نهر الليطاني في لبنان: لماذا تريد إسرائيل نقل قوات حزب الله إلى شمال النهر؟
نهر الليطاني، أحد الأنهار الأكثر أهمية في لبنان، يبرز كعنصر استراتيجي رئيسي في الصراعات الإقليمية، وخاصة بين إسرائيل وحزب الله.
منذ بدء التصعيد في أكتوبر 2023، أصبح النهر محورًا رئيسيًا في أي اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان. ويشكل موقعه الجغرافي تحديًا ومعلمًا فاصلاً بين المناطق المتوترة.
بموجب الاتفاق الذي وافقت عليه إسرائيل وحزب الله بمباركة أمريكية، ستنسحب القوات الإسرائيلية من لبنان، بينما سيقوم حزب الله بسحب مقاتليه وأسلحته إلى شمال النهر.
يبرز هذا التوزيع كحل يضمن عدم التواجد العسكري بالقرب من الحدود، مما يفتح المجال لوجود الجيش اللبناني كقوة بديلة.
ولكن أهمية نهر الليطاني في لبنان لا تتوقف عند كونه نقطة جغرافية؛ فهو رمز للصراع على النفوذ والتحكم في المنطقة.
وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أشار بوضوح إلى أن انسحاب حزب الله إلى ما وراء النهر أمر ضروري، محذرًا من أن إسرائيل ستتدخل إذا فشل المجتمع الدولي في فرض هذا الأمر.
على الجانب اللبناني، يبدي حزب الله تمسكًا بوجوده جنوبي النهر، لكنه انسحب بالنهاية حسب الاتفاق المبرم.
رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، أعرب عن أن نقل النهر إلى الحدود أسهل من نقل الحزب بعيدًا عنه.
هذه التصريحات تسلط الضوء على الأبعاد السياسية والنفسية للصراع وتزيد من تعقيد الموقف.
إذن، كيف أصبح نهر الليطاني علامة جيوسياسية بارزة؟ يكمن جوابه في دوره كحد فاصل بين القوى المتصارعة بين إسرائيل وحزب الله وتأكيده على توازن القوى في المنطقة.
نهر الليطاني: الأطول والأكبر في لبنان
نهر الليطاني، الذي يمتد لمسافة تقارب 170 كيلومترًا من الجنوب حتى البحر الأبيض المتوسط، يُعتبر أطول الأنهار وأكبرها في لبنان.
بفضل سعته التي تصل تقريبا إلى 750 مليون متر مكعب سنويا، يلعب النهر دورًا محوريًا في توفير المياه للزراعة وتلبية احتياجات المدن.
ماذا عن المسار الجغرافي للنهر؟
ينبع نهر الليطاني من سهل البقاع في غرب لبنان، بالقرب من جبل الشيخ، ليبدأ رحلته عبر الأراضي اللبنانية متجهًا نحو الجنوب.
يعزز مروره عبر مناطق جبلية مثل الهرمل وبعلبك من طابعه الجغرافي المميز، ويضفي على المجرى مزيجًا من التضاريس المتنوعة من جبال شاهقة إلى سهول واسعة.
يواصل النهر جريانه حتى يملأ بحيرة القرعون الاصطناعية، التي تُعتبر من أهم المشاريع المائية في لبنان لتخزين المياه وتوليد الكهرباء.
بعد مرور النهر ببحيرة القرعون، ينعطف غربًا ليواصل مساره حتى يصب في البحر الأبيض المتوسط بالقرب من بلدة القاسمية في الجنوب اللبناني.
هذه الرحلة الطويلة تُبرز أهمية النهر كعنصر طبيعي يحفظ التوازن البيئي ويغذي المناطق المجاورة.
ما الهدف الأسمى لإسرائيل الآن؟
في الفترة الحالية، تخشى إسرائيل تكرار سيناريو طوفان الأقصى على الحدود الشمالية.
يمكن للمقاتلين في حزب الله التسلل إلى البلدات العسكرية، عبر جنوب نهر الليطاني.
ولذلك، قامت إسرائيل منذ أشهر باجتياح الجنوب اللبناني ونشبت اشتباكات مسلحة شبة يومية بينهما.
وبالفعل نجحت إسرائيل في إبرام اتفاقية بين إسرائيل وحزب الله، وإبعادهم إلى شمال النهر من الجنوب.
وبهذه الخطة، تستطيع إسرائيل صد أي هجمات صاروخية من حزب الله عبر منظومة القبة الحديدية ومقلاع داود ومنظومة آرو 3.
خلال الحرب الدائرة منذ أشهر، استخدم حزب الله صواريخ مضادة للدروع من نوع كونكرس وكورنيت وألماس، ومداها يبلغ 8 كيلومترات.
بعد إبعاد حزب الله ما وراء النهر تستطيع إسرائيل صدها بنجاح. لكن إذا أطلقت من الجنوب ستفشل إسرائيل في صدها، وهذا ما حدث سابقا.
أين يتمركز حزب الله حول النهر؟
يُقسم جنوب نهر الليطاني إلى ثلاثة قطاعات رئيسية: القطاع الغربي، والقطاع الأوسط الذي يُعتبر المركز الرئيسي لحزب الله من الناحية الشعبية والعسكرية، والقطاع الشرقي.
