مرآة عن حياته: جولتنا في متحف الأديب العالمي نجيب محفوظ

الحارة الشعبية التي كانت بطلة للكثير من رواياته وكانت أنيسته وجليسته وملهمته، وحي الجمالية بالتحديد الذي ولد فيه ويتوسط القاهرة التاريخية، والتكية التي احتلت مكانة خاصة في قلبه، كل هذه العناصر تجمعت من جديد لتكون هو الوجهة الآخيرة الذي تذهب لها مقتنيات الراحل العالمي الأديب نجيب محفوظ، من خلال متحف يحمل اسمه ليخبرك المكان جزء ولو صغير عن الأديب الراحل.

مكان يعيد حياته من جديد

فالمتحف الذي قمنا بزيارته وقع في قلب تكية أبو الذهب التي تبعد خطوات عن شارع الأزهر متحف في قلب منطقة غنية بالآثار الإسلامية ولكن في نفس الوقت مزدحمة بالمارة والأسواق والباعة الجائلين الذي طالما كان يتحدث عنهم نجيب، وفي شارع جانبي أمامه لافتة جار عليها الزمن تحت عنوان “شارع التبلية” بجانب وكالة الغوري وفي الوجهة الآخرى شارع “حمام المصبغة”

الوصول للمكان لم يكن سهلًا في البداية نظرًا لعدم وجود أي لافتات في الشارع الجانبي الذي يتواجد فيه المتحف، فلا يوجد سوى لافتة على الشارع العمومي مكتوب عليها “إلى متحف نجيب محفوظ”، غير أن معظم بائعي الخضرة أو أصحاب المحلات لم يعرفوا أين مكانه بالرغم أنهم يمرون من أمامه يوميًا، فبقيت بضع دقائق في نفس الدائرة بالرغم من أن المتحف يبعد خطوات عني ولكن في النهاية استطاعت الدخول.

قاعات مثقلة بالحكايات

فور دخولك لمقر المتحف من باب التكية الأثري، تستقبلك صورة كبيرة للأديب مع مجموعة من اللوحات على جدران الصحن تحمل صورًا وعبارات تحكي قصة حياة محفوظ، منها مقولة له في رواية الحرافيش “عقب منتصف الليل ذهب إلى ساحة التكية لينفرد بنفسه في ضوء النجوم ورحاب الأناشيد، تربع فوق الأرض مستنيمًا إلى الرضى ولطافة الجو، لحظة من لحظات الحياة النادرة التي تسفر فيها عن نور صاف، لا شكوى من عضو أو خاطرة أو زمان أو مكان، كأن الأناشيد الغامضة تفصح عن أسرارها بألف لسان”

وبين هذه اللافاتات مجموعة من القاعات بأبواب زرقاء لكل قاعة اسم بحسب الهدف منها، حيث الطابق الأرضي قاعة صغيرة للندوات، اسمها “قاعة درس”، وقاعات مكتبات عامة تضم مؤلفات محفوظ، والدراسات النقدية عنه، ومكتبة سمعية بصرية إضافة إلى مشاهدة أفلامه وما كتب عنه.

ولكن الرحلة الحقيقة كانت في الطابق العلوي التي تبدأ بغرفتين يحتويان على مجموعة الأوسمة والنياشين والشهادات التي حصل عليها محفوظ طوال مشواره الفني، بخلاف جائزة نوبل التي خصصت لها غرفة مستقلة تحمل اسم “نوبل”، وتحتوي على صور لجميع من حصلوا على جائزة نوبل في الآداب، وبينهم محفوظ ولوحة كتب عليها النص الشهير وكلمة محفوظ خلال حفل تسليم الجائزة ” أنا ابن حضارتين تزوجتا فى عصر من عصور التاريخ زواجًا موفقًا، أولهما عمرها سبعة آلاف سنة وهى الحضارة الفرعونية، وثانيتهما عمرها ألف وأربعمائة سنة وهى الحضارة الإسلامية” 

