في العقدين الأخيرين، شهد العالم العربي تحوّلًا لافتًا في المشهد الثقافي، وكان لقطر نصيب الريادة في هذا التحول بفضل جهود سعادة الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر.
عبر استراتيجية ثقافية متكاملة، ومبادرات مدروسة جمعت بين الحفاظ على الهوية والانفتاح على العالم، استطاعت الشيخة المياسة أن تعيد تشكيل ملامح الفن العربي وتضع الدوحة في موقع متقدم على خارطة الثقافة العالمية.
لم تكتفِ الشيخة المياسة بنت حمد بدعم الفنون البصرية، بل امتد تأثيرها إلى مجالات الإبداع والتعليم والعمل الإنساني، في رؤية شاملة تجعل من الثقافة أداة للتنمية الوطنية والتأثير الدولي.
كيف استطاعت الشيخة المياسة بنت حمد أن تقود ثورة ناعمة غيّرت وجه الثقافة العربية ووسّعت آفاق الحوار بين الشرق والغرب؟
لا تفوّت قراءة: الإمارات.. هل تحلم بالسكن في برج يحمل توقيع علامة فاخرة؟ عقارات بتوقيع بوجاتي وتشيلسي وترامب
المتاحف القطرية: منصّات للتواصل الثقافي والوعي البيئي
بصفتها رئيسة مجلس إدارة متاحف قطر، رسّخت الشيخة المياسة مكانة المتاحف كمراكز حيوية للحوار الثقافي والتعليم المجتمعي المستدام.
ومن خلال رؤيتها، ارتبطت المتاحف بالمهرجانات الوطنية والمواقع التراثية والمعالم العامة، مما أتاح تجارب ثقافية أصيلة وغنية للزوار والمواطنين على حدّ سواء.
كما تسلّط المتاحف الضوء على الفنون من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا، مما يعزز التفاهم العابر للحدود والثقافات.
ولعلّ التقدير الدولي خير دليل؛ فقد حصدت متاحف قطر جائزتين مرموقتين من “المنظمة الخضراء” في عام 2024، تقديرًا لجهودها البيئية.
إضافة إلى ذلك، فازت بثلاث جوائز من “التفاحة الخضراء” لأجمل المباني في المملكة المتحدة لعام 2023.
وتوّجت هذه الإنجازات بتطوير مؤسسات كبرى مثل متحف الفن الإسلامي، وحديقته، والمتحف العربي للفن الحديث، ومتحف قطر الوطني.
لا تفوّت قراءة: من هم؟.. 9 رؤساء تنفيذيين مصريين بين الأقوى في الشرق الأوسط
القيادة الوطنية: صناعة جيل قطري يقود المستقبل بثقة

من خلال رئاستها لمركز قطر للقيادات، أسست الشيخة المياسة منصة وطنية لتأهيل قادة المستقبل عبر برامج احترافية وشراكات أكاديمية عالمية.
أثمرت جهود المركز عن تخريج أكثر من 700 قائد قطري، تم إعدادهم بالتعاون مع جامعات دولية مرموقة في مجال القيادة والإدارة.
ومنذ عام 2014، قدّم المركز برامج تدريب إداري متخصصة، استهدفت تعزيز الكفاءات في المؤسسات الحكومية.
كما استُكملت هذه الجهود بإطلاق برنامج ماجستير تنفيذي في القيادة، بالتعاون مع مؤسسات أكاديمية رائدة عالميًا.
هذا البرنامج صُمم خصيصًا للمهنيين القطريين من القطاعين العام والخاص، لتأهيلهم لمواقع صنع القرار في مختلف أنحاء الدولة.
لا تفوّت قراءة: كيف تفكّر بعقلية الملياردير؟ دروس من الملياردير المصري محمد منصور في عالم المال والأعمال
السينما كأداة تمكين: بناء صناعة أفلام تنبض بالإبداع
أسست الشيخة المياسة مؤسسة الدوحة للأفلام لتكون منصة حيوية تحتضن المواهب وروّاد الحكاية في العالم العربي.
كما تحوّلت المؤسسة إلى مركز شامل لصناعة السينما، يجمع بين الإبداع والدعم المهني والتواصل الثقافي.
من خلال مهرجان أجيال، وفعالية “قمرة” الإرشادية، وورش العمل، دعمت المؤسسة صُنّاع الأفلام في مختلف مراحل إنتاجهم.
علاوة على ذلك، باتت الدوحة اليوم حاضنة لصناعة سينمائية حديثة تعزز الفن والتعليم والتفاهم بين الثقافات.
لا تفوّت قراءة: الجوع ينهش أجساد الغزيّين.. أصوات من غزة تحكي كيف تحولت إلى سجن بلا غذاء؟
التعليم للجميع: من قطر إلى آسيا عبر “أيادي الخير”
من خلال رئاستها لمؤسسة “روتا”، مدّت الشيخة المياسة جسور التعليم من الدوحة إلى المجتمعات الآسيوية المتأثرة بالأزمات.
كما تسعى المؤسسة لتوفير تعليم ابتدائي وثانوي عالي الجودة في بيئات تعاني من النزاعات والفقر والتهميش. وتؤمن الشيخة المياسة بأن التعليم هو المفتاح لتمكين الشباب وتحقيق إمكاناتهم في مجتمعاتهم.
وقد أصبحت “روتا” نموذجًا للعمل الخيري المستدام، الذي يربط التنمية الإنسانية بالمسؤولية العالمية.
التأثير العالمي: حضور نسائي في قلب الساحة الدولية

