السخرية في مواجهة الواقع: ازاي المصريين بيواجهوا أي حاجة بالضحك؟
“الشعب المصري دمه خفيف” حقيقة أثبتناها من سنين، و”الضحك من رحم المعاناة” وكل الحقايق والجُمل المشهورة اللي طلعت عننا صحيحة فعلًا، لإن بشكل ما، تحس إن السخرية حاجة من تكويننا وبتجري في دمنا مهما كان اللي بنمر به، ده حتى احنا تقريبًا الشعب الوحيد اللي عنده تريند ميمز وكوميكس كل شهر مثلًا، ناس كتير مستغربة الموضوع ده وبتقف قدامه كتير، احنا كده ازاي فعلًا؟
المصريين عرفوا السخرية من الحضارة القديمة
سخرية الشعب المصري مش حاجة جديدة بقالها سنين، دي من أول التاريخ، وده متوثق في التاريخ بنقوش ورسوم على المعابد والجدران. المؤرخ الكبير هيرودوت عرّف المصريين بإنهم “شعب يحب المرح والدعابة”، وده اللي اشتهر عن المصريين عبر العصور، واللي تم العثور عليه في المقابر بيدل على ده.
على مدار التاريخ، السخرية هي اللي قدر بها الإنسان يتحايل على كل اللي بيواجهه في حياته، وعدد كبير من النقوش والآثار القديمة كانت بتوثق ازاي الفنان بيخرج عن الأبعاد والأطر المألوفة وبيغير في نسب الأشكال والمرسومات، يضخم في رسم مش ضخم على الطبيعة، ويصغر اللي أكبر على الحقيقة، وده اللي كان يعتبر بداية الكاريكاتير.
الكاريكاتير هو فن الإضحاك بالتضخيم، فهو مشتق من كلمة إيطالية معناها “يبالغ”، وهو فن مضحك في ظاهره ولكنه عميق النقد والانتقاد في جوهره، وفي المفهوم العربي الدارج يعني “يعمل من الحبة قبة”، وفي أصل فن الكاريكاتير، بيقول الباحث محمود مندراوي، في بحثه “الكاريكاتير وحكايات توم وجيري منبعهما مصري فرعوني” إن الفراعنة أول من عرفوا فن الكاريكاتير، ونقشوه ورسموه على مقابرهم وعلى أوراق البردي، كانوا بيسخروا مرة من الملك ومرة من الوزير ومن الحكام ومن الحياة الاجتماعية.
“منذ بدء الخليقة والإنسان المصري بشوش الوجه، خفيف الظل، سريع النكتة، حتى لو كانت على نفسه، وهو يبدأ بالضحك على نفسه وعلى الآخرين، وقد احتفظت لنا الآثار المصرية القديمة بأقدم صور الكاريكاتير في العالم كله، التي تعكس خفة ظل المصري القديم، وميله إلى نقد الأوضاع المحيطة به، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وقد استخدم الفنان المصري القديم جدران المقابر وأوراق البردي لتسجيل كثير من المشاهد الكاريكاتيرية الصامتة، ولكنها تعبر أيما تعبير عما كان يريد نقله إلى المشاهد، مثل ذلك الراعي شديد النحافة الذي ترى عظامه أسفل الجلد وهو يقوم برعي بقرات سمان! أو ذلك الحارس الذي صُور نائمًا بجوار باب المخزن الذي يحرسه! أو ذلك القرد الذي يهجم على صبي صغير سرق بعض الفاكهة من بائع في السوق” ده اللي قاله دكتور زاهي حواس، في مقال نشره على “الشرق الأوسط”.
في أزمة كورونا.. أكتر شعب ضحك
في وقت العالم كله فيه كان قلقان، والناس خايفة ومرعوبة ومش عارفين إيه اللي بيحصل، والمستقبل مالوش ملامح والدنيا كلها قافلة، ناس بتموت وناس بتتصاب وناس محبوسين وسابوا شغلهم، مش عارفين نشوف بعض ومش عارفين نتعايش، تخيل في كل الظروف دي المصريين كانوا أكتر شعب بيطلع الضحك من قلب المعاناة، فيديوهات وأغاني وتيك توك وميمز، كنا بنتريق على كل حاجة حتى الوضع المرعب اللي كنا فيه، بس كنا بنهون على نفسنا وعلى بعض بالضحك ده علشان نقدر نعدي اللي بيحصل، وعلشان ماحدش يحس إنه لوحده، كلنا في الهوا سوا.
حتى التوعية بالمرض، كان أحسن شكل لتقديمها هو الميمز..
تيك توك كانت فترة شهرته في مصر في وقت الحظر وكورونا، المصريين قضوا معظم وقتهم في البيت بيعملوا تيك توك وكيكة وبسكوت العشر دقايق معروفة.
ضحك من قلب ميدان الثورة
في وقت كانت البلد حرفيًا ماحدش فاهم هي رايحة على فين، والناس في عز غضبها وثورتها وقاعدين في الشارع علشان يحققوا مطالبهم، كانت بتطلع نكت وأغاني ساخرة، حتى الهتافات والشعارات اللي بتتكتب على اللافتات، أغلبها كان ساخر.
وبعد 25 يناير، كمان في 30 يونيو، الناس عملت كوميكس وميمز حتى قبل ما تبدأ الثورة، السخرية كانت على أسلوب الحكم، ومنهم اللي اعتبر الفترة دي كإنها ماحصلتش وعايزين يمسحوها من التاريخ.
بنخترع الضحك جوا المأساة علشان نهون على نفسنا ونصبر بعض، علشان مؤمنين بفكرة إن كده كده بنعدي بالأزمة، طب ما نعدي منها واحنا بنضحك بدل ما تعدي هي علينا واحنا شايلين هم الدنيا.