عن كيفن هارت والأفروسينتريزم: متلازمة حضارة مصر المختطفة
تحديث بتاريخ 2 فبراير 2023: أعلنت الشركة المنظمة لحفل الفنان الكوميدي الأمريكي كيفن هارت إلغاء الحفل، قبل أقل من 36 ساعة على ميعاد انطلاقه في الصالة المغطاة باستاد القاهرة الدولي في مدينة نصر.
وقالت الشركة المنظمة في بيان بعتته لحاجزين التذاكر، إن الإلغاء جيه لأسباب لوچيستية محلية، من غير ما يدخلوا في أي تفاصيل، ووعدوا برد فلوس التذاكر مرة تانية أول مارس.
حملة شرسة انطلقت على منصات التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة، بتطالب بإلغاء حفل الكوميديان الأمريكي كيفن هارت، المخطط إقامته يوم 21 نوفمبر في القاهرة، من خلال هاشتاج #إلغاء_حفل_كيفن_هارت طالب بعض مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطعة حفل هارت بسبب بعض التصريحات اللي نُسبت له عن ملوك مصر القديمة، واللي اتُهم بعدها بالعنصرية وتزوير التاريخ.
التصريحات المنسوبة لهارت بتدعي إنه بيقول: “يجب أن نعلّم أولادنا تاريخ الأفارقة السود الحقيقي عندما كانوا ملوكًا في مصر، وليس فقط حقبة العبودية، التي يتم ترسيخها في التعليم في أمريكا… تتذكرون الوقت الذي كنا فيه ملوكًا؟”.
التصريحات دي ماتمش إثبات صحتها، لكن اللي مثبت هو إنه شركة (هارتبيت) المملوكة للممثل اشترت حصة ملكية في (بلاك ساندز – الرمال السوداء) وهي واحدة من أشهر الشركات اللي بتدعم حركة (الأفروسينتريك – المركزية الإفريقية). وهي الحركة اللي بتدعمها المجموعات ذات الأصل الإفريقي في الولايات المتحدة وأوروبا، ومن داعميها مشاهير ورجال أعمال، منهم المغنية الأمريكية ريانا.
وبتحاول الحركة دي تسليط الضوء على هوية ومساهمات الثقافات الإفريقية في تاريخ العالم، ومن النظريات اللي بيروج لها مؤيدين الحركة “إن أصل الحضارة المصرية إفريقي فقط”، وهو اللي اعتبره بعض مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي بإنها “تحاول سرقة حضارة مصر”.
إيه هي حركة الأفروسينتريك أو المركزية الإفريقية؟
طبقًا لموقع بريتانيكا، اتولد مفهوم المركزية الإفريقية في تمانينيات القرن الماضي على إيد الباحث والناشط الأمريكي من أصل إفريقي موليفي أسانتي، الحركة الثقافية والسياسية اللي بيعتبر أتباعها من “الأمريكيين من أصل إفريقي” نفسهم وكل السود التانيين أفارقة جماعة واحدة، ودورهم هو إنهم يعكسوا القيم الإفريقية التقليدية بشكل إيجابي.
بيعتبر أتباع الحركة دي إن الأوروبيين سيطروا على الأفارقة وغير البيض من خلال العبودية والاستعمار لقرون، وإن الثقافة الأوروبية في أحسن الأحوال، ملهاش علاقة، وفي أسوأ الأحوال، تتعارض بشكل كامل، مع محاولات غير البيض تدعيم حقوقهم في تقرير المصير، وعلشان كده بتطلب الحركة من الأفارقة إنهم يقدروا إنجازات الحضارات الإفريقية، وخلق حضاراتهم وثقافاتهم وقيمهم الخاصة.
وبتقول الحركة إن التاريخ والثقافة الإفريقية بدأوا في مصر القديمة، اللي كانت مهد الحضارة للعالم كله، وبتوضح إن مصر كانت زعيم حضاري وثقافي لإفريقيا السوداء الموحدة، لحد ما جاء الرجل الأوروبي وسرق الثقافة والحضارة الإفريقية.
بيجادل داعمين الحركة إن الثقافة الإفريقية تتناقض مع الثقافة الأوروبية في كونها أكتر استنارة، وأكتر اندماجًا مع العالم الروحي، وإن معرفة قيمة الثقافات والحضارات الإفريقية هيساعد الأمريكيين من أصل إفريقي نفسيًا من خلال دعم ثقتهم في نفسهم، اللي فضل الأمريكيين من أصل أوروبي يقللوا منها على مدار التاريخ.
حماية الآثار المصرية من التهديد الإفريقي
فضل المصريين بيحاربوا نظريات كتير على مدار التاريخ بتدعي إن الناتج الحضاري لمصر القديمة كان نتيجة تدخل غير المصريين، من أول دور اليهود في صناعة الحضارة، لحد الادعاء إنها صناعة كائنات فضائية، أو محاولات نسبها للبيض الأوروبيين، ويبدو إن المصريين حسوا بنفس التهديد ده بيتعاد مرة تانية في ادعاءات حركة المركزية الإفريقية.
