تفتيت غزة بالممرات.. ماذا يعني إنشاء “ميراج”؟
وسط دخان القصف وصدى الصواريخ الذي لا يغيب عن سماء غزة، تتسلل إسرائيل بخطى محسوبة على الأرض، ولكن هذه المرة ليس بقنابل فقط، بل بخريطة جديدة تقسم وتجزئ وتفصل الأوصال.
“ميراج” الاسم الذي أطلقته إسرائيل على أحدث ممراتها العسكرية في القطاع – ليس مجرد خط عسكري، بل خطوة إضافية في مشروع تقسيم غزة إلى كانتونات معزولة.
من ممر فيلادلفيا إلى نتساريم، والآن إلى “ميراج”، تظهر الخطة الإسرائيلية بوضوح: خنق المقاومة عبر التفتيت، ومضاعفة الضغط على حماس بورقة الأسرى، وفرض واقع ميداني جديد يغيّر شكل القطاع وحياة من تبقّى فيه.
ومع كل ممر جديد، ينكمش الحيّز الجغرافي للفلسطينيين، وتتضاعف المعاناة في ظل اجتياح بري محدود لكنه مدروس ومتصاعد.
ما الهدف الحقيقي من هذه الممرات؟ وماذا يعني إنشاء “ميراج” في هذا التوقيت؟ وهل نحن أمام مقدمة لتقسيم دائم يغيّر ملامح غزة إلى الأبد؟

لا تفوّت قراءة: من هي ابتهال أبو السعد؟ مهندسة مغربية في مايكروسوفت كشفت دعم الشركة لإسرائيل في حرب غزة
ممر “موراج”.. خطة إسرائيل الجديدة لتقسيم غزة وعزل رفح
في خطاب مصور، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ملامح خطة تقسيم قطاع غزة عبر ممرات عسكرية جديدة. وقال نتنياهو: “الجيش الإسرائيلي يسيطر على الأرض، ويدمر بنية الإرهاب، ويواصل الضغط لاستعادة الرهائن”.
وأشار بوضوح إلى المرحلة المقبلة بقوله: “نحن بصدد السيطرة على ممر موراج، كممر فيلادلفيا إضافي”.
هذا التصريح يكشف عن تحول استراتيجي يهدف إلى تقسيم القطاع، عبر فرض ممرات عسكرية تقطع أوصاله. ويعد ممر “موراج” ثالث الممرات بعد “فيلادلفيا” و”نتساريم”، ضمن خطة عزل متدرج للمدن الفلسطينية.
وتهدف الخطة إلى فصل رفح عن خان يونس بالكامل، في خطوة تعد بمثابة إعادة احتلال لمحافظة رفح.
وتأتي هذه التطورات وسط تصعيد عسكري مستمر، واجتياح بري محدود يرافقه حصار خانق لجنوب غزة. التحرك الإسرائيلي يحمل رسائل مزدوجة: ضغط على المقاومة، وتغيير جذري في الجغرافيا السياسية لغزة.
ومع كل ممر جديد، يضيق الخناق أكثر على سكان القطاع، وسط صمت دولي وواقع إنساني كارثي، فهل يشكل “موراج” بداية لواقع دائم؟ وهل تنجح إسرائيل في فرض خارطة جديدة بالقوة؟
لا تفوّت قراءة: الخميس الأسود: يوم أذلت فيه إسرائيل خلال تسليم جثث الرهائن
“موراج”.. ممر حيوي بأهمية استراتيجية يقع في قبضة الاحتلال
تحوّل محور “موراج” الحيوي في جنوب قطاع غزة إلى شريان استراتيجي بأيدٍ لا تعرف سوى لغة الدماء. ويمتد هذا الممر من ساحل البحر غربًا، مرورًا بشارع صلاح الدين، وصولًا إلى الحدود الشرقية مع إسرائيل.
ويبلغ طول المحور 12 كيلومترًا، ويُستخدم الآن لعزل محافظة رفح بالكامل عن بقية محافظات القطاع. الممر الذي أعيد تفعيله عسكريًا، كان محورًا وهميًا سابقًا أنشئ أثناء الاحتلال الإسرائيلي للقطاع عام 1967.
