التضخم في الدول العربية: كيف يثقل حجم الدين العام كاهل الاقتصاد؟
في الفترة الحالية، يشكل حجم الدين العام تحديًا اقتصاديًا كبيرًا يواجه العديد من الدول العربية، مع تزايد أعبائه بشكل لافت وسط موجات التضخم والتوترات الجيوسياسية والأزمات العالمية.
تفاقمت ديون العديد من الدول العربية مؤخرا نتيجة عوامل اقتصادية أبرزها تراجع الإيرادات العامة، وخاصة من النفط، وزيادة النفقات، والحروب الكثيرة الدائرة بالشرق الأوسط.
أيضا، زادت السياسات المالية غير الفعالة في بعض الدول، وغياب خطط طويلة الأجل، من عجز الموازنات وتراكم الدين العام.
وأدى تأثير الصراعات السياسية بالمنطقة وعدم الاستقرار الأمني في بعض الدول إلى ضعف الاقتصاديات المحلية وتراجع قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية.
وأضاف ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا وسط موجات التضخم عبئًا إضافيًا على الدول العربية التي تعتمد بشكل كبير على الاقتراض من الأسواق الخارجية.
ويشكل الدين العام ضغطًا على اقتصادات دول الشرق الأوسط، حيث يستهلك جزءًا كبيرًا من ميزانياتها لسداد الأقساط والفوائد المتزايدة.
مع تزايد عبء الدين، تصبح الاستثمارات في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والتكنولوجيا محدودة، مما يعيق التنمية المستدامة.
هل يمكن للدول العربية اعتماد إصلاحات اقتصادية صارمة لتخفيف الدين العام؟ أم أن الحل يكمن في إعادة هيكلة الديون؟
في المنطقة العربية، تضخّم الدين العام المستحق من 2010 إلى 2023 بمقدار 880 مليار دولار.
وأصبحت تكلفة الاقتراض في السوق أعلى من 5%، في حين ظلّ النمو الاقتصادي دون 3%.
بحسب ما أفاد تقرير “الإسكوا”، قدرت نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية متوسطة الدخل 15% من الإيرادات العام في 2023، مقارنة بـ7% في 2010.
ماذا عن الدين العام في بعض الدول العربية؟
مصر
شهدت مصر زيادة كبيرة في حجم الدين العام خلال السنوات الأخيرة، مما أثر على الوضع المالي بشكل ملحوظ.
بلغ الدين العام الخارجي في مصر حوالي 152.9 مليار دولار، في حين وصل الدين المحلي إلى 8.7 تريليون جنيه مصري، بنهاية يونيو الماضي.
وتعود هذه الزيادة إلى التوسع في الاقتراض بهدف تمويل مشاريع ضخمة، ما رفع مستويات الدين العام بشكل غير مسبوق.
لبنان
يعتبر لبنان من أعلى الدول العربية في نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، حيث تجاوزت النسبة 201.2%.
وفقًا لبيانات البنك الدولي لعام 2023، بلغ الدين العام اللبناني نحو 285% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس الأزمة المالية الحادة.
يعكس هذا الوضع المتدهور الاقتصاد اللبناني، الذي يعاني من تراجع احتياطي العملة الأجنبية والفساد المستشري في مختلف القطاعات.
السعودية
رغم الثروات النفطية الكبيرة التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية، شهد الدين العام زيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة.
تسبب تراجع أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا في هذه الزيادة، مما أثر على الاقتصاد السعودي بشكل كبير.
وصل الدين العام في السعودية إلى 1.157 تريليون ريال، بزيادة قدرها 107 مليارات ريال عن نهاية العام الماضي.
تونس
وتتوقع الحكومة التونسية أن يصل الدين العام المتراكم في 2024 إلى نحو 140 مليار دينار (45.17 مليار دولار).
أي ما يعادل حوالي 79.8% من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة من 127 مليار دينار في السنوات السابقة.
تفاقمت خدمة الدين العمومي من 14.8 مليار دينار سنة 2021 إلى 25 مليار دينار في 2024 نتيجة السياسات التي اعتمدتها الحكومات خلال العشرية السابقة.
وتستهدف تونس خفض المديونية العامة إلى 76.4% بحلول العام 2027.
وستواصل مديونية تونس منحاها التنازلي من نسبة 23.82% من إجمالي الناتج المحلي سنة 2024 إلى نسبة 80.46% سنة 2025 ونسبة 76.39% سنة 2027
المغرب
بحسب آخر الإحصائيات، بلغ حجم الدين الداخلي بالمغرب 763.1 مليار درهم، وقدر حجم الديون الخارجية بـ253.6 مليار درهم.
السودان
بلغ التضخم السنوي 211.48 بالمئة في أكتوبر مقابل 215.52 بالمئة في سبتمبر و218.18 بالمئة في أغسطس.
ما أسباب تضخم حجم الدين العام في الدول العربية؟
هناك عدة أسباب أساسية ساهمت في تضخم الدين العام في الدول العربية، وأبرزها:
أولا: الاعتماد على الاقتراض لتمويل العجز
تواجه العديد من الدول العربية ضغوطًا مالية متزايدة تدفعها للاعتماد على الاقتراض لسد العجز المالي وتحقيق استقرار اقتصادي مؤقت.
