من الحارة للكومباوند: ازاي اتغير شكل حياة العائلات المصرية من زمان لدلوقتي؟

في مرة وأنا بتفرج على التلفزيون وبقلب، لقيت إعلانات عن الكومباوندات في مصر، محتواها “أنت هتعيش في مكان مش موجود في أي حتة في العالم” وبدأ يتكلم عن شكل الحياة في الكومباوند هتبقى عاملة ازاي، وروحت قلبت على القناة التانية لقيت برضه إعلان عن كومباوند بس المرة دي كانت أغنية لفنان مشهور، محتواها إن دي “الحياة على أصولها”، بس اللي شد انتباهي أكتر من محتوى الإعلانين، إن كل الأسامي اللي شفتها “أجنبية” وبدأت أسأل هو ليه بيحصل تغريب في أساميهم؟ ولما فكرت شوية لقيت إن الموضوع مش فكرة أسماء غربية، الموضوع أكبر من كده.

بدأت تدور أسئلة في دماغي، زي هو امتى بدأت فكرة المجتمعات المقفولة؟ وامتى العائلات المصرية بدأت تهاجر من الأحياء اللي اتعودت عليها لأحياء واخدة شكل تاني؟ هل الموضوع ده هو التطور الطبيعي للمجتمعات؟ ولا مجرد طفرة حصلت وممكن تنتهي في يوم من الأيام؟ الإجابة عن الأسئلة دي كانت أشبه بعملية بحث طويلة علشان ترد على كل جانب.. هنشوف احنا وصلنا لإيه.

ليه بيحصل تغريب في أسماء الكومباوندات؟

هنا احتجت لمتخصص في التسويق يكلمني من الجانب الأكاديمي، وحد شغال في وكالة إعلان اتعامل في مشاريع على أرض الواقع، وأقارن بين ردودهم، وأشوف هل هيوصلوني لنفس النتيجة ولا لأ.

في البداية، اتكلمنا مع دكتور “أحمد عبد السلام” مدرس في قسم علاقات عامة والإعلان كلية الإعلام، وقال:

“السوق العقاري بيتعامل مع سلعة في الأساس مرتفعة التمن، بنسميها “Prestige”، وزمان لحد قبل الألفينات كنا بنتعامل مع السكن على إنها وسيلة للأمان والحماية، لكن بعد الانفتاح والسفر للخليج حصل خلل في الطبقات الاجتماعية، والناس بقت تعتبر السكن جزء من الواجهة الاجتماعية، وهتلاقي حتى الإعلانات بتوصل لك إنك هتبقى في community أو bubble “مجتمع معين””.

وأضاف: “المسوقين بدأوا يستغلوا النقطة دي باستراتيجية بنسميها “نمط الحياة” وجزء منها مرتبط بالـ “الآخر” الأجنبي، فبدأوا يسموهم على أسماء مقاطعات أجنبية أو تعريب مترجم، وده تم استغلاله في تبرير تمن الوحدات اللي مبالغ فيه، المكسب ممكن يتعدى 400 لـ 500 % في القطاع ده”.

وكمل كلامه وقال إن السوق نوعي جدًا، في 10% دخولهم عالية في مصر واللي بنسميهم “Niche market – النيش” وفي الطبقة دي اسم الكومباوند بيفرق معاهم، لو قولتيله تعالى اسكن في “الأصالة” هيقولك لأ ده بلدي، والمسوق بيلعب على الحتة دي.

طب ما في نماذج كومباوندات بأسامي عربي زيّ “مدينتي والرحاب”.

بيقول دكتور أحمد، إن ده كان تحدي، وهشام طلعت مصطفى هو الوحيد اللي عمل المعادلة الصعبة دي، زمان كان الإقبال عليها قليل بس لما الناس شافت الخدمات اقتنعوا، وختم كلامه: “وماتنسيش كمان إن طلعت مصطفى بيلعب على اسمه”.

هنا بقى احتجت أتكلم مع مسؤولة في وكالة إعلانات اتعاملت مع شركات عقارات كبيرة، بس رفضت تقول اسمها، وسألتها نفس الأسئلة، قالت: “الفئة المستهدفة A Class، أو بمعنى أصح الناس اللي معاها فلوس، وثقافتنا إن أي حد معاه فلوس لازم تكلمه إنجليزي، وفكرة الكومباوند معمولة أصلًا علشان تجذب الفئة اللي بتحب تحس إنها مميزة”.

