شم النسيم أقدم أعياد المصريين.. قصة حب مصرية للرنجة والبيض الملون
في كل ربيع، تهب نسمة مصرية لا تُشبه غيرها.. تحمل عبق البصل الأخضر، وصوت ضحكات العائلات في الحدائق، ورائحة الرنجة المملحة على موائد المصريين. إنه شم النسيم، العيد الذي لم يخفت بريقه منذ آلاف السنين.
بينما يتغير العالم وتتبدل الطقوس والعادات، يبقى “شم النسيم” ثابتًا في الوجدان المصري، كواحد من أقدم الأعياد في التاريخ.
عيد شم النسيم لا يرتبط بدين أو طائفة، بل يرتبط بوجدان شعب يحتفل بالحياة والطبيعة والتجدد.
ورغم مرور أكثر من 4700 عام على ظهوره، ما زال المصريون يحتفلون به بنفس الطقوس: البيض الملون، والفسيخ، والرنجة، والبصل الأخضر، وكأنها رموز مقدسة لطاقة البهجة المتوارثة.
لكن ما أصل هذه الطقوس؟ وكيف أصبح هذا اليوم، الذي يصادف عيد القيامة لدى الأقباط، رمزًا للوحدة والفرح المشترك لكل المصريين؟
دعونا نعود بالزمن إلى نهاية الأسرة الثالثة في عام 2700 قبل الميلاد، ونكشف سويًا أسرار هذا العيد شم النسيم الذي لا يموت.
لا تفوّت قراءة: أغلى 7 ساعات في خزانة محمد صلاح: ما أنواعها وكم تبلغ قيمتها؟
لماذا يُطلق عليه “شم النسيم”؟ سر التسمية الممتد من الفراعنة حتى اليوم
يُعد شم النسيم من أقدم الأعياد الزراعية التي عرفها المصريون القدماء منذ آلاف السنين.
ومع مرور الزمن، اكتسب طابعًا اجتماعيًا واحتفاليًا مرتبطًا بالطبيعة والاعتدال المناخي مع بداية فصل الربيع.
وتعود جذور التسمية إلى كلمة “شمو” في اللغة الهيروغليفية، التي تعني “الحصاد” وأيضًا ترمز لفصل الصيف.
لاحقًا، تحوّلت كلمة “شمو” إلى “شم” في اللغة القبطية، وهي تطوّر للغة المصرية القديمة بأحرف يونانية.
لكن هناك من يرى أن الاسم الأصلي لم يتأثر بالعربية، بل “شمو – إن – سم” تعني “حصاد النبات” بالكامل بالمصرية القديمة.
أما كلمة “نسيم” بالعربية، فهي وصف لحالة الجو المعتدلة، ما عزز اقتران الاسم بالفصل الربيعي والمناخ اللطيف.
لا تفوّت قراءة: من “زي أخويا” إلى “جوزني بنتك الله يكرمك”.. كيف تحولت صداقة ليلى زاهر وهشام جمال إلى حب؟
منذ متى بدأ المصريون الاحتفال بشم النسيم؟
اختلف المؤرخون حول تحديد بداية دقيقة لعيد شم النسيم في مصر القديمة.
تشير بعض الآراء إلى أن الاحتفال بدأ قبل تأسيس الأسرات، أي في عصور ما قبل التاريخ الرسمي لمصر.
وفي المقابل، يرى آخرون أن البداية تعود لعام 4000 قبل الميلاد، استنادًا إلى طقوس قديمة.
ولكن الرأي الأرجح أن الاحتفال الرسمي بدأ عام 2700 قبل الميلاد، مع نهاية الأسرة الثالثة.
ذلك لا ينفي احتمال وجوده بشكل غير رسمي في فترات أقدم، كطقس شعبي سابق لتدوينه كعيد رسمي.
لا تفوّت قراءة: مقترح لاستعادة ألقاب “الباشا” و”البيه” في مصر.. كم يبلغ سعرها ومتى بدأت الألقاب الطبقية؟
لماذا نحتفل بشم النسيم في فصل الربيع؟

اختار المصري القديم فصل الربيع للاحتفال لأنه يرمز للبدايات والبعث والحياة الجديدة.
قسّم السنة إلى ثلاثة فصول فقط، مستمدة من دورة الزراعة: الفيضان المسمى “آخت” (يبدأ في يوليو)، وبذر البذور المسمى “برت” (يبدأ في نوفمر)، والحصاد.
فصل الحصاد، المسمى “شمو”، يبدأ في مارس، ويرتبط بالخير والنماء وازدهار الطبيعة.
ومن هنا جاء اختيار عيد “شمو” أو “شم النسيم” ليكون احتفالًا بالحياة والخصب والطبيعة المتجددة.
كيف كان يحتفل المصريون القدماء بعيد شم النسيم؟
شم النسيم كان مناسبة لبعث الحياة وتجدد الطبيعة في قلوب المصريين القدماء، حيث يبدأون سنة جديدة.
واحتفل المصريون ببهجة الزهور والخضرة التي تشير إلى موسم الحصاد، مما يعكس رمزية “الخلق الجديد”.
وكان المصريون القدماء يتجمعون في الحدائق والحقول للتنزه، حاملين طعامًا وشرابًا خاصًا بهذه المناسبة.
واستمر هذا العيد الشعبي، المسجل في نقوش المقابر، عبر العصور كجزء من التراث المصري الخالد.
لا تفوّت قراءة: 8 إطلالات صاخبة لمحمد رمضان من كوتشيلا إلى مومباي: أناقة وجدل لا يتوقف!
ما الأطعمة التي كان يتناولها المصريون القدماء في شم النسيم؟

في “شم النسيم”، كانت قائمة طعام المصريين القدماء تحمل معاني دينية وفكرية مرتبطة بعقيدتهم.
من الأطعمة الأساسية التي تناولها المصريون: البيض، الذي رمز إلى الخلق، والسمك المملح (الفسيخ) الذي ارتبط بالتجديد.
كما تناولوا البصل والخس، والحمص الأخضر (الملانة) التي كانت تحمل رمزية الخصوبة والنماء في هذا اليوم المقدس.
لا تفوّت قراءة: أغرب افتكاسات الرنجة في عيد الفطر 2025.. جربتها ولا لسه؟
ما الرمزية التي تحملها البيضة والفسيخ في عيد شم النسيم عند الفراعنة؟
كان للبيضة في العقيدة المصرية القديمة معنى عميق، إذ كانت تمثل التجدد وبداية خلق جديد.
اعتقد المصريون أن الإله خلق الأرض في هيئة بيضة، وأن الحياة بدأت عندما دبت الروح فيها. كما كان البيض رمزًا لكل بعث جديد، وله دلالة قوية على خلق الحياة، فكان يقدم كقربان خلال احتفالاتهم.
أما الفسيخ، فكان مرتبطًا بالعقيدة المصرية القديمة حيث يرمز إلى محيط مائي أزلي خرجت منه الحياة.
كما اعتبر المصريون أن السمك المملح هو تجسيد للخلق، وكانوا يقدسونه بسبب ارتباطه بحياة نهر النيل. وكان الفسيخ يرمز إلى تواصل الحياة وابتداء دورة جديدة.
وكان البصل والخس والحمص الأخضر يحملون رمزية إضافية مثل الشفاء والتجدد والنمو، ليصبح عيد شم النسيم مناسبة متكاملة تجمع بين الدين والرمزية الثقافية.
