العبور الجنسي في مصر: ما بين التفهم والقبول للرفض والعنف في السينما والمجتمع
العبور الجنسي مفهوم مُعقد جدًا ولو حاولنا نناقشة بإنصاف حندخل في دوامات من المناقشات النفسية والطبية وتجارب الأفراد اللي عايشوا العبور الجنسي بنفسهم.
من الممكن تلخيص مفهوم العبور الجنسي في إن اشخاص بيتولدوا في جسد من جنس معين، وبعدين بيختبروا ادراك شخصي لجنسهم بشكل مختلف عن الجنس اللي اتولدوا فيه. التجربة دي منتشرة جدًا في العالم كله، وبتظهر بشكل واضح سواء في تسجيلات التاريخ، والأساطير والعقائد الدينية أو في علم النفس الحديث.
لو تجرئنا على تلخيص الموضوع كله في سطور بسيطة نقدر نقول إن العبور الجنسي تجربة إنسانية مُعقدة جدًا، واختبارها مش سهل لإن اللي بيختبروها بيحتاجوا يواجهوا أسئلة عميقة عن الوجود والذات والقيمة والمعنى، وكل ده لوحدهم.
لو جمعت الخطوط العريضة بين مجتمع العابرين والعابرات حيفضل كل فرد فيهم بيمر بتجربته الشخصية “الفردية” اللي تختلف تمامًا عن تجربة أي حد تاني.
كل اللي محتاجين نعرفه إن العابرين والعابرات بيمروا بتجربة إنسانية فريدة في فهم الذات؛ تجربة ماتختلفش كتير عن التجارب الروحية والفلسفية غير إنها ممكن تتصل بالذات بشكل أكبر لإنها بتتمحور حولين فكرة إدراك الذات. تجربة ليها احترامها كمجهود إنساني شاق، فلو مش حنقدر ندي الأفراد اللي عايشينها الدعم اللي محتاجينه، فعلى الأقل ممكن مانزودش قسوة ومعاناة التجربة عليهم.
العبور الجنسي حاضر في ثقافة الشعب المصري دايمًا
كان العبور الجنسي، بالتأكيد، حاضر دايمًا في ثقافة الشعب المصري ولو بصينا على قصص العبور الجنسي زمان حنلاقي قصص عن ازاي العابرين والعابرات كانوا مقبولين بشكل كبير عند المصريين.
مؤخرًا سمعنا عن قضية فريدة رمضان “أم ألاء” العابرة جنسيًا اللي عايشة في قرية منشية سيرة في محافظة البحيرة وسط مجتمع ريفي بيحبها ومتقبلها زي ما هي. ولإن فريدة اترفدت من شغلها بعد عملية العبور بقت دلوقتي مش قادرة تصرف على نفسها فأهل القرية بيجمعوا مبلغ كل شهر علشان يسند احتياجات فريدة الأساسية، وبتدي دروس خصوصية لأطفال القرية.
جارتها أم منة قالت لوكالة فرانس بريس: “فريدة خلقة ربنا زيها زي زي كل الناس. وبتقول فريدة إن أهل القرية بينادوها أم ألاء، لأنها كانت بتحلم من الطفولة إن يكون عندها أبنة وتسميها ألاء.
فيلم الأنسة حنفي 1954: فيلم كوميدي عن تقبل الشعب المصري للعابرين والعابرات
ممكن بعض الناس تستغرب إدعاء إن فيلم الأنسة حنفي كان بيتناول العبور الجنسي بشكل إيجابي، ممكن لأنه فيلم كوميدي عن راجل مصري بعقلية شرقية من العصر الحجري بيتحول لواحدة ست قبيحة والكوميديا في معظمها بتتمحول حولين النقطة دي، لكن بعد عملية العبور الجنسي بترجع فيفي لأهلها وللحارة اللي بيتقبولها وبيتعاملوا معاها بشكل عادي جدًا، مافيش أي إيحاء لكراهية أو نفور أو حتى حد بيتكلم عليها من ورا ضهرها، دي كمان بتدخل قصة حب وبتتجوز وبتحمل وبتبقى أم.