وبعد القاعتين ستطوف مع مجموعة آخرى من القاعات تحمل كل منها اسمًا وتحكي جزءًا من تاريخ الأديب؛ منها قاعة “أصداء السيرة” التي تحكي نشأته وحياته وعرفنا منها أن نجيب سمي على اسم رائد الطب نجيب باشا محفوظ الذي أنقذ حياة والدته وأن ساعات طقوس الكتابة عند نجيب كانت من الرابعة حتى السابعة وأن ميعاده المفضل في الاستيقاظ كان بعد الفجر والمكان المفضل للمشي هو كورنيش النيل، كما ضمت القاعة بعضًا من متعلقاته الشخصية، مثل أدوات الحلاقة، ونظارته وقلمه، وبدلته الرسمية المعروفة.

ومن قاعة أصداء السيرة لقاعة تجليات التي تضم مكتبه الذي كان سطر عليه بقلمه أهم رواياته وكل كتبه التي قرأها في حياتها والتي كتبت عنه أيضَا، وقاعة “الحارة” التي شاهدنا فيها كيف صور محفوظ الحارة المصرية، وقاعة “أحلام الرحيل” التي تتحدث عن محاولة اغتياله على إيد مجموعة من المتطرفين لمنعه من الكتابة وتضم مجموعة من الأوراق بخط يده في أثناء تدربه على الكتابة في تلك المرحلة بعد إصابته لأن الحادث أثر على أعصاب يده وأصبح لا يقوى على الكتابة سوى بضعة دقائق في اليوم، وهذا كان واضحًا في نماذج الكتابات التي عرضت في القاعة.

وقاعة السينما التي تشاهد فيها مقاطع من أشهر أفلامه على شاشة سينما، كانت مكونة من شاشة عرض حديثة ولكن تخيلت إذا عرضت الأفلام على شاشة عرض سينمائية أو تلفزيون عتيق يعكس أجواء تلك الحقبة الزمنية ويعكس باقي مقتنيات المتحف التي اتسمت بتفردها وندرتها.

ثم انتقلنا إلى قاعة رثاء التي تتحدث عن وفاته، وفي نهاية الجولة وجدنا شرفة تسمى “مقهى الحرافيش” التي تنظم فيها بعض الورش التعليمية في الكتابة وبعض الندوات وسميت بهذا الاسم تيمنًا بمجموعة الحرافيش التي تكونت في نهاية أربعينيات من مجموعة من الأصدقاء، إنضم لهم محفوظ، وكانوا يجتمعون بشكل إسبوعي إما في منزل أحدهم أو في أحد المقاهي للتسامر وتبادل الآراء والأخبار، ولكن تمنيت ولو كان أثاث قاعة “مقهى الحرافيش” يعكس هوية بعض المقاهي التي كان قضى عليها محفوظ معظم حياته.

خلاصة الجولة

بعد أن انتهينا من جولتنا في المتحف اتجهنا من باب داخلي لباقي المجموعة الأثرية الخاصة بأبو الذهب فغير التكية التي تضمنت المتحف فكان هناك سبيل ومسجد والكُتاب، ولكن إذا أردت زيارة المتحف والتكية معًا فكلًا منهم له تذكرته أما عن التصوير فكان محدود في المتحف مسموح فقط للجمهور التقاط بعض الصور دون تصوير فيديو أما باقي المجموعة الآثرية فكانت أقل رقابة.

التجربة من حيث أجواء المنطقة التي يقع فيها المتحف فكانت ثرية بالأصوات والنداءات والبشر والمشاهد التي عبرت عن حارات نجيب في تقاليدها مع بعض الحداثة الضرورية أما تجربة المتحف كانت ثرية بالمعلومات ولكن كان ينقصها بعض الأشياء التي تمنيت ولو كانت مضافة لتجعلنا نغوص أكثر مع محفوظ في عالمه الخاص.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: زغاريد الشعوب: إرث من أقصى الفرح لأقصى الهموم والهمم

تعليقات
Loading...