدوا بعد الإعدادي في المدارس الداخلية جوا المصانع وبيتم استغلالهم لحاجة المصنع لعمالة رخيصة، وبالتالي بيشغلوهم على أساس إنهم بيتعلموا لكن الحقيقة إن مافيش منهج تعليمي ومافيش متابعة، زيّ بدايات مدارس مبارك كول.
إيه اللي الدولة ممكن تعمله لإنقاذ التعليم الفني في مصر؟
بدأت الدولة تناقش أهمية التعليم الفني، وبدأ الرئيس يعطي الموضوع اهتمام في رؤية الدولة 2030 للاهتمام بالتعليم الفني.
الدولة عملت الكلية التكنولوجية للتعليم الفني، واللي بتدي بكالوريوس بعد أربع سنين، وبتقول هيكل إن ده فرق كتير مع الطلبة، لإن النظرة الاجتماعية اللي بتوصم أي حد مش معاه بكالوريوس، قدرنا نلتف حواليها.
بتوضح هيكل إننا محتاجين رقابة على المدارس زيّ مبارك كول وغيرها من مدارس الثانوي الصناعي، لإن أحيانًا كتير في المدارس دي الدولة بتدفع مبالغ كبيرة لشراء مكن لتعليم الأولاد، ولكن المدارس نفسها مش بتعلمهم عليه وبتخاف عليه، غير إنها مش بتعمله صيانة وبتتجاهله ومع الوقت بيقدم ويبوظ وبيتباع بأسعار زهيدة.
أخيرًا، بترفع هيكل طلب للحكومة علشان يكون في حل جذري لمشكلة التعليم الفني في مصر وبتقول: “لازم يكون في صوت في البرلمان للتعليم الفني، ويكون في ممثل عن العمالة المصرية في البرلمان”.