في مشهد مهم جدًا في الفيلم ده، فيفي (حنفي سابقًا) بتزعق لأختها اللي لسه قفشاها على السطوح ببترغي مع جارهم اللي بتحبه.
- .. أنتي أيام ماكُنتي راجل..”
- اخرسي، انا يابت كنت راجل؟ ده أنا طول عمري مادمازيل”
- على العموم مش عيب الراجل يقلب ست والست تقلب راجل، لكن العيب إن راجل يحرم البنت من التعليم، ويخليها تعيش في سجن”
- ليه؟ ناقصك إيه، مجوعينك؟”
المناقشة دي ومناقشات ومشاهد تانية كتير في الفيلم بتثبت إن الجو العام للفيلم كان بيتناول قضية العبور بشكل إيجابي، ولما فيلم كوميدي متوجه لعامة الشعب يكون ده موقفه من القضية، نقدر نستشف إن المجتمع برضه ماكانش عنده مشكلة مع مفهوم العبور.
إذًا المجتمع المصري ماكانش عنده مشكلة مع العابرين والعابرات من زمان، ولسه المجتمعات الريفية عندها رحابة صدر وقبول جميل للأخر بدليل قضية فريدة رمضان.
التحول الثقافي الدرامي في ردة فعل الشعب المصري ناحية قضية العبور الجنسي
أما تحول ردود الأفعال على مفهوم العبور الجنسي في مصر للسلبية، بالذات في الوقت الحالي، ممكن نفسره بأسباب إقتصادية-إجتماعية سببت اعتناق مرجعيات دينية متشددة “الوهابية”.
في التمانينات الشعب المصري كان بدأ يخرج من صدمات سياسية قوية على مدار حوالي تلاتين سنة بدأت بثورة 23 يوليو، ووصول الضباط للحكم وبدأ الجمهورية المصرية الأولى، ودخول الحرب مع المحتل الإسرائيلي والنكسة (الهزيمة في الستينات)، وبعدها الإنقلابة الضخمة في إقتصاد دول الخليج بعد إكتشاف النفط، اللي خلى المصريين بدأوا يسافروا للخليج علشان المكاسب المادية الكبيرة، وطبيعي الإنسان يتأثر بالمحيط اللي عايش فيه فالعمالة المصرية في الخليج رجعتلنا بثقافة الوهابية اللي بدورها أثرت على التركيبة الكوزموبوليتان لمفاهيم الشعب عن تقبل الأخر والسلمية.
من بداية السبعينات ولحد وقت قريب كانت فترة تتميز بعدم تقبل الأقليات زيّ أقلية مجتمع العابرين والعابرات، ولكن الغريب إن ردود فعل المصريين مؤخرًا على قضية العابر جنسيًا من الأنوثة للذكورة نور هشام سليم تختلف تمامًا عن ردود فعلهم على الناشطة الحقوقية والعابرة من الذكورة للأنوثة ملك الكاشف. في أي فيديو أو بوست عنهم أو ليهم على السوشيال ميديا حتلاقي التعليقات الإيجابية عند نور أكتر من ملك بكتير. هل الوهابية المختلطة بالذكورية الهشة بتخلق ردود أفعال متعاكسة على نفس القضية؟
مؤخرًا بدأت صحوة مجتمعية جديدة بتشجع على تقبل الأخير وبدايتها كانت لما الأقليات المختلفة في مصر بدأت تستخدم السوشيال ميديا علشان توصل صوتها للأغلبية، وبدأت موجة من التعاطف مع الأقليات دي، ومش تعاطف بس، ده كمان بدأت الناس تنادي بحقوق الأقليات دي وتنشر الوعي حوليها بخصوص حياتهم وأزماتهم وحقهم في الحرية والحياة الكريمة.
آخر كلمة: لو تعرف أفلام عربي بتتناول قضية العابرين والعابرات بشكل إيجابي قولنا عليها علشان نقدر نناقشها هنا ونوصلها لناس أكتر