الربط البري بين الدول العربية.. نشاط خليجي ورؤية مصرية

سعت الدول العربية لتحقيق الوحدة فيما بينها معتمدة على الشق الاقتصادي، والذي يعد النقل أحد أركانه الرئيسية، لذا تم الكشف عن قطارات تربط دول الخليج ببعضها وأخرى تربط دول المغرب العربي ببعضها وأخرى تربط بين مصر والسودان ولكن لم تسر الأمور كالمتوقع، في حين نجحت بعض الدول في تحقيق جزء كبير من خطط الربط.

قطار الحجاز أول قطار يربط الدول العربية ببعضها

كانت أول فكرة للربط بين الدول العربية والإسلامية هي فكرة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بإنشاء قطار الحجاز في عام 1900 للربط بين دمشق والمدينة المنورة ومكة المكرمة، واستمر الإنشاء 8 سنوات وتم تمويل المشروع بتبرعات من مختلف الدول المسلمة باعتباره يختصر رحلة الحج 3 أشهر، ولكن بسبب استمرار الاستعمار الفرنسي والإنجليزي في الدول العربية في هذا الوقت، الأمر لم يحقق الهدف المنشود منه.

بعد حفل التدشين انتظمت رحلات 15 قاطرة بين دمشق والمدينة، و7 رحلات من حيفا بفلسطين إلى دمشق بسوريا، كما تم تبادل البضائع وانتقال الركاب يوميًا بين حيفا ودمشق، وفي موسم الحج تم تخصيص 3 قطارات للعمل واستخدمه الخديوي عباس حلمي الثاني لأداء فريضة الحج عام 1910.

رفضه في البداية

ورفضت بعض القبائل الخط الحديدي الحجازي في بداية الأمر ثم تعايشوا معه مع الوقت، إلا أن بريطانيا وفرنسا تعمدوا تخريب المشروع لتعارضه مع مشروعاتهما في المنطقة خاصة أن القطار كان يمكن استخدامه لأغراض عسكرية لرفض الاستعمار الفرنسي والإنجليزي، وبالفعل حرضت بريطانيا أشخاص لنزع القضبان الحديدية وقادهم الضابط الإنجليزي توماس إدوارد لورانس المعروف بـ “لورانس العرب” مع إشارة المراجع التاريخية أن لورانس أعطى قطع ذهبية لأحد الأفراد مقابل تدمير قضيب القطار.

مراحل في حياة القطار وكيف كانت نهايته ؟

استخدم القطار من المدينة المنورة إلى دمشق عقب الحرب العالمية الأولى في نهاية 1919 واستقله الأمير علي بن الحسين لزيارة أخيه فيصل في دمشق، وفي عام 1921 ألحقت الحكومة العثمانية القطار بنظارة الأوقاف باعتباره وقفًا إسلاميًا وتم تقسيم ريعه بين عمارة الحرمين الشريفين وخدمات تيسير الحج.

انقسمت إدارة الخط بين فرنسا وبريطانيا منذ عام 1924 حيث أشرفت فرنسا على الجزء الذي يمر في سوريا وبريطانيا على الخط الموجود في الأردن وملك نجد والحجاز (السعودية حاليًا)، واقترح صيانة السعودية وسوريا وفلسطين للخط في عام 1935 ولكن اندلعت الحرب العالمية الثانية في عام 1939 فتعطل الخط، وفي عام 1955 تم عقد اجتماع في العاصمة السعودية الرياض وتجددت الفكرة في عام 1978 ولكن لم يحدث أي تحديث.

طال الإهمال القطار، ولم يتبق منه سوى منشآت قديمة وأطلال وقطارات متوقفة، حيث تحولت عربة السلطان بقاطراتها الثلاث التي يزيد عمرها على 110 أعوام إلى مطعم ومقهى وكافتيريا.

الربط بين مصر والسودان

بمنحة كويتية بـ 750 ألف دينار كويتي، أقر الرئيس عبدالفتاح السيسي، البدء في دراسة جدوى مشروع القطار للربط بين مصر والسودان في أكتوبر 2022 ليتم إحياء المشروع بعد توقف 12 سنة بسبب ثورات عدة مرت بها الدول العربية فيما عرف بثورات الربيع العربي.

السكك الحديدية بين مصر والسودان سيصل طولها 570 كيلومتر، وتم الاتفاق على المسار من أسوان إلى أبو سمبل أقصى جنوب مصر بطول 285 كيلومتر كمرحلة أولى، وسيكون الربط بين أبو سمبل ووادي حلفا بالسودان في المرحلة الثانية بطول 80 كيلومتر، مع إنشاء محطة تبادلية في السودان بحسب تصريحات خرجت عن لقاء جمع وزير النقل في البلدين، وأوضح حينها وزير النقل المصري الفريق كامل الوزير أن المشروع سيتكلف للربط بين أسوان وتوشكى ووادي حلفا  5 مليار جنيه، لافتًا إلى أن المراحل المختلفة للمشروع ستكون من وادي حلفا على أبو حمد بطول 350 كيلومتر ثم إلى  العاصمة السودانية الخرطوم مرورًا بعطبرة بطول 500 كيلومتر.

