بتطور الأزمنة والتكنولوجيا .. لماذا نقع في فخ الأخبار المزيفة؟
إذا نظرنا لبداية انتشار الشائعة أو الخبر المزيف، نجد أنها لم تبدأ مع مواقع التواصل الاجتماعي وظهور الإنترنت أو المواقع غير الموثوق بها -برغم إنها ساهمت في زيادتها- ولم تبدأ مع الذكاء الاصطناعي الذي بدأ يخلق محتوى غير واقعي بالمرة.
ولكن إذا نظرنا للخلف قليلًا نجدها بدأت مع قعدات النواصي وقعدات النميمة والبلكونات مع السيدات والقهاوي وبالتحديد كان هناك مسؤول عن تداول أي خبر تم الإشارة إليه في أي من القعدات مع إضافة التوابل والشطة والبهارات للحبكة إذا كان مملًا، والغريب أن من قام بنشرها ويعرف أن مصدرها غير حقيقي يصدقها وكأنما يسمعها لأول مرة.
كل هذا يقودنا للسؤال الأهم، مع التطور الزمني للبشرية وظهور التكنولوجيا التي من المفترض أن تقودنا لما هو أفضل، ولكن قادتنا للعكس، لماذا نصدق؟ ولماذا نقع في فخ الأخبار المزيفة؟
الناس يميلون إلى تصديق مجرد صورة مُعدلة بالفوتوشوب لسياسية تحتوي على جملة مزيفة لم تقلها أبدًا.
ديفيد فرنانديز سانشو
التحيزات؟
المدير التنفيذي لشركة متخصصة في تدقيق المعلومات ديفيد فرنانديز يقول أن حملات المعلومات المضللة لا تعتمد على جودة المحتوى، وإنما على معتقدات الناس المسبقة بأن شيئًا ما قد يكون حقيقيًا، شيء أشبه بالذاكرة الانتقائية التي نمتلكها، وعند اللزوم ننتقي ما يحلو لنا.
فنثق بشعورنا الداخلي وقد يصل الأمر إلى أننا ننزعج من فكرة التحقق، إذ في بعض الأحيان نكتفي بقراءة عناوين المقالات الصحافية دون قراءة المضمون.
وربما فكرة التوجهات والتي تعتبر نوعًا أخر من التحيزات تلعب دورًا هامًا فوفقًا لدراسة كتبها باحثون في جامعة نيويورك أن الانتماء لفئة أو حزب معين له دور في تصديق المعلومات الخاطئة، حيث وجدوا أن الناس أكثر استعدادًا لتصديق ونشر الأخبار المتماشية مع هويتهم السياسية، فيسقطوا بدون أن يشعروا في حب الاخبار المزيفة.
رغبة في الاندماج؟ أم سلوك قطيع؟
اختبرت في مرة من المرات إحساس أن تصدق خبر تداوله البعض لمجرد أنك تريد الاندماج وسط هذه المجموعة؟ هذا ما شرحه كريس ويغيز أستاذ في جامعة كولومبيا، أن الناس يذهبون إلى منصات المعلومات لأسباب مختلفة، من بينها التواصل مع الأفراد المتشابهين معهم في التفكير، سعيًا نحو الاندماج الاجتماعي.
وربما لم يكن رغبة في الاندماج أو يكون له مصطلح آخر أشبه بـ“سلوك القطيع” فإن من المرجح أن يصدق الناس الأخبار في حالة قبولها وتصديقها من قبل الآخرين، لأنهم في الأساس لا يمليون لتكوين رأي خاص بهم بل رأي مستوحى من أراء الغير.
ويمكن أكبر مثال على ذلك عندما نرى منشورًا على منصات التواصل الاجتماعي قد حظي بكثير من المشاركات والإعجابات، فإننا نقوم تلقائيًا بتصديقه حتى في حالة إذا لم يقرأ أحد ممن شاركه تفاصيل الخبر.
الشر الإنساني؟
دراسة في جامعة فورتسبورغ كشف عنها عالم النفس جان فيليب رودلوف، أن السمات الشخصية السلبية تجعلنا أكثر عرضة للأخبار المزيفة، فيعتقدون أن مصلحتهم الشخصية أهم من أي شيء، فيصبح السؤال الرئيسي لا يتركز على ما إذا كانت المعلومة صحيحة أم لا، وإنما يتركز إذا كانت تصب في صالح المصالح الشخصية وتخدم تبريراته ونواياه.
تخدير؟
لا يوجد مجالاً للشك أن ملكة الوعي، والقدرة على معرفة الخبر الحقيقي من الخبر المصنوع، صفة لا تمتلكها أغلبية المتابعين في زمن أصبحت فيه الأخبار المزيفة تنتشر أسرع بمعدل 6 مرات من الأخبار الحقيقية، ولكن وفقًا بعض الخبراء أن هذا لا يحدث إلا إذا كان العقل غائبًا في الأصل أو مخدر.
وهذا ليس له علاقة بشهادات أو مراكز علمية ولكن ربما إذا تعمقنا في أعماق الطفولة نجد أن هذا التخدير مارسه الأهل والأجداد أو المدرسة حتى أصبحت الأجيال إرادتهم مسلوبة، ومن ثم لا يمتلكون القدرة على التفريق بين حقائق واضحة وضوح الشمس وبين الزيف.
ونضيف على كل ذلك لعب تلك الأخبار على وتر المشاعر حتى تنتشر أسرع وأسرع، فيصبح الشخص عالقًا ويزداد الأمر في فترات الحروب والأوبئة حتى نجد أمامنا وباء معلوماتي لا مفر منه.