بسؤال الدكتور رضا عبد الحليم، عالم الآثار المصري ومدير عام إدارة التوثيق الأثري، عن رأيه في الجدال اللي ظهر مؤخرًا في مصر بخصوص حركة المركزية الإفريقية، قال: “الخطأ هو نسب الحضارة المصرية لغير المصريين، سواء كانوا أفارقة أو أسيويين أو أوروبيين”.
بيصف عبد الحليم الجماعات الداعمة للحركة بقوله: “الأفارقة من الجماعة اللي بيزعموا دول من إريتريا وإثيوبيا وجيبوتي وجنوب إفريقيا” وبيضيف: “الجنوب الإفريقي كله بيزعم إن السمار اللي في ألوان التماثيل المصرية والرسومات، بيدل على إن الحضارة المصرية القديمة عملها الجماعة اللي في جنوب إفريقيا، وعلشان كده احنا بنحافظ على آثارنا إنها تبقى آثار مصرية”.
المركزية الإفريقية: اكتشاف مصري متأخر
جدال المركزية الإفريقية بقاله أكتر من 40 سنة في أمريكا وأوروبا، ولكن ظهوره في مصر مؤخرًا ارتبط بحفل كيفن هارت، ومعارضته من خلال اتهامات بالتزوير والعنصرية، اللي بيوصفها الكاتب المصري شادي لويس بطرس: “الاتهامات التي يمكن اختصارها في وصمة “الأفروسنتريزم” الغامضة والفضفاضة في معناها.”
ويكشف لويس في مقاله “ضد كيفين هارت.. إذ يكتشف المصريون الأفروسنتريزم” عن طبقات عميقة للجدلية الأخيرة في مصر، وما تحمله من هشاشة وفوقية: “اكتشاف متأخر.. يثير رصيدًا من الفوقية اتجاه سُود البشرة وشعورًا عميقًا بالهشاشة نحو تهديدات القليل منها حقيقي ومعظمها متخيل”.
بيصف الكاتب الحركة بإنها “شأن أميركي خالص” و” أيديولوجيا لبرجوازية سوداء صاعدة تبحث عن رأس مال معنوي بنبش التاريخ.. تعويض عن مهانات العبودية والتمييز الأميركي الحاضر بترياق أزمنة سحيقة”.
وبيتهم الحركة بالاختزال المبتذل في اعتبار التاريخ الحضاري والثقافي للعالم خط مستقيم له نقطة بداية ونهاية، وبينفي حقيقة التواصل الثقافي المستمر بين مختلف شعوب العالم في مسار الخلق الحضاري، وبينفي التنوع العرقي والثقافي-الحضاري داخل القارة السمراء.
بيقول لويس: “أبناء القارة في شمالها، لا توافق درجات ألوان بشراتهم تلك السردية السوداء، فتنزع عنهم إفريقيتهم، هكذا يغدو المصريون المعاصرون سلالة غير نقية، هجينة بين الأفارقة الأصليين والغزاة العرب”. وبعدين بيوفق ما بين النظرية دي ونظرية المستشرقين وعلماء الأثار الأوروبيين في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، اللي اعتبروا كل الموروثات الحضارية في إفريقيا نتيجة غزو أبيض سابق ترك أساسات الحضارة ومشي.
بيقول لويس: “فالمصريون المعاصرون هنا أيضًا سلالة غير نقية، من دم أبيض حمل الحضارة في الماضي، ولاحقًا أفسده الاختلاط بالسود الحاميين وبعدهم الساميين من العرب”.
وعلى أساس المقارنة بين النظريتين، بيقول لويس إن حركة المركزية الإفريقية هي رد فعل مشوه ضد المركزية الأوروبية، ومقلوب التعالي الأبيض وصورته في مرآة ما بعد الاستعمار، وبيوصف الحركة بـ “الأدق هي مركزية أوروبية بقِناع أسود”.
بيوصف الكاتب الناس اللي بتدعو لمقاطعة حفل كيفن هارت بإنهم أصحاب عرقية ضيقة ومتصلبة نتيجة سنوات من التعالي المصري على السود والنظر لهم بفوقية، وبيأكد إن البحث المصري خلال القرنين الماضيين في سؤال الهوية فضل يبحث هويات غربية وعربية وشرق-أوسطية وبحر-متوسطية، أما فكرة الانتماء لإفريقيا فضل الكلام فيها محاولات تنصل.
بيقول لويس عن الداعين لمقاطعة هارت، إنهم نتيجة “تاريخ طويل من التعالي على الأسود يجعل من الانتساب الإفريقي إهانة بالعموم”، وبينهي مقاله بالتفريق بين نوعين من المركزية الإفريقية، واحدة هي نسختها الأمريكية اللي بقت تريند مؤخرًا “النسخة الهوليودية”، واللي بيصفها بإنها “عنصرية تعويضية معكوسة”.
أما النسخة الأكاديمية اللي بتبحث في الشأن الإفريقي في عالم الرجل الأبيض، فبيقول عنها: “تسعى لإيجاد سرديات مغايرة وبديلة، سرديات لا تدعي حصريتها ولا تنفي غيرها بالضرورة، لكنها تطالب بالحق في الوجود والاستماع إليها، وتكافح لتضمين عناصرها داخل البازل الكبير للتاريخ”.