ورغم انسحاب الاحتلال من غزة عام 2005، تعود إسرائيل اليوم لترسم حدودًا جديدة عبر “موراج”. هذا الطريق الحيوي لم يكن مجرد ممر، بل بات رمزًا واضحًا لإعادة تفكيك الجغرافيا الفلسطينية بالقوة.
السيطرة على “موراج”.. خنق لغذاء غزة وحصار لملايين المدنيين
تعد مدينة رفح شريانًا اقتصاديًا وإنسانيًا حيويًا لقطاع غزة، إذ تضم اثنين من أهم معابر القطاع.
الأول هو معبر كرم أبو سالم، المخصص لإدخال البضائع والمساعدات من إسرائيل إلى القطاع المحاصر. والثاني معبر رفح البري، الرابط الأساسي بين غزة ومصر، والذي يُستخدم لنقل الأفراد والبضائع.
محور “موراج” يمر في قلب هذه المنطقة الحيوية، مما يجعله نقطة ارتكاز استراتيجية بالغة الأهمية. ويمتد على مساحة تمثّل نحو 20% من إجمالي مساحة قطاع غزة البالغة 360 كيلومترًا مربعًا.
ولا تتوقف أهمية المحور عند الموقع فقط، بل لأنه شريان يربط جنوب القطاع بشماله. كما تعتبر رفح من آخر المناطق المنتجة للخضروات والغذاء، ما يجعلها سلة غزة الزراعية المتبقية.
بقاء الجيش الإسرائيلي متمركزًا في “موراج” يعني خنق الحركة، وعزل الغذاء، وتضييق الحياة، فهل تسعى إسرائيل لتجويع القطاع، بعد أن حاصرته بالقصف والدمار؟
“موراج”.. ممر عسكري يحمل اسم مستوطنة اقتلاع

سمّي محور “موراج” على اسم مستوطنة يهودية أُقيمت في جنوب قطاع غزة ضمن تجمع “غوش قطيف” الاستيطاني.
وجرى الإعلان عن مستوطنة موراج لأول مرة في مايو عام 1972، كنقطة عسكرية متقدمة لمراقبة تحركات الفلسطينيين.
وبعد نحو عقد، تحوّلت المستوطنة إلى تعاونية زراعية عام 1982، ضمت مئات الدفيئات الزراعية في قلب القطاع.
وجاء هذا التحوّل ضمن محاولات تكريس وجود استيطاني دائم جنوب غزة، تحت غطاء زراعي واقتصادي.
لكن المستوطنة أخليت لاحقًا ضمن خطة “فك الارتباط” عام 2005، لتبقى رمزية في ذاكرة المكان.
اليوم، تعود “موراج” من جديد، ليس كمستوطنة، بل كممر عسكري إسرائيلي يعيد تقسيم القطاع من جديد.
لا تفوّت قراءة: لولا مصر ما تحققت الهدنة: كيف ساهمت القاهرة في وقف إطلاق النار في غزة؟
السيطرة على “موراج”.. خطوة نحو تقسيم غزة وعودة الاستيطان؟
تعكس السيطرة الإسرائيلية على محور “موراج” تحولًا استراتيجيًا في التعاطي مع غزة وتوجهًا جديدًا على الأرض.
بحسب مراقبين، قد تكون هذه الخطوة بداية لفرض واقع تقسيمي طويل الأمد داخل القطاع.
اللواء احتياط إيتان دانغوت، المنسق السابق لأنشطة الحكومة في الأراضي الفلسطينية، أكد هذا الاحتمال صراحة.
وقال إن الاستيلاء على “موراج” قد يمهد لتقسيم غزة إلى ثلاث مناطق منفصلة لتعزيز السيطرة العسكرية.
لكن الأخطر من ذلك، هو الحديث المتزايد عن عودة المستوطنات الإسرائيلية إلى جنوب القطاع.
ويتزايد القلق من إمكانية استعادة مستوطنات “غوش قطيف”، التي أخليت عام 2005، ضمن خطة فك الارتباط.
تضم “غوش قطيف” مستوطنة “موراج”، التي كانت موطنًا لحوالي 8000 مستوطن قبل الانسحاب الإسرائيلي.
اليوم، تبدو عودة الجيش إلى نفس النقطة وكأنها إشارة مباشرة إلى إمكانية إحياء المشروع الاستيطاني من جديد، فهل الاحتلال العسكري لموراج مقدمة للمعاناة، أم تمهيد فعلي لعودة المستوطنات؟