اعتزل ما يؤذيك: لأي مدى نقدر نطبق المقولة على بيئة العمل؟
“اعتزل ما يؤذيك” الجملة الأشهر حاليًًا على مواقع التواصل الاجتماعي، والمقصود بها إنك تبعد عن كل شيء ممكن يسبب لك ألم نفسي أو صحي، علاقة مش حاببها وبتضغط عليك، أصحاب بيستغلوك أكتر ما يشدوك علشان تبقى أحسن، أهل بيضغطوا عليك نفسيًا بشكل متزايد تحت مسمى العادات والتقاليد والناس هتقول إيه، أو شغل جبت أخرك منه وبدأ يستهلكك نفسيًا وجسديًا وذهنيًا وبقى أشبه ببيئة العمل السامة. الأبعاد كتير والموضوع متشعب فهنقف عند جزئية “الشغل”.
اعتزل ما يؤذيك في الشغل.. نسيب الشغل؟ هي الكلمة تبان سهلة أوي من برا بس لو جيت وقفت عندها وبدأت تسأل نفسك هل الموضوع بالبساطة اللي بيحكوا عنها؟ هل المقولة تنطبق على كل الأحوال والظروف؟ هل كل الناس عندهم رفاهية “الاعتزال”؟ قبل ما نجاوب على الأسئلة دي، محتاجين نتكلم عن فكرة الشغل نفسها بتمثل للناس إيه.
العمل يحفظ للإنسان فضيلته
بعيدًا عن العائد المادي اللي بيتحقق وبيغنينا عن ما يسمى “القلق المالي”، فالشغل له عائد نفسي ومعنوي؛ ممكن يكون وسيلة للهروب من مشكلاتك وصراعتك الداخلية أو تحقيق شيء داخلي بتحاول دايمًا تثبته لنفسك وللناس اللي حواليك، قاتل للفراغ اللي بيعتبر منبع أساسي لكل الصراعات والوساوس الداخلية واللي بينتج عنها تبعات تانية، أو ممكن يكون بيحقق للشخص مكانة اجتماعية ما مايقدرش يستغنى عنها.
والشيء الأهم هو إنه سبب من أسباب الوجود الإنساني، ومن بدء الخليقة الإنسان بيسعى علشان يثبت إنه يقدر يعمل نوع من أنواع الإشباع الذاتي والإنجاز بجانب تحقيقه لنوع من أنواع الأمان.
وده اللي وضحه هرم ماسلو للحاجات الإنسانية، وهو إن في تدرج للحاجات والدوافع الإنسانية وترتيبها الهرمي في الأهمية من أسفل لأعلى، بتبدأ في الأهمية من الحاجات الفسيلوجية زي الأكل والشرب، والمرتبة التانية في الأهمية هو الأمان، وده بيتلخص في إنك تحس بأمان في صوره وأشكاله (الأمان الوظيفي)، يكون في وظيفة ضامن إنها تحققلك دخل وجزء من الاستقرار.
ومن الأساسيات اللي اتبنى عليها هرم ماسلو إنك ماينفعش تعدي درجة قبل ما تشبع وتحقق الدرجة اللي قبلها، ممكن يختلف ترتيب الهرم من شخص للتاني بس بتفضل الدوافع والحاجات الإنسانية واحدة.
أسباب لا حصر لها
بجانب العائد المعنوي اللي اتكلمنا عنه والاستقرار المادي اللي بتحققه الوظائف، ممكن يكون سبب من الأسباب اللي بتخلي الناس مش عارفة تاخد خطوة “الاعتزال” هي عدم القدرة على كسر “منطقة الراحة” أو بمعنى أصح اللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش، في فئة عندها استعداد تكمل في أماكن بتستهلكها نفسيًا بمجرد إنها مش بتحب كسر الروتين أو تدخل في دوامة التأقلم على بيئة عمل جديدة، خصوصًا لو بقالهم سنين في المكان ده، وفي اللي بيبقوا عندهم تخوفات من اللي جاي، أو إنه لسه مش لاقي الوظيفة الأنسب له ومايقدرش يسيب القديمة بحكم مسؤولياته والتزاماته.
أسباب لا حصر لها.. وممكن نقعد نجيب ورقة وقلم ونكتب فيها لبكرة بناءً على ظروف كل شخص.. إذن ماذا لو عندك واحد من الأسباب دي ولم تملك رفاهية اتخاذ القرار؟
ماذا لو لم تملك رفاهية الاختيار؟
القدرة على الترك عند بعض الناس ممكن يسبب آلام أكتر من اللي هيسببها الاستمرار فيها، خصوصًا لو ماعندكش بدائل تحقق لك نفس العائد المادي أو المعنوي.. ازاي تتعامل لو ده وضعك الحالي؟
- حط إيدك على المشكلة واسأل: إيه الأسباب اللي وصلتك للمرحلة دي؟ واتكلم مع الشخص المتسبب، ولو المشكلة عامة في هيكل الشركة فاتكلم مع المسؤولين.
- ما لا يدرك كله لا يترك كله.. أحيانًا ممكن تكون المعاناة جزء وليس الكل، يعني ماتقدرش تعممها، فهنا نقدر نبص لنص الكوباية المليان وتحاول تتعامل معاه، ولو الأزمة دي اتحلت هتكتسب منها مهارات في التعامل مع المواقف المختلفة في الحياة في مجتمع الشغل الصغير، وكإنه تدريب لك على التعامل مع ضغوطات الحياة اللي لا مفر منها.
- انقذ ما يمكن إنقاذه.. لو لسه مكمل في الوظيفة تقدر تلاقي مخرج أو منفذ تاني لك تخرج فيه طاقتك السلبية، وتخليك تشحن طاقتك من تاني ويحسسك إنك تقدر تحقق إشباع جديد عليك يخليك تعرف تكمل.
- لو مش قادر تعتزل بشكل كامل ممكن تعتزل بشكل جزئي، في المحيط اللي بيضايقك سواء شخص أو مجموعة وتتجنب الاحتكاك أو تخليه في أضيق الحدود، بالشكل اللي مايخلش بالمهام الوظيفية.
النصيحة الأخيرة والأهم، لو فضلت في وظيفة واحدة لفترة طويلة، سواء بمزاجك أو مجبر، فأنت محتاج تطور من مهاراتك، لأن زي ما أنت شايف تقنيات الذكاء الاصطناعي ماسابتش حد في حاله، ولو مابقاش عندك الآليات أو التقنيات علشان تساير الوضع مش هتستمر. فلو قررت تفضل، حاول تستثمر وتستفيد من كل حاجة حواليك.