من هتلر للملك فؤاد الأول: خروج تمثال نفرتيتي من مصر ومحاولات استعادته عبر التاريخ
في الوقت اللي المصريين، والعالم كله، منتظر افتتاح المتحف المصري الكبير، أثريين ومثقفين مصريين بيطالبوا في حملة عالمية، بعودة تمثال رأس نفرتيتي للوطن، هدف الحملة هو خلق رأي عام عالمي يدعم مطالبة مصر الشرعية في استعادة التمثال الأيقوني.
لكن دي مش المرة الأولى اللي تطالب مصر فيه باستعادة التمثال، فعلى مدار التاريخ منذ اكتشاف التمثال سنة 1913، كانت مصر بتطالب باسترداده مرة تلو الأخرى، فإيه حكاية المطالب دي وانتهت على إيه؟
في الأول.. من هي نفرتيتي؟
في كتابه ملكات مصر، بيقول وزير الآثار السابق ممدوح محمد الدماطي، عن الملكة المصرية إنها واحدة من أشهر نساء العالم، وربما أجملهم، إنها نفرتيتي، ومعنى اسمها “الجميلة أتت”، تعتبر واحدة من السيدات صاحبات النفوذ اللي لعبوا دور مهم في تاريخ مصر القديمة.
بدأت حياتها كملكة تجلس على العرش جنب زوجها الملك أمنحتب الرابع من عصر الأسرة الـ 18، في الفترة من 1350-1334 ق.م، وقادت مع زوجها ثورة عقائدية وفنية غيرت الدين المصري بشكل كامل، وقدموا المعبود الواحد آتون، بديلًا عن المعبودات المصرية القديمة، واتحول اسم الملك من أمنحتب الرابع إلى أخناتون، أي المفيد لآتون، واتغير اسم الملكة من نفرتيتي لـ “نفرنفروآتون”، أي جميلة جمال آتون، حصلت تغيرات سياسية وفنية كتير جدًا مع التغير العقائدي الجذري والصادم اللي عاشته الدولة والشعب.
بيظهر نفوذ وسلطة نفرتيتي في الألقاب الملكية العديدة اللي لقبت بها، فهي الأميرة الوراثية وعظيمة المدح وسيدة النعمة وعذبة الحب وسيدة الأرضين وزوجة الملك العظيمة وحبيبته وسيدة كل النساء وسيدة الجنوب والشمال.
ورغم إننا مش عارفين لحد لحظة كتابة المقال نسب نفرتيتي، لكن من المؤكد إنها مش بنت ملك، واختلف العلماء في نسبها، فمنهم اللي بيقول إنها من أصل أجنبي، وإنها الأميرة الميتانية تادوخيبا، اللي وصلت للحريم الملكي في عصر أمنحتب الثالث، أما البعض الآخر فبيقول إنها بنت الكاهن آي، اللي جلس على العرش بعد وفاة توت عنخ آمون، وبالذات إن زوجته اتلقبت بمرضعة نفرتيتي، وده الرأي المتفق عليه لدرجة كبيرة رغم إنه يفضل مجرد تخمين.
بين حربين عالميتين: اكتشاف تمثال رأس نفرتيتي وخروجه من مصر
بيقول ممدوح محمد الدماطي، إن تمثال رأس نفرتيتي اكتشفته الشركة الألمانية في 6 ديسمبر 1912 في تل العمارنة، بقيادة عالم الآثار الألماني لودفيج بوشارت Ludwig Borchart، في ورشة النحات تحتمس، مع تماثيل نصفية تانية لنفرتيتي، ووصف بورشارت الاكتشاف في مذكراته بإنه: “فجأة، أصبح بين أيدينا أفضل الأعمال الفنية المصرية الباقية.. لا يمكن وصف ذلك بالكلمات، لا بد أن تراه”.
في وثيقة من أرشيف الشركة الألمانية ظهرت سنة 1924، اتوثق اجتماع بين لودفيج بورشارت وبين مدير تفتيش آثار مصر الوسطى جوستاف لوفيفر Gustav Lefebvre، في 20 يناير 1913، علشان يناقشوا تقسيم الاكتشافات الأثرية اللي عُثر عليها سنة 1912، بين ألمانيا ومصر، وعلى حسب الوثيقة، كان بورشارت مُصر على إن التمثال يروح للألمان، وفي اشتباه إنه أخفى قيمته الحقيقية.
بيؤكد الدماطي، إنه في الوقت ده كانت بتتقسم الاكتشافات طبقًا لقانون الآثار (حصص متساوية – à moitié exacte)، بين مصر وبعثة الحفر من خلال لجنة مشتركة، رئيسها هو ممثل مصلحة الآثار عن الحكومة المصرية.
