أدب الجريمة: لماذا نحب متابعتها إلى هذا الحد؟
“تشبه خدع خفة اليد التي يؤديها الساحر لتحويل انتباهك قبل التلاعب بالبطاقات” (إدموند ويلسون، 1944)”
روايات في أدب الجرائم إنتاجها ومبيعاتها في تزايد، حكايات مسموعة عن تفاصيل وقصص جرائم تروق لنا ليلًا على وسائل الاعلام المختلفة وكلاً منهم في زيادة مستمرة، مع متعة لا نستطيع إيقافها تجعلنا نلهث ورائها لمعرفة المجهول.. ولكن لماذا نلهث لهذا الحد؟ وفقاَ لعدة مصادر ودراسات نقدم لك إجابات عن هذا التساؤل.
كشف عالم دون أن نصبح طرفًا فيه
التفسير النفسي الأكثر شهرة متعلق بالفضول المَرَضي لدينا لمعرفة ما جرى لهؤلاء ممن خالفوا القانون، الفضول الذي هو في الأساس سبب وجودنا وتقدمنا واكتشافاتنا التي لا تتوقف، وميزة أخرى لهذا الفضول هي إنه يعرفنا على عالم كنا نخشى أن نلقاه، ولكن بسهولة الأن نستطيع أن نشاهد ما يحدث فيه من خلال شاشة صغيرة أو بين طيات الصحف بدون أن نخترقه أو نصبح طرفًا فيه، ولكن لنفهم ما لا نحب أن نعيشه بأنفسنا دون أن نخالف القانون أو نعمل مع العصابات.
وبجانب هذا يرى أستاذ التاريخ والأدب في جامعة العلوم التطبيقية بيتر فيزي في مقال له أن “المجهول والغامض والمخاوف” أيضَا يثيران ويؤرقان القاريء وهذا ما يلعب عليه دائمًا الكتاب سواء من السيناريو أو الرواية فيقول أحمد مراد والكاتب الإماراتي الشاب محمد المهيري، أن القراء تجذبهم المخاوف، ولذلك يجعلهم الكاتب يقفون على أطراف أصابعهم، من خلال الأحداث والحكايات والحبكات المثيرة.
مباراة ذهنية ووقاية
يعطيك متابعة جرائم اللغز والجريمة، جرعة من تنشيط العقل وكإنها مباراة ذهنية غير مقصودة ولكن تستمتع بها، بإمكان القراء حل اللغز وتكوين الصورة الناقصة وبناء التماسك، وتخمين الاحتمالات ليكتشف بنفسه حل لغز الجريمة قبل أن يفصح عنها الفصل الأخير أو الحلقة الأخيرة.
ضيف على ذلك معرفة ما يدور حول القتلة، ما يدور بعقل القاتل وهو ما يخلق بالتبعية حاجزا نفسيًا ووقائيا لديهم ويجعلهم يعتقدون أنهم صاروا يعرفون كيف يمكنهم حماية أنفسهم إذا تعرضوا لشيء على أرض الواقع.
علاج للاكتئاب؟
ربما تكون مفاجأة لم نكن نتخيلها أن الجرائم التي تهرب من متابعتها في الأخبار تكون هي نفسها التي في الأعمال الفنية سبباَ في محاربة الاكتئاب، وهذا وفقًا لدراسة طبية جديدة وصفت لما يقرب من 64.7 مليون روشتة طبية لمضادات الاكتئاب فى عام 2016 للمرضى الذين عانوا من نوبات الاكتئاب، القلق، الهلع، وخرجوا بنتيجة أن العلاج من الاكتئاب يمكن أن يكون بقراءة روايات الجريمة.
خفقان قلب وتخلص من الإجهاد العقلي
ومن الجوانب المثيرة الأخرى للمطالعة صدور بعض ردود الفعل النفسية غير متوقعة من القارئ، فعلى الرغم من أن كل ما يحدث في الرواية لا يحدث للشخص بعينه، فإن عقله الباطني يتفاعل ويندمج مع الحدث كما لو كانت الأفعال موجهة إليه تحديدًا، قلبه يميل إلى الخفقان بدرجة أسرع، وعلى الرغم من أن هذا قد لا يبدو شيئًا جيدًا لكثير من الناس، فإنه طريقة جيدة تستخدم للتخلص من الإجهاد العقلي والتخلص من التفكير المميت حسب ما نوه إليه بعض الاخصائيين النفسيين.
شماتة؟
سيجموند فرويد كان له رأي مختلف كليًا عن كل هذة الدوافع، ففسر الانجذاب للمطالعة هو الشعور بالشماتة والمتعة الناجمة عن تتبع معاناة الآخرين، ولكن ليس بدافع نية خبيثة بل لأن الأحداث السيئة حين تحدث للآخرين تبعث على الارتياح والاطمئنان والشعور، بأننا قد نجونا من كارثة مُحققة كان من الممكن أن نكون نحن ضحاياها… فنحن على مسافة آمنة.
ماذا عن النساء؟
النساء على وجه الخصوص أكثر فئة تشاهد ذلك النوع ولكن هل دوافعها مثل الدوافع العامة التي تحدثنا عنها أو هناك بعض من الدوافع المختلفة صممت خصيصًا للجنس اللطيف؟
لو نظرنا لبعض الإحصائيات عن كل دولة عربية فيما يخص جرائم تكون المرأة هي الضحية الأولى فستجدها مرعبة ،فأقرب مثال على ذلك مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة أعلنت عن 296 جريمة قتل موجهة ضد النساء والفتيات في مصر عام 2021 و55 حالة في الجزائر نفس العام.
ولذلك ينجذبن إلى هذا النوع من الأعمال بحثًا عن إحساس بالعدالة، ويشعرن بالأمن والحماية عند مشاهدة قصص حول عمل الأنظمة الاجتماعية والقانونية بلا كلل لحماية النساء وللتعاطف مع الضحايا.
بجانب مهارة تتقنها النساء وتستغلها أثناء مشاهدتها لهذا النوع وهي “التحليل” ووفقًا لصناع محتوى بودكاست مسموع عن الجرائم، فالنساء بطبعهن يفكرن في الأشياء بعمق شديد يرغبن في حل الأمور، وهذا مناسب مع الجريمة الحقيقية التي لم تحل بعد وبها الكثير للتفكير فيه.
وفي النهاية ولإرضاء متعتك ومتعتنا، نرشح لك بعض البودكاستس مثل “جناية” و”قصص من المحاكم” و” هو في إيه يا جماعة؟” والمسلسلات نرشح لك “سفاح الجيزة” و”منعطف خطر” وبعض الروايات مثل “الجريمة والعقاب” و”فانتازيا”.
وتذكر أن أدب الجرائم متعتها شكلاً من أشكال الاستغراق الذاتي تشبه تعبئة لغز الكلمات المتقاطعة كما قال كريستوفر بوكر.