تضم هذه القطاعات جميعها نقاط تماس بين مقاتلي حزب الله والجيش الإسرائيلي، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة.
يتفاوت العمق بين مجرى النهر والخط الأزرق، الذي يفصل لبنان عن إسرائيل، حيث يصل في أقصى حدوده إلى 28 كيلومترًا في القطاع الأوسط، بينما ينحصر في 6 كيلومترات فقط في أقصى القطاع الشرقي.
الخط الأزرق هو خط ترسيم حدودي وضعته الأمم المتحدة عام 2000 بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان.
ويشكل هذا الخط الحدود الفاصلة بين لبنان وإسرائيل، بالإضافة إلى هضبة الجولان المحتلة، مما يجعل المنطقة نقطة ساخنة للصراعات والاشتباكات المتكررة.
ما الأهمية العسكرية للنهر؟
يُقسّم نهر الليطاني الجنوب اللبناني إلى منطقتين شبه جزيريتين، ترتبط ضفتاها من خلال جسور رئيسية وفرعية.
المنطقة الواقعة شمال هذه الجسور باتجاه العاصمة بيروت تُعرف بمنطقة شمال الليطاني، في حين تُسمى المنطقة الواقعة جنوب النهر بمنطقة جنوب الليطاني.
تُعتبر منطقة جنوب الليطاني ذات أهمية استراتيجية بارزة، حيث تضم مواقع عسكرية وبنية تحتية أنشأها حزب الله بالقرب من الحدود الإسرائيلية الشمالية.
كما أن موقعها الجغرافي القريب من إسرائيل يجعلها منطقة متوترة، وتعد ساحة للاشتباكات المسلحة المتكررة بين الطرفين.
تبلغ المساحة الإجمالية لمنطقة جنوب الليطاني حوالي 850 كيلومترًا مربعًا، ويقطنها نحو 200 ألف نسمة.
وتشكل الطائفة الشيعية الأغلبية بنسبة 75%، وهي القاعدة الشعبية الرئيسية لحزب الله، في حين تتوزع النسبة المتبقية والبالغة 25% بين السنة والدروز والمسيحيين.
عملية الليطاني
في 1978، سعت إسرائيل لتمدير مواقع منظمة التحرير الفلسطينية، الواقعة جنوب النهر، وظلت إسرائيل في الجنوب حتى عام 2000 وانسحب الجيش الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق.
في 2006، عزز حزب الله من وجوده في جنوب لبنان والمناطق المحيطة بالنهر، وشن عمليات حربية ضد إسرائيل، مثل الخطف والقتل والاحتجاز لجنود إسرائيل، الأمر الذي أدى إلى اندلاع حرب لبنان الثانية أو حرب تموز.
بعد 33 يوما، انتهت الحرب بين الطرفين، بالاتفاق على سحب إسرائيل لقواتها من جنوب لبنان، وأن ينحسب حزب الله من المنطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، ولكن كان الاتفاق حبرا على ورق.
الزراعة والكهرباء: ما أهمية النهر في لبنان؟
تُعتبر مياه نهر الليطاني المصدر الرئيسي للمياه العذبة في لبنان، وتلعب دورًا أساسيًا في دعم المشاريع المائية، مثل السدود التي تُبنى على ضفافه لتوليد الكهرباء والري.
ومن أبرز هذه المشاريع سد الليطاني في منطقة عين الزهراء، الذي يُعد واحدًا من أكبر المشاريع المائية في لبنان.
ويعمل السد على تخزين المياه لتوفير الطاقة الكهربائية، كما يساهم في إمداد المناطق الزراعية بالمياه، مما يعزز من استدامة الموارد الطبيعية في البلاد.
لكن قدرة هذه السدود على تلبية احتياجات لبنان من الكهرباء تظل محدودة في ظل النمو السكاني والاحتياجات المتزايدة للطاقة.
نهر الليطاني: تحديات بيئية
على الرغم من الأهمية الكبيرة لنهر الليطاني، إلا أنه يواجه تحديات بيئية خطيرة تهدد استدامته.
ومن أبرز هذه التحديات التلوث، حيث يعاني النهر من تلوث المياه نتيجة التصريفات الصناعية والزراعية.
المواد الكيميائية السامة والمبيدات الحشرية تتسبب في تدهور جودة المياه، مما يؤثر سلبًا على الحياة البرية والنباتات التي تعتمد على النهر.
بالإضافة إلى ذلك، تسهم مياه الصرف الصحي غير المعالجة التي تُصرف في النهر في تفشي الأمراض وتدمير البيئة الطبيعية المحيطة.
ولا تتوقف المشكلة عند هذا الحد، بل تشمل الأنشطة البشرية على ضفاف النهر مثل البناء غير المنظم والتوسع العمراني، التي تؤدي إلى تدمير المواطن البيئية وتآكل الأرض.
فضلاً عن ذلك، يعاني النهر من انخفاض مستوى المياه خلال فترات الجفاف، مما يهدد استدامة مصادر المياه والزراعة في المنطقة.
هذه التحديات تتطلب جهودًا عاجلة للحفاظ على النهر وحمايته من المزيد من التدهور.
آخر كلمة ماتفوتوش قراءة: نساء وأطفال السودان: الضحايا الصامتون في صراع الجنرالات