مصادر الاقتراض:
1- المؤسسات الدولية:
- صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يعتبران من أبرز الجهات التي تقدم قروضًا بشروط مالية محددة.
- تتضمن هذه القروض برامج إصلاح اقتصادي تشمل تقليص الدعم وزيادة الضرائب.
2- الأسواق المالية المحلية والدولية:
- إصدار سندات حكومية للاقتراض من الأسواق الدولية، مثل السندات الدولارية.
- الاقتراض المحلي من البنوك والمؤسسات المالية الوطنية.
تأثيرات السياسات القائمة على الاقتراض:
- زيادة الأعباء على الموازنات بسبب ارتفاع الفوائد.
- مخاطر انخفاض التصنيف الائتماني، مما يرفع كلفة الاقتراض المستقبلي.
- تضييق فرص الإنفاق على التنمية بسبب تخصيص نسب كبيرة لخدمة الدين العام.
ثانيا: الارتفاع الحاد في أسعار النفط
خلال فترات ارتفاع الأسعار، شهدت الدول النفطية مثل السعودية والكويت والإمارات طفرة كبيرة في الإيرادات النفطية، مما ساعد الحكومات على تمويل مشاريع البنية التحتية، مثل: الطرق والموانئ والمدن الذكية.
هذه الطفرة ساعدت في تنفيذ خطط طموحة لتحسين القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.
لكن مع تراجع أسعار النفط بشكل حاد في السنوات الأخيرة، انخفضت الإيرادات النفطية بشكل ملحوظ، مما أثر على قدرة هذه الدول في الحفاظ على نفس مستويات الإنفاق.
هذا التراجع دفع العديد من الحكومات إلى تعديل استراتيجياتها المالية.
نتيجة لذلك، لجأت العديد من هذه الدول إلى الاقتراض من الأسواق المحلية والدولية لسد العجز المالي وضمان استقرار الاقتصاد.
ثالثا: الأزمات السياسية والنزاعات المسلحة
ساهمت الأزمات السياسية والنزاعات المسلحة في دول مثل سوريا وليبيا واليمن في زيادة الدين العام بشكل ملحوظ.
وأسهمت النفقات العسكرية وعمليات إعادة الإعمار في رفع العبء المالي على حكومات هذه الدول، مما أدى لتفاقم الأزمة.
وأدت الحروب والنزاعات إلى تضخم العجز المالي بشكل كبير، مما زاد من حاجة الدول للاقتراض وزيادة الدين العام.
ما الآثار الاقتصادية لتضخم الدين العام؟
إن زيادة الدين العام في الدول العربية تترتب عليها آثار اقتصادية سلبية عديدة، من أبرزها:
زيادة الأعباء المالية
تتزايد تكاليف خدمة الدين، من فوائد وأقساط، مع زيادة حجم الدين، مما يؤدي إلى ضغط كبير على الموازنات العامة.
هذا الضغط يقلل من قدرة الحكومات على تخصيص الأموال لتمويل المشاريع التنموية والخدمات العامة الأساسية.
ويجبر الحكومات على تخصيص نسبة أكبر من الموازنة لتسديد الديون بدلاً من تعزيز الاقتصاد الوطني أو تحسين مستوى المعيشة.
تراجع الاستثمارات
قد يؤثر ارتفاع الدين العام بشكل كبير على قدرة الدولة على جذب الاستثمارات الخارجية.
غالبا ما يشكك المستثمرون في قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية، مما يقلل من الثقة في الاقتصاد.
هذا يؤدي إلى تراجع الاستثمارات في القطاعات الحيوية، ويزيد من صعوبة تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
تقليص الإنفاق الاجتماعي
مع تزايد أعباء حجم الدين العام، قد تضطر الحكومات إلى تقليص الإنفاق على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة.
هذا التقليص يؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة ويضعف قدرة المواطنين على الوصول إلى الخدمات الأساسية الضرورية.
نتيجة لذلك، قد تتفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية، مما يؤثر على رفاهية الأفراد والمجتمعات.
ما الحلول؟
طرح الإسكوا عدة استراتيجيات لمعالجة تضخم الدين العام في المنقطة العربية.
- تحسين حافظات الديون من خلال الإدارة الحصيفة لها.
- تعزيز القدرة المؤسسية على إدارة الديون.
- تحسين السيولة والتمويل الميسر من خلال إصلاح النظام المالي الدولي.
- تشجيع أدوات التمويل المبتكرة من أجل التنمية المستدامة.
- تحسين الكفاءة في تعبئة الموارد المحلية لتحقيق أقصى قدر من الإيرادات.
- تحسين كفاءة الإنفاق العام لزيادة فاعلية الإنفاق.
- معالجة نقاط الضعف المتعلقة بالديون في البلدان العربية المتأثرة بالصراعات والبلدان منخفضة الدخل.
آخر كلمة ماتفوتوش قراءة: سعر الفائدة في مصر: رحلة من التحديات إلى التوازن بين 2014 و2024