إسرائيل تغتال قافلة المسعفين في غزة: الجريمة التي هزّت العالم
في فجر موحش من أيام الحرب، حيث كانت سماء غزة ملأى بالدماء، والأرض لا تحتمل المزيد من الجثث، خرج مسعفو غزة يحملون ستراتهم البيضاء، رمز الإنسانية قبل كل شيء.
كانوا يركضون بين الأنقاض، يسابقون الزمن لإنقاذ الجرحى من تحت الركام، بلا تمييز، بلا خوف، يدركون أن مهمتهم تتجاوز الحدود السياسية وتلامس القلب البشري.
لكن، كما هو الحال في كل حكاية مأساوية، لم يكن الموت وحده من يلاحقهم. في لحظة مصيرية، تحولت دروب الرحمة إلى شوارع من الدماء، حين اغتالهم جيش الاحتلال الإسرائيلي في مجزرة هزّت ضمير العالم.
ما الذي حدث في تلك اللحظات القاتلة؟ كيف استشهد نحو 15 مسعفًا في تل السلطان برفح؟ وما هو سر الروايات المتضاربة التي حاولت طمس الحقيقة أو تبرير الجريمة؟
هذه هي القصة التي يجب أن تُروى، فكل مذبحة تخلف وراءها أسئلة بلا إجابة، ولكنها تكشف لنا أكثر عن الوحشية التي تصنعها الحروب على مرّ الزمن.
لا تفوّت قراءة:“طوفان” عودة الغزويين إلى شمال غزة: 10 مشاهد إنسانية لا تُنسى خطفت قلوبنا
23 مارس .. مسعفو غزة في مواجهة الموت
في الساعة الخامسة فجر 23 مارس، استجاب فريق مشترك من الدفاع المدني والهلال الأحمر لنداءات الاستغاثة من مدنيين جرحى في تل السلطان غرب رفح.
وصل الفريق بسرعة بعد أن ارتدى أعضاؤه ستراتهم البرتقالية، مستقلين مركبتي إسعاف ومركبة إطفاء تحمل شارة الحماية المدنية الدولية، مع إضاءة واضحة للمصابيح.
في تلك اللحظات، كانت قذائف الاحتلال تمطر المنطقة بكل وحشية. ورغم كل ذلك، أصر المسعفون على تقديم المساعدة. ولكن بعد دقائق من انطلاقهم، انقطع الاتصال بهم تمامًا.
كيف يمكن أن يتحمل المسعفون هذا الخطر في سبيل إنقاذ حياة آخرين؟ وهل كان هذا الاستهداف جزءًا من استراتيجية إسرائيلية؟
30 مارس .. انتشال جثامين مسعفي غزة

في 30 مارس، وبعد 8 أيام من انقطاع الاتصال، أعلن الهلال الأحمر الفلسطيني عن انتشال جثامين 13 شهيدًا من مسعفي غزة.
وضم الفريق 8 من طواقم الهلال الأحمر، 5 من الدفاع المدني، وموظفًا تابعًا لوكالة أممية.
وجرى العثور على الجثامين مدفونة على بُعد نحو 200 متر من مركباتهم التي دُمرت بالكامل.
وكانت جثامين الشهداء مكبلة الأيدي، وعليها علامات واضحة لإطلاق الرصاص في الصدر والرأس، مما يبرز وحشية الاستهداف.
هذه الجريمة تعد مثالًا آخر على الاستهداف المباشر للمسعفين في حرب لا تميز بين الحياة والموت.
31 مارس .. الجيش الإسرائيلي ينفي المجزرة
في 31 مارس، أصدر الجيش الإسرائيلي بيانًا رسميًا نفى فيه استهدافه لمركبات الإسعاف.
وادعى الجيش أن قافلة المركبات اقتربت بشكل “مريب” في الظلام دون تشغيل المصابيح الأمامية أو الأضواء، مما دفع قواته لفتح النار عليها.
كما أضاف البيان أن حركة المركبات لم تكن منسقة أو متفقًا عليها مسبقًا مع الجيش، وهو ما اعتبره مبررًا للاشتباك.
وأكد الجيش أن من بين القتلى في هذا الاستهداف، كان هناك عناصر من المقاومة الفلسطينية.
لا تفوّت قراءة: تعمير بدون تهجير: ملامح المقترح المصري لإعمار غزة في فترة من 3 لـ 5 سنوات
5 أبريل .. فيديو يكشف كذب الرواية الإسرائيلية

في 5 إبريل، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقطع فيديو جديد، تم العثور عليه في هاتف أحد المسعفين الشهداء.
وأظهر الفيديو سيارات الإسعاف وهي تتحرك في الظلام، مصابيحها الأمامية وأضواء الطوارئ مضاءة بوضوح، وعلامات المركبات ظاهرة.
وكان الفيديو قد وثق اللحظات الأخيرة قبل استهدافهم، ما يعزز نفي الرواية الإسرائيلية التي ادعت أن المركبات كانت تتحرك دون تنسيق.
وجرى العثور على الفيديو في هاتف المسعف رفعت رضوان، الذي صور به المشهد قبيل استشهاده مع زملائه.
وهذا الفيديو يمثل دليلاً قاطعًا يكذب الرواية الإسرائيلية، ويكشف الحقيقة التي حاولت الجهات الرسمية طمسها.
سامحونا يا شباب.. يا رب تقبّلنا يا رب.. يا رب إني أتوب إليك وأستغفرك يا رب.. سامحونا يا شباب، سامحيني يا أمي.. هذا الطريق الذي اخترته كي أساعد الناس
الكلمات الأخيرة للمسعف رفعت رضوان
شهادة الناجي الوحيد من المجزرة
قال منذر عابد، الناجي الوحيد من المجزرة، في شهادته: “كل شيء يخبرك أنها سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني، كانت جميع الأنوار مضاءة حتى لحظة تعرض السيارة لإطلاق نار مباشر”.
وتابع عابد أنه بعد استهداف السيارة، سحبه الجنود الإسرائيليون من الحطام واعتقلوه، ثم قاموا بتعصيب عينيه.
وأضاف أن الاحتلال استجوبه على مدار 15 ساعة قبل أن يتم إطلاق سراحه.
وتعد شهادة عابد دليلاً إضافيًا على الجريمة التي ارتكبها الاحتلال بحق المسعفين، وتفضح الرواية الإسرائيلية الزائفة.
الجيش الإسرائيلي يعترف بالجريمة
بعد ظهور الفيديو الذي كشف كذب الرواية الإسرائيلية، أقر الجيش الإسرائيلي بارتكاب أخطاء في مقتل 15 مسعفًا في جنوب غزة.
وقال مسؤول في الجيش للصحفيين: “الجنود أطلقوا النار على سيارة كانت تقل ثلاثة أعضاء من حركة حماس، وعندما اقتربت سيارات الإسعاف، أبلغ موظفو المراقبة الجوية الجنود أن القافلة “تتقدم بشكل مريب”.
وأضاف المسؤول: “افترض الجنود أنهم تحت التهديد، فأطلقوا النار، رغم أنه لا يوجد دليل على أن أي فرد من فريق الطوارئ كان مسلحًا”.
ومع ذلك، أكدت هيئة البث الإسرائيلية أن اللقطات الجديدة تثبت عكس ذلك، وأن الطاقم الطبي كان يستخدم الأضواء والملابس البراقة بوضوح.
وعلى الرغم من التحقيقات “الموسعة” التي أعلن عنها الجيش الإسرائيلي، فإن النتيجة واحدة: مقابر جماعية تتراكم مع كل جريمة جديدة.