في الوثيقة، بيتضح إن بورشارت قسم الاكتشافات في صندوقين قبل الاجتماع، وعرض على لوفيفر مفتش آثار مصر الوسطى، كشفين بالقائمتين ومعاهم صور الآثار، وكانت واحدة فيهم فيها التمثال النصفي لنفرتيتي، والتانية فيها لوحة ملونة لأخناتون وأسرته، وكان بورشارت عارف إن اللوحة دي من الآثار اللي لوفيفر بيحبها.
وضح بورشارت للسيد لوفيفر إن كل قائمة تتكامل في محتوياتها، وإنه يفضل أن تحتفظ كل قائمة بمجموعتها، وعلشان كده اختار لوفيفر القائمة اللي فيها لوحة أخناتون وأسرته، واللي حاليًا موجودة في المتحف المصري في القاهرة.
في تفاصيل مهمة بتكشفها الوثيقة بتسلط الضوء على شبهة عدم مشروعية خروج التمثال من مصر، أولها إن الصورة اللي اتعرضت على لوفيفر كانت بإضاءة سيئة، وإن بورشارت خبى التمثال في صندوق أثناء الزيارة ومعرضوش على لوفيفر خالص، وثانيها إنه ادعى إن التمثال مصنوع من الجبس، وده مش الحقيقي، لإن التمثال مصنوع من الحجر الجيري الجيد.
رغم إن التمثال وصل برلين سنة 1913، فضل مختفي لحد سنة 1924، لما اتعرض للجمهور كجزء من المتحف المصري في برلين، لحد ما المتحف اتقفل سنة 1939 بسبب الحرب العالمية التانية، وقتها اتنقل التمثال لملجأ آمن للحفاظ عليه.
في سنة 1941، طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني قصفت متحف برلين، وبعد سقوط ألمانيا، وصل التمثال للجيش الأمريكي واتبعت لفرع الآثار والفنون الجميلة والأرشيف التابع للجيل، ومنها وصل للبنك المركزي الألماني في فرانكفورت، وفضل يتنقل من نقطة للتانية ما بين برلين الشرقية والغربية لحد سنة 2005 لما رجع للمتحف القديم، وهو مكان وجوده لحد لحظة كتابة المقال.
تاريخ مطالبات مصر باستعادة تمثال رأس نفرتيتي
بيقول الدماطي: “أصبح التمثال النصفي لنفرتيتي رمزًا ثقافيًا لبرلين وكذلك لمصر القديمة، كما أثار جدلًا عنيفًا بين مصر وألمانيا بسبب مطالبة مصر بإعادة القطع الأثرية المهربة إلى مصر”.
فضلت مصر تطالب باستعادة التمثال من لحظة خروجه من مصر، وفي سنة 1924 طالب بيير لاكو Pierre Lacau، مدير مصلحة الآثار وقتها، وخليفته ماسبيرو بعودة التمثال، وشككوا في عدم شرعية القسمة، لدرجة إنه في 1935، هددت مصر بحظر التنقيب الألماني عن الآثار في مصر لو التمثال مارجعش، وبالفعل اتمنع بورشارت من الحفر في مصر ولكن الشركة الشرقية الألمانية أصرت إن الاتفاق كان نزيه.
في سنة 1939 زار بيير لاكو برلين، وقابل مدير متحف برلين وقتها هيريش شيفر Heinrich Schafer، واتفقوا على حل
المشكلة، فعرضت مصر تستبدل التمثال بتمثالين؛ هما تمثال رعنفر من الأسرة الحاسة وتمثال جالس لأمنحتب ابن
جابو من الأسرة الـ 18، ووافقت وزارة الفنون والعلوم والتعليم على العرض لكن الرأي العام الألماني رفض ده تمامًا.
جت فرصة ذهبية لاستعادة التمثال خلال العهد النازي في ألمانيا، وبيقول الدماطي: “في ذكرى جلوس الملك فؤاد
الأول على العرش عام 1933، طالب هیرمان جورينج Hermann Goring، وزیر سلاح الجو النازي، بإعادة التمثال للملك فؤاد الأول كمبادرة سياسية وبدعم من المسؤول الإعلامي لهتلر والسياسي النازي البارز يوسف جوبلز Joseph Goebbels، وافق هتلر مبدئيًا إلا أن الرأي العام عارض الفكرة، وعندما زار هتلر المتحف ورأى التمثال عارض أيضًا الفكرة، وقال للحكومة المصرية إنه سيبني متحفًا مصريًا جديدًا لنفرتيني”.
ومن وقتها لحد النهارده، لسه المطالبات باستعادة التمثال بتتجدد، وفي انتظار افتتاح المصري الكبير طالبت مصر باقتراض التمثال لعرضه في الافتتاح، لكن ألمانيا رفضت بعد موافقة مبدئية، خوفًا من إن التمثال مايرجعش تاني لو وصل لمصر.