هل سنشهد ظاهرة انقراض الحمير في مصر قريبا؟ انخفضت أعدادها من 3 ملايين إلى مليون

هل تخيلت يومًا أن يختفي صوت “نهيق” الحمار من الريف المصري؟ أن تفرغ الحقول من هذا الرفيق الصبور الذي ظل لعقود طويلة العمود الفقري لحياة الفلاحين؟!

في مشهد صادم يمر دون ضجيج، تنقرض الحمير بصمت في مصر، بعد أن تراجعت أعدادها من 3 ملايين إلى نحو مليون فقط.

ولم تعد تُستخدم كما كانت، ولم تجد من يدافع عنها مع تزايد الطلب على جلودها لأغراض تجارية، وتراجع قيمتها كوسيلة نقل أو عمل.

بين تحذيرات دولية أطلقت ناقوس الخطر، ونداءات محلية خافتة من نقابة الفلاحين، يبقى السؤال: هل نعيش بالفعل السنوات الأخيرة في تاريخ الحمار المصري؟ وهل ننتبه قبل أن تختفي هذه الكائنات التي تحمل معنا إرثًا اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا عميقًا؟

لا تفوّت قراءة: الإيجار القديم في مصر بالأرقام: كم وحدة سكنية وكم أسرة مستفيدة؟

لماذا تتناقص أعداد الحمير في مصر؟ أسباب غير متوقعة

تراجعت أعداد الحمير في مصر بشكل ملحوظ، من أكثر من 3.2 ملايين في 2014 إلى أقل من مليون فقط، وفق نقيب الفلاحين حسين أبو صدام.

ويُعزى هذا الانخفاض إلى مجموعة من الأسباب، أبرزها تطور وسائل النقل الحديثة التي استغنى معها الفلاحون عن الحمار.

وفي السابق، كان الحمار وسيلة رئيسية للتنقل وحمل الأغراض، لكن اليوم حلّ مكانه الجرار الزراعي و”التوك توك”. كما أن تمهيد الطرق الريفية واختفاء الطرق الوعرة ساعدا في تقليل الاعتماد على الحمير بشكل كبير.

ومن جهة أخرى، تكاليف تربية الحمير أصبحت غير مجدية اقتصاديًا، إذ يبلغ إنفاق طعامه اليومي أكثر من 100 جنيه.

وهذا يعني أن الفلاح يدفع شهريًا نحو 3000 جنيه لتغذيته، بينما سعر الحمار لا يتجاوز 5000 جنيه. لذلك، يُفضل الكثير من المربين تحويل هذه النفقات نحو تربية المواشي التي تدر دخلًا أفضل وأسرع.

أيضًا، أصبح جلد الحمار سلعة مربحة؛ حيث يُباع بسعر يتراوح بين 15 إلى 20 ألف جنيه، أي حوالي 300 دولار أحيانًا. هذه الأرباح جعلت الحمير عرضة للذبح العشوائي والتصدير، ما أدى لتراجع أعدادها بشكل كبير.

بالتالي، ومع تراجع قيمته الاقتصادية، لم يعد الحمار يُمثل أهمية في حياة الفلاح، وبدأ يختفي تدريجيًا من الريف المصري.

جلود وحليب وصابون.. ماذا تفعل دول العالم بالحمير؟

لم تعد الحمير مجرد وسيلة نقل تقليدية، بل أصبحت مصدرًا اقتصاديًا مربحًا في العديد من دول العالم، خاصة الصين.

وفقًا لنقيب الفلاحين، بدأت الصين تتهافت على جلود الحمير لاستخراج مادة “الجيلاتين” التي تُستخدم في صناعة العقاقير.

هذا الجيلاتين الحيواني يدخل في تصنيع أدوية غالية الثمن، يُعتقد أنها تعالج العقم والإجهاض وتؤخر الشيخوخة.

كما تُستخدم مادة “إيجياو” (ejiao) في تصنيع منشطات جنسية، وتخفيف الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي، حسب بعض الدراسات.

مادة “إيجياو” (ejiao) المركب الأساسي في عقار يصنع بالأساس كمكمل للدم المفقود.

لكن الصينيين بدؤوا في استخدام العقار كعلاج يمنع الشيخوخة والعقم والإجهاض، وكذلك الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي، وتصنع منها منشطات جنسية، ومن ثم تضاعفت أسعار هذه المادة لتصل إلى أكثر من 40 أو 50 ضعفا خلال سنوات قليلة.