بداية الفكرة

جاءت فكرة المشروع في عام 2010 في اجتماع لوزراء النقل العرب، لكن توقف الأمر لأسباب تمويلية وتم إثارة الأمر مرة أخرى في عام 2015 ولكن بدأ الأمر فعليًا في العودة عقب لقاء جمع بين الرئيس السيسي ونظيره السوداني السابق عمر البشير في يوليو 2018، وبعدها بالفعل تشكلت لجنة مشتركة وزارية بين البلدين، لكن قيام الثورة في السودان أجلت الأمر ليعود مرة أخرى في 2020 بعد استقرار نسبي في السودان، ولكن فجأة في 15 إبريل 2023 اشتبكت قوات التدخل السريع مع الجيش السوداني ولم يخرج من حينها أي تعليق من البلدين عن القطار المشترك.

وكشفت وزارة النقل أيضًا، عن خطتها لربط شبكة القطار الكهربائي السريع بطول 2000 كيلومتر للربط بين مصر والسودان وليبيا لتعزيز حركة نقل البضائع والركاب مع وضع خطة تشغيلية له نهاية 2024، وبهذا سيكون الربط السككي مع دول الجوار جنوبًا بمد الخط الثاني من أبو سمبل الى وادي حلفا بالسودان، وغربًا بمد الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع حتى السلوم ثم مدينة بنغازي الليبية.

قطار يربط دول المغرب العربي

في فبراير 1989 أعلنت دول المغرب العربي، اتحادًا فيما بينها يضم دول ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا في اجتماع بمدينة مراكش المغربية، وشهد الاتحاد طرح رؤى للتقارب الاقتصادي والسياسي والقضائي والتعليمي ولكن تظل نقطة التنقل بين هذه الدول غير مفعلة، حيث يحتاج كل مواطن إلى تأشيرة للسفر إلى دولة أخرى، ولكن سعت الدول إلى تسهيل التنقل بينها من خلال اقتراح تنفيذ قطار مشترك بين البلدان بعد 30 سنة من إقامة الاتحاد من خلال الحديث في يناير 2019 عن القطار المغاربي للربط في مرحلة الأولى بين المغرب والجزائر وتونس، ليتوسع فيما بعد ليشمل ليبيا وموريتانيا عقب دراسة استمرت سنتين.

وخرجت الدراسة بتوقعات عدة منها قدرة هذه القطار على تقليص المدة الزمنية للسفر بين الدار البيضاء وتونس من 48 ساعة إلى 25، ولتكون مدة ربط الدار البيضاء بالجزائر العاصمة 15 ساعة، وسط توقعات بأن يصل عدد المسافرين في القطار سنة 2025 لإجمالي  4689 مسافرًا في اليوم، على أن يزيد عدد المسافرين إلى 6738 سنة 2040، وسيحمل 8388 طن من البضاعة، وفي سنة 2065 يزيد إلى 12431 مسافرًا في اليوم، حاملًا 22 ألف و436 طن من البضائع.

حدث لم يكن في الحسبان

وبدأت شركتي السكك الحديدية بتونس والجزائر العمل في المشروع في مايو 2018 ولكن تم تأجيله لسبب تقني، ليكون التأجيل الثاني بعدعام 2006 الذي حدث لأسباب تقنية فنية، في الوقت الذي يعد السفر بين المغرب والجزائر متوقف نهائيًا بعد غلق الجزائر حدودها البرية مع المغرب نتيجة فرض المغرب تأشيرة على مواطني الجزائر، بعد اتهامات وجهتها المغرب للجزائر بالضلوع في تفجيرات بمراكش وهو الأمر الذي نفته الحكومة الجزائرية.

مشروع قطار يربط دول الخليج ببعضها

إنشاء مجلس التعاون الخليجي في الثمانينات فتح شهية دول المجلس الـ 6 للعمل على إنشاء مشروع ربط عبر سكك حديدية في عام 2009، عند إعلان الدول في قمتها الـ 30 مشروع “السكة الحديد” للربط بين دول المجلس وحمل المشروع اسم “قطار الخليج” وتتجاوز قيمته التقديرية 15 مليار دولار، وكان يفترض تشغيله في عام 2018 ثم تم تأجيله إلى 2023 ولكن لم ينتهي حتى كتابة هذه السطور، وسط تصور وتوقعات بأن يتم الانتهاء من المرحلة الثانية في 2025 بربط كل من المملكة والكويت والبحرين.

وذكر موقع الأمانة العامة لدول مجلس التعاون، أن المشروع يصل طوله إلى  2117 كيلومتر، وسط توقع بأن يصل عدد المسافرين لسكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي نحو 8 مليون مسافر بحلول 2050، وسرعة قطارات نقل الركاب ستكون بنحو 220 كيلو متر في الساعة، وستصل قطارات نقل البضائع بين 80 إلى 120 كيلو متر في الساعة، مستخدمة الديزل لتوليد الطاقة الكهربائية.

وسيبدأ مسار سكة حديد دول المجلس من الكويت مرورًا بالدمام إلى مملكة البحرين، ومن الدمام إلى قطر عن طريق منفذ سلوى، وسيربط قطر بالبحرين، ومن السعودية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في أبو ظبي والعين، ومن ثم إلى مسقط في سلطنة عمان عبر صحار بحسب موقع الأمانة العامة لدول الخليج.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: إطلاق مشروع الربط الكهربائي الخليجي بين السعودية والعراق

تعليقات
Loading...