وسألتها، هل الاسم بيفرق في المبيعات؟ قالت: “هي الفكرة فريق تسويق شاطر عارف يوصل للجمهور المستهدف بتاعه بشكل صح، الموضوع كله “سيكولوجي بحت” أنا بلعب على حتة أنت محتاج إيه وعلى أساسه ببني رسالتي”، وكان عندي فضول أسألها على خدمة العملاء اللي بتقعد تكلمنا وبتسألنا على تقسيط في كومباوندات، قالت “ده بيبقى بشكل عشوائي لإن في فئة من “النيش” بتبقى مستخبية، فالمكالمات دي بتوصلنا بهم”.

وأنا بفرغ الحديث، استحضرني مقولة في كتاب اسمه “الإسكندرية: سنوات الشفق والغسق” لـ “محمود صقر”، بيقول الكاتب عن ثقافة الكومباوند “انتقلنا لمرحلة الفصل الطبقي، حيث صنعت نوعًا من العزلة، وأصبحت خدمات تلك التجمعات تغني ساكنيها عن الاختلاط، أصبحت الأسوار والبوابات عالية، ومسؤول المبيعات لديه رد جاهز حين يسأل العميل عن سبب ارتفاع الأسعار: “نحن نبيع لك community “مجتمع” يا فندم، يعني نحن لا نبيع لك وحدة سكنية بمواصفات كذا، نحن نبيع لك المجتمع السكني الذي تتشرف بأن تنتمي إليه”.

التصميم المعماري للكومباوندات مبني على أساس إيه؟

في كتاب تحت عنوان “المدينة العربية: تحديات التمدين في مجتمعات متحولة” بيتكلم عن نقطة التصميم المعماري للمدن السكنية، وقال إنها بقت في غالبيتها بتعتمد على الطابع الأوروبي والأمريكي، وده اللي بيظهر في الإعلانات اللي بتعلن عن الكومباوندات، وبتقول: “إن المشروع يتميز بطابعه المعماري الفريد للعمارة الإيطالية” ولما دورت في المواقع الرسمية لهم لقيت نفس التيمة لمعظم المنشورات “فخامة الطراز الأوروبي.. حياة الريف الأوروبي.. خليط بين الأمريكي والأوروبي”.

وهنا كنت محتاجة أعرف معلومات أكتر من خلال مهندسة معمارية، وسألتها شكل الكومباوندات بتتبني على أساس إيه؟ هل من وحي مقارب لبيوت المجتمعات الغربية؟ ولا مجرد تصميم لطراز حديث ومختلف؟ قالت: “احنا بنشوف اتجاه العالم رايح فين، وإيه اللي ناجح دلوقتي، فكل ده بيبقى حسب رؤية العميل، وعلى أساسها بيطلب مننا الجو والتصميم المناسب”.

وكملت كلامها وقالت: “الموضوع مش معتمد على فكرة طراز على قد التسهيلات اللي هقدمها لهم، لإن ماحدش من كلمة “طراز أوروبي” هيروح يشتري ممكن يروح يتفرج بس، هيشتري لما يشوف الخدمات والمميزات”.

ولما سألتها إيه المختلف عن أي مساكن برا؟ قالت: “نسبة السكان أقل، عندك مساحات خضراء كتير، الدنيا أمان لو حبيتي تاخدي عجلة أو تتمشي، هتلاقي نوادي، مراكز محلات، ومطاعم، كل ده في مكان واحد”.

وكنت حابة أعرف نقطة عن هل التصاميم دي خلت يبقى في عزلة للأسر وغيرت من فكرة بيت العيلة اللي اتربينا عليها؟ قالت: “بالعكس، أنا مش شايفة إنها لغت فكرة بيت العيلة، أنا حاسة إن الموضوع بدأ يرجع تاني، لإنك دلوقتي بتلاقي عيلة كاملة بتروح تقعد في كومباوند مع بعض، هتلاقي مثلًا أربع فيلات مفتوحين على جنينة واحدة، مش السكن هو اللي بيلغي الفكرة لو حد عايز لسه يعمل بيت العيلة هيعمله، حتى الجيران، أنتوا لو ساكنين في مكان واحد مقفول هتتقابلوا أكتر بحكم إن الحاجات المتاحة مشتركة”.

امتى اتغير شكل العيشة وصحينا لقينا مجتمع الكومباوندات؟

حسيت بعد المقابلات دي إني محتاجة أرجع بالزمن لورا شوية، وأفتكر احنا كنا عايشين ازاي لحد ما هاجرت العائلات المصرية للكومباوندات.

في كتاب الدكتور صلاح ذكي سعيد “بيوت أحياء القاهرة القديمة في القرن التاسع عشر”، بيقول إن في القرن الـ 17 والـ 18، بدأ يظهر “الربع” وكان عبارة عن مناطق مساكن جماعية أشبه بمساكن الطلبة، تلات أدوار فيهم غرف وطرقة طويلة، والغرفة كانت بتشيل عيلة واحدة، وفي نهاية الطرقة هتلاقي الحمامات والمطابخ، ومثال على ده “ربع التبانة”.