في عام 2014، أدرجت مجلة فوربس الشيخة المياسة ضمن أقوى نساء العالم، محتلةً المرتبة 91 عالميًا.
كما جاء اختيارها إلى جانب أسماء بارزة مثل أنجيلا ميركل وهيلاري كلينتون، ما يعكس مكانتها الرفيعة عالميًا. وفي العام نفسه، أدرجتها Time ضمن قائمة أكثر 100 شخصية تأثيرًا حول العالم.
ويؤكد ذلك حضورها البارز في المشهد الثقافي والفني والدولي، ودورها في تشكيل مستقبل أكثر وعيًا وانفتاحًا.
لا تفوّت قراءة: حين يُروى الأدب بالكاميرا.. 7 روايات عربية تحولت إلى مسلسلات وأفلام

بصمتها في كأس العالم: الفن والثقافة في قلب الحدث الرياضي
امتد تأثير الشيخة المياسة إلى الملف الرياضي، حيث ساهمت في إنجاح استضافة قطر لكأس العالم 2022.
كما شاركت في تطوير ملف الاستضافة وبناء مرافق ثقافية ورياضية دعمت حضور قطر عالميًا. وأطلقت مبادرات ثقافية لتعزيز الهوية القطرية والعربية بالتوازي مع البطولة، عبر برامج تبادل ثقافي دولي.
ونُظّم 18 عملًا فنيًا بارزًا، منها معارض مشتركة مع بغداد وأخرى بالولايات المتحدة عن الدولة العباسية.
وشملت الفعاليات أيضًا معرض لوسيل، ومعارض فلسطينية ومعاصرة، وأخرى رياضية مرتبطة بالمونديال.
” لا يقتصر الحفاظ على التراث على إظهار كل ما هو جميل للناس وإطلاعهم على القضايا الهامة فقط. بل إن الأمر يتعلق بالتفكير في كيفية تغيير عاداتنا الحالية وإظهار كيف يمكن للجميع المشاركة في إحداث التغيير
الشيخة المياسة
الحفاظ على الهوية: التراث القطري في ثوب ثقافي معاصر
رغم انفتاحها على العالم، أولت الشيخة المياسة حماية الهوية القطرية أولوية قصوى في استراتيجيتها الثقافية.
علاوة على ذلك، أنشأت متحف الفن الإسلامي ليكون منارة عالمية تُجسّد عمق التاريخ والتراث القطري الأصيل. وسعت إلى إحياء المباني التاريخية بتحويلها إلى مساحات فنية نابضة بالحياة، بدلًا من إزالتها أو إهمالها.
من أبرز الأمثلة تحويل مبنى مطاحن الدقيق إلى “مطاحن الفن”، مركز فني داخل معلم تراثي. كما جرى تجديد “مطافئ”، مقر الدفاع المدني سابقًا، ليصبح مركزًا للإقامة الفنية والحوار الإبداعي.

لا تفوّت قراءة: زياد الرحباني كما لم يُروَ من قبل: محطات خفية في حياة الموسيقي الثائر
اقتناء الفن العالمي: استثمار في الحوار والهوية

في ظل قيادة الشيخة المياسة، اقتنت متاحف قطر أعمالًا فنية نادرة شكلت محطات فارقة في تاريخ الفن.
أبرزها لوحة “لاعبو الورق” لبول سيزان، التي بيعت بأكثر من 250 مليون دولار، وكانت الأغلى عالميًا حينها.
بلغ الإنفاق السنوي لمتاحف قطر مليار دولار، ما جعلها “ملكة عالم الفن بلا منازع”، بحسب فوربس. كما تعاونت مع مؤسسة برادا في مسابقة “كوريت” العالمية، تعزيزًا للتفاعل بين الفن العالمي والمحلي.
تُجسّد هذه الاستثمارات إيمانها الراسخ بدور الفن في بناء جسور الحوار والتعليم وتحريك الاقتصاد الثقافي.