بسبب هذا الاستخدام المتعدد، تضاعف سعر الجيلاتين المُستخلص من جلود الحمير إلى أكثر من 40 ضعفًا خلال سنوات قليلة.

ومن هنا، اتجهت الشركات إلى الأسواق الفقيرة لاستيراد جلود الحمير بأسعار مغرية، تصل لمئات الدولارات للجلد الواحد.

هذا الإقبال خلق حالة من الهوس التجاري لدى المواطنين، ما أدى لذبح الحمير وبيع جلودها بشكل عشوائي.

ومن جهة أخرى، يؤكد أستاذ الرقابة الصحية على اللحوم محمد عبد الله حسين، أن دولًا أوروبية بدأت تستغل حليب الحمير.

يُستخدم الحليب في إنتاج مستحضرات تجميل باهظة الثمن، مثل الكريمات والصابون ومشتقات الألبان كـالجبن.

وتوجد بالفعل مزارع أوروبية متخصصة في تربية الحمير لهذا الغرض، وتحقق أرباحًا مرتفعة من هذا المنتج النادر.

تصدير الحمير الحية لمحاربة تسرب لحومها للأسواق

في خطوة مثيرة للجدل، قررت الهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة تصدير 10 آلاف حمار حي سنويًا، ذكور فقط.

وجاء هذا القرار بهدف الحد من تسرب لحوم الحمير إلى الأسواق والمطاعم، خاصة بعد تزايد أعدادها في المحافظات.

وفي السنوات الأخيرة، انتشرت تحذيرات من تسلل لحوم الحمير المذبوحة إلى بعض المطاعم بشكل غير قانوني.

وذلك رغم أن اللوائح تنص على أنه بعد الحصول على الجلد، يجب دفن الحمار دفنًا صحيًا أو بيعه لحدائق الحيوان فقط.

هذا التوجه للتصدير اعتُبر وسيلة فعالة للحد من الذبح العشوائي، وضبط سوق تداول لحوم الحيوانات غير المخصصة للاستهلاك البشري.

لا تفوّت قراءة: خريطة العام الدراسي الجديد في مصر 2026/2025: 88 يوماً للترم الأول و84 للثاني

كم يعيش الحمار؟ أرقام قد تفاجئك!

تُعرف الحمير بقدرتها على التحمل وطول عمرها مقارنة ببعض الحيوانات الأخرى.

في الظروف الصحية الجيدة، قد يصل عمر الحمار إلى 50 عامًا، وهو رقم يفوق متوسط أعمارها في البرية.

أما في الطبيعة، فلا يتجاوز متوسط عمر الحمار 25 عامًا، وهو العمر المعتاد لفصيلة الخيول عمومًا.

ويُذكر أن ذاكرة الحمير قوية للغاية، وقد تمتد قدرتها على التذكر حتى 25 عامًا.

وفقًا للتقارير الزراعية، يُقدّر إجمالي عدد الفصيلة الخيلية في مصر بنحو 3 ملايين رأس.

من بينها حوالي 1.2 مليون خيل، و1.8 مليون حمار موزعة على مختلف المحافظات.

من رفيق الفلاح إلى تجارة مهددة للحيوان

عندما تُمارَس تجارة الحمير ومنتجاتها دون ضوابط ومعايير مناسبة، فإنها تُعرّض صحة الحمير ورفاهيتها وحتى أعمارها للخطر.

فما كان في الماضي رمزًا للعمل والمساعدة، تحوّل اليوم إلى سلعة معرضة للاستغلال والاندثار.

قديماً، كان الحمار جزءًا لا يتجزأ من حياة الفلاح المصري؛ يده ورجله ووسيلة نقله الأساسية.

كما لعب دوراً مهماً في صناعة الطوب، لكونه الحيوان الوحيد القادر على تحمّل درجات الحرارة العالية داخل الأفران.

فضلًا عن ذلك، كان الحمار يُعد وسيلة انتقال صديقة للبيئة، تساهم في تقليل التلوث والانبعاثات الضارة.

لكن هذا الدور الحيوي بدأ يتلاشى تدريجيًا خلال السنوات الأخيرة، في ظل اعتماد الفلاح على البدائل الحديثة.

لا تفوّت قراءة: أسرار لا تعرفها عن “أبو العلمين” أطول رجل في مصر.. عندما يصبح الطول نعمة ونقمة

تعليقات
Loading...