وكنت برضه هتلاقي فكرة الحوش، وده كان عبارة عن بيوت جماعية بتطل على حوش مشترك، والمثال اللي موجود دلوقتي حوش عثمان السكري في الجمالية، ولما جينا للقرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في القاهرة القديمة، لقينا إن بدأ يظهر تلات نوعيات لتصميم السكن.

مسكن العائلة الواحدة

وده كان بيبقى فيه عيلة كاملة ممتدة بالأقارب، وكان بيتخصص فيها أماكن للخدم والمساعدين، وبيبقى عبارة عن 3 أدوار والدور الأرضي لصاحب البيت، وفي مثال له وهو بيت سكر في شارع المحجر.

البيوت المطلة على فناء مشترك

وده كان النمط في الوقت ده، كنت هتلاقي عدة مساكن على فناء مشترك مفتوح، وكانت بتبقى متلاصقة مع بعضها، وفيها سلم داخلي اللي بيوصل على الفناء المفتوح.

العمارة السكنية التقليدية

وده كان كل دور فيه شقة أو اتنين أو تلاتة، مساحتها ماتتعداش 40 متر، وفي حالات قليلة كان بيبقى 90 متر.

وبيقول صلاح ذكي في كتابه، إن العمارة السكنية ظهرت بمفهومها الحالي لأول مرة في القرن الـ 19، وإن المساكن كان أغلبها مساكن منفصلة، وده لسبب جوهري وهو إن المسكن المنفصل كان بيتمتع بخصوصية وأوفر بكتير من فكرة “الربع” مثلًا اللي اتكلمنا عنها فوق، وقال كمان إن العمارات كانت نتاج طبيعي للزيادة السكانية والحاجة لاستغلال أمثل لقطعة الأرض.. يعني نقدر نقول إن بيوت العيلة كانت موجودة من زمان بس اختفت بالتدريج مع الزيادة السكانية!

الحارة المصرية وبداية ظهور فكرة التجمعات السكنية

بيقول المؤرخ الكبير د. عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ بجامعة حلوان، لصباح الخير، إن فكرة المجتمعات السكنية ظهرت في القاهرة فى شكل حارات لأصحاب المهنة الواحدة، زيّ حارات النحاسين والصاغة والحدادين، أو بأسماء أصحاب الديانة الواحدة زي حارة اليهود، واتميزت إن التجمعات دي كان مكان العمل هو نفسه مكان السكن، وكل فئة بتتجمع فى مكان واحد علشان يحسوا بالأمان.

وبيقول الكاتب إن الحارة رجعت مفهوم بيوت العائلات شوية، وده نتيجة للتخطيط النمطي التلقائي اللي كون فراغات أو حارات شبه خاصة تكاد تنغلق على مجموعة محددة من العائلات، ده غير إن كانت لها بوابة كبيرة بتتقفل بالليل.
وفضلت الحارات كده لحد ما اتلغت فكرة طوائف المهن في 1891، وبدأ فكرة سوق العمل الحر، ومع إنشاء المصانع أصحاب رأس المال كانت محتاجة لعمال يسكنوا جنب الشغل قبل ما يبقى في شبكة المواصلات، فجت فكرة إقامة مدن يسكنها العمال لتوفير الوقت والجهد ودي كانت بتحيطها أسوار عالية.

تطور مفهوم “السكن” من وسيلة للعيش والأمان لـوسيلة علشان تعبر عن واجهتك الاجتماعية وطبقتك

وبيكمل الدسوقي، إن القاهرة الفاطمية كانت محاطة بأسوار وأبواب، يعني زيّ فكرة الكومباوند، وده لخوفهم من الاندماج فى مجتمع غريب عليهم، بس بمرور الوقت، فتحوا السكن في المدينة للأعيان وصفوة المجتمع، ومعاهم “الحرافيش” الطبقات الدنيا، وبمرور الوقت الطبقة الغنية سابت القاهرة التاريخية بعد ما ازدحمت، وراحت لأماكن جديدة زيّ الحلمية والعباسية وشبرا، وفى أوائل القرن العشرين، هاجرت الطبقة الغنية من الأحياء دي، وراحت أحياء الزمالك والدقي والمهندسين، ومصر الجديدة والمعادي، طلبًا للحداثة في المبانى والعمارة.

