الضاحك الباكي.. عن المشخصاتي الأسطورة نجيب الريحاني في ذكرى ميلاده
ماكانش لقب “الضاحك الباكي” للكبير نجيب الريحاني من فراغ، وده تقدر تشوفه مثلًا في مشهد الأستاذ حمام في ختام فيلم “غزل البنات” وهو بيبكي علشان بيحب تلميذته “ليلى مراد”، واللي تُعتبر واحدة من أبرز لحظات الضعف والصدق البشرية اللي جسدتها السينما المصرية، مشهد اتحدت فيه دموع الشخصية مع تلقائية فنان أسطورة وعبقري قدر يجسد مشاعر صادقة بنقاومها في حياتنا اليومية.. الضعف اللي ماينفعش يبان لإننا أتربينا على كده في عالم قاسي لا مكان فيه لبكاء الرجال.
دليلك لحب الأفلام القديمة عن طريق الريحاني
لو كنت من محبين السينما، فلازم تعرف إن عظمة وسمعة السينما المصرية بدأت من الأفلام القديمة أو الأبيض والأسود، ودي بالذات تم إنتاجها قبل ما تعرف الألوان طريقها لأفلامنا، واللي واحد من علامتها، واللي هييجي في دماغك على طول، هو نجيب الريجاني؛ ممثل فذ أسس مدرسة خاصة ونهج معين في الكوميديا من غير ما يقع في فخ المبالغة، وأتشهر مش بس في مصر، لكن في البلاد العربية كلها، وهي دي اللي بيتقال عليها القوة الناعمة.
نجيب بتاع المسرح مش السينما
كتير بنسأل نفسنا الناس دي كانت مبدعة كده ازاي وده بييجي من أسباب كتير بتتلخص في الريحاني، اللي كان بيعشق المسرح زيّ غيره من أبناء جيله من الفنانين العظماء، اللي كان المسرح هو شغلهم الشاغل، وهنا لمع النجم نجيب الريحاني؛ الكوميديان المسرحي، مش السينمائي، اللي انطلق للمجد بسبب شغله فيه.
البداية مع الفنان المفلس وخيبة الأمل
طبعًا واحد أتحول لأسطورة زيّ الريحاني حياته ماكانتش زيّ العاديين، لازم تكون حياة صعبة فيها تناقضات وصعود وهبوط.. الريحاني عاش أيام صعبة لا بيت ولا شغل وده كان في السنين اللي سبقت ثورة ١٩١٩، ولعب أدوار بسيطة مع فرق مسرحية كتير كان بينتهي حكايته معاها بالرفد أو إنه يسيبها بعد ما يفقد الأمل.
فضل الريحاني عايش الحياة الصعبة دي لحد ما قابل العظيم ستيفان روستي، واللي كان عارفه من زمان بس لاقاه في حال ميسور وكويس بعد ما أشتغل في ملهى “أبي دي روز”، فطلب يشتغل معاه علشان ينهي معاناته مع حياة الفلس، والبداية كانت بفقرات بيعمل فيها حركات تضحك الجمهور وبعدين أشتغل مع ستيفان في مسرحيات فرنسية كان الجمهور مش بيحبها لدرجة إنه بيلف ضهره ليهم.
ووفقًا لمذكرات الريحاني، ماكانتش دي خيبة الأمل الوحيدة بعد ما بدأ الملهى اللي شغالين فيه يفلس وقرر صاحبه يقفله، وهنا جات للريحاني الفكرة اللي غيرت حياته.
المجد عن طريق كشكش بك
طلب الريحاني من صاحب المكان كام يوم يألف فيها رواية وشخصية ممكن تنجح، وهنا اتغيرت الدنيا بعد ما أتشكلت في خيال الريحاني شكل شخصية “كشكش بك” اللي بتُعتبر تميمة الحظ لنجيب، وجات له الفكرة من كتابات الجبرتي عن شخصية تاريخية عبارة عن عمدة ريفي بييجي من القرية للمدينة وبيصرف فلوسه على البنات الحلوة اللي بيسرقوا كل فلوسه وبيرجع قريته ندمان.
تعالي لي يا بطة
المسرحية الأولى اللي شهدت أسطورة الريحاني وغيرت حياته كانت بعنوان “تعال لي يا بطة”، وحققت نجاح أسطوري والبلد كلها بقت بتتكلم عليها، وفضلت شخصية كشكش بك هي واحدة من أبرز شخصيات المسرح المصري إن لم تكن أبرزهم لحد دلوقتي.
نجيب وبديع خيري
نجيب الريجاني قام بالاشتراك مع صديقه بديع خيري بتأليف مسرحيات مهمة، ومش محتاجين نقول ازاي إن المسرح مش بعيد عن التغيرات السياسية والاجتماعية لأي مجتمع طول الوقت، وفعلًا المسرحيات في الفترة دي حبها الشعب وأقبلوا عليها خصوصًا إنها كانت بتعالج قضايا اجتماعية وسياسية، وأهم المسرحيات دي هي مسرحية “حكم قراقوش” المسرحية اللي شاف البعض إن فيها إسقاط على الملك فؤاد الأول وحاشيته، واللي اتناولت ظلم وديكتاتورية الحاكم اللي مش دريان بأحوال شعبه العايش في الفقر والجوع.
حكايات الريحاني هتحتاج لكتب، بس هو كتب كتير منها في مذكراته سنة 1949، واللي اتنشرت بعد رحيله بعشر سنين، وحكى فيها عن نجاحاته وبداياته وحتى نهايته وعن رحلته وعن أعماله المتنوعة في المسرح والسينما.
مات نجيب.. مات الراجل اللي اشتكى منه طوب الإرض
اتولد الريحاني يوم 21 يناير 1889، وبدأ حياته في حي باب الشعرية، والتحق بمدرسة الفرير الفرنسية في القاهرة اللي شهدت على موهبته التمثيلية بعد ما انضم لفريق التمثيل بالمدرسة. واشتهر بقدرته على إلقاء الشعر باللغتين العربية والفرنسية، بسبب إنه قارئ للأعمال الأدبية والمسرحية باللغة الفرنسية، وكان من أشد المعجبين بالمتنبي وأبو العلاء المعري، وده لفت الانتباه ليه واتبناه أستاذ اللغة العربية، الشيخ بحر، وتم ترشيحه للشغل في المسرحيات المدرسية، ومش كده بس، ده كمان اترأس فريق التمثيل.
وفي 8 يونيو من سنة 1949، مات الأسطورة.. الضاحك الباكي، وكان نعى نفسه قبلها بـ 15 يوم بكلام اتنشر في مذكرات قال فيه:
“مات نجيب، مات الرجل الذي اشتكى منه طوب الأرض وطوب السماء إذا كان للسماء طوب، مات نجيب الذي لا يعجبه عجب ولا الصيام في رجب، مات الرجل الذي لا يعرف إلا الصراحة في زمن النفاق ولم يعرف إلا البحبوحة في زمن البخل والشح، مات الريحاني في ستين ألف سلامة.”
بالكلمات دي رثى الريحاني نفسه في نفس السنة اللي أنتج فيها أخر أفلامه “غزل البنات”، مات بعد إصابته بالتيفويد، مات الريحاني وهو في الستين من عمره اللي عاشه علشان المسرح والفن.. مات جسد الريحاني بس فنه لا يموت.