وشوية بشوية بدأ يظهر التوسع العمراني غير المنظم، فاتحولت الأحياء القديمة الراقية لمناطق مهملة محاطة بعشوائيات بترتفع فيها نسب التلوث والزحمة، وده اللي خلى الأثرياء يبيعوا منازلهم ويتوجهوا للكومباوند، وبالتحديد في التسعينيات، بالتزامن مع رجوع المصريين من الخليج، فبدأت الشركات العقارية تستغل الموضوع ده في بناء مجتمعات على أطراف المدينة بتستقطب الناس اللي راجعة من برا، واللي عايزين حياة هادية بعيدة عن زحمة ودوشة العاصمة، وده بناءً على كلام خبير علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، سعيد صادق.

الكاتب نادر بكر بيقول في كتابه: “ده برضه كاظم عايش في مجتمع راقي، لو المطرة مطرت تنزل على أرض نضيفة وتجري على بلاعات تنقية وتنضيف، احنا هنا جردلين المياه اللي بيرشهم عم سعيد القهوجي الصبح بيقلبوا الشارع طين، يعني لو حبيت ترقص تحت المطر هتتزحلق ويتكسر رقبتك ويجيبلك كسر في الحوض”.

هل الموضوع له علاقة بعقدة الخواجة؟

دكتور أحمد اتكلم عن عقدة الخواجة وإن هي اللي بتبرر اللي احنا فيه دلوقتي، فحبيت أدعبس أكتر في الموضوع، في ناس بتعرفها ببساطة بإن “الشيخ البعيد سره باتع” بس أحمد أمين، عميد كلية الآداب بجامعة القاهرة، بيقول في كتابه “قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية”؛ “إذ يحدثنا أحمد أمين عن ما هو الخواجة في ذهن المصريين، هو أوربي يلبس بدلة وبرنيطة، وهو يُحترَم في مصر ويُخاف منه، ويُعتقَد فيه العلم والأمانة أكثر من المواطنين، فإذا قدم طبيب وكان خواجة، أعتُقِد أنه طبيب أمهر من الأطباء المصريين، مهما كانت شهادته وضيعة! وكم ضحك الأوربي على ذقن المصري، لا لشيء إلا لأنه خواجة”.

أحمد أمين لما دور على الأسباب، قال إنها ممكن ترجع للغزو الأوروبي لمصر، سواء الحملة الفرنسية أو الاحتلال البريطاني، واللي ساهم في الموضوع ده بشكل كبير الامتيازات الأجنبية اللي كان بيتمتع بها الأجانب من العصر العثماني، واللي اترتبت عليها نشأة المحاكم المختلطة؛ فالأوروبي ماكانش بيخضع للقانون المصري ولا المحاكم الوطنية”.
وهنلاقي إن المعمارى طارق والي، مدير مركز العمارة والتراث، قال كلام يتفق مع الرؤية دي: “حركة المجتمع اللي رصدها المؤلف أسامة أنور عكاشة في مسلسله ليالي الحلمية، حين رصد حركة انتقال العائلات الغنية من الحلمية لجاردن سيتي، ليس هربًا من الفقراء لكن رغبة فى الحداثة والتطلع للحياة الأوروبية في طريقة السكن وتلبية المعمار لرفاهية السكان”.
وبيوضح والي: “فكرة الكمباوند بدأت فى أمريكا وانتشرت في فترة الرأس مالية في السبعينيات والثمانينيات، لتلبية رغبة الطبقة الغنية فى التميز، ولكن الفكرة لم تنتشر فى أوروبا، وانتشرت فى العالم العربي”.

هل التطور العمراني للكومباوندات هيبقى في استدامة؟

بتقول أستاذة علم الاجتماع، الدكتورة عزة كريم، شايفة إنه حل كويس لتوفير الأمان للمصريين، من خلال الأسوار وشركات الأمن الخاصة اللي بتحافظ بشكل كبير على حياة السكان، وشايفة إن المشكلة الحقيقية هي ارتفاع سعر الوحدة السكنية، واللي بيخليه متاح للأثرياء فقط، وعلشان كده اقترحت إن الدولة تعمم الشكل المعماري للكمباوند في المدن الجديدة.

وفي نفس الوقت بتقول سلوى عبد الباقي، أستاذة الصحة النفسية، إن رغم سلبيات الكمباوند واللي بتحس فيه بعزلة واغتراب، بس بيوفر لسكانه النظافة والخدمات اللي مش بتوفرها كتير من إدارات الأحياء التانية، واللي وصل فيها الفساد فيها لحد الركب، وطالبت إن يبقى في توازن بحيث إنه يتم الاهتمام بالقاهرة القديمة، من حيث الصيانة والنظافة، وبالتالي مايحسش سكان المناطق دي إنهم مواطنين من الدرجة التانية.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: كل المعلومات اللي محتاج تعرفها عن المؤتمر الاقتصادي

تعليقات
Loading...