البابا فرنسيس في عيون الشرق الأوسط: كيف صنع إرثا إنسانيا في العالم العربي؟
قد لا يكون نبأ وفاة البابا فرنسيس مجرد خبر ديني لمليار كاثوليكي حول العالم، بل لحظة صمت عالمي، ومشاعر وداع لرجل تخطّى منصبه ليصبح رمزًا للسلام الإنساني خلال 12 عاما.
في منطقة شهدت العديد من الانقسامات خلال الآونة الأخيرة، جاء البابا فرنسيس كصوت هادئ وشجاع، يمدّ يده للآخر، ويزرع في قلب الصحراء بذور الأخوّة والمحبة.
في مارس 2013، أصبح الأرجنتيني أول بابا يأتي من الأمريكتين، وأول يسوعي يتولى قيادة الكنيسة الكاثوليكية. لكنه سيُذكر في الشرق الأوسط بشكل خاص كأول بابا يزور شبه الجزيرة العربية، وأول بابا يزور العراق.
كيف رسم هذا القائد الروحي ملامح إرث إنساني في العالم العربي؟ وما الذي جعله محبوبًا في قلوب شعوب الشرق الأوسط باختلاف أديانهم وثقافاتهم؟
لا تفوت قراءة: تفتيت غزة بالممرات.. ماذا يعني إنشاء “ميراج”؟
البابا فرنسيس: صوت السلام في غزة

وصف البابا فرنسيس الوضع في غزة بـ”المأساوي والمؤسف” خلال عظته في عيد الفصح، قبل وفاته بيوم، ودعا أيضا حركةَ حماس إلى إطلاق سراح الرهائن.
كان البابا فرنسيس مدافعًا ثابتًا عن حقوق الفلسطينيين، داعيًا لوقف إطلاق النار وإنهاء معاناتهم.
وعلى مدار 18 شهرًا، كان من بين أبرز المناهضين للحرب، مما جعله شخصية محبوبة في أنحاء العالم العربي.
وقبل مكوثِه في المستشفى خمسةَ أسابيعَ للعلاج، وجّه البابا فرنسيس انتقاداتٍ للعملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.
أما في يناير الماضي، فوصف الوضعَ الإنساني في القطاع بـ”الخطير والمخزي”.
وفي سبتمبر 2024، وصف البابا فرنسيس القصف في غزة بـ”غير أخلاقي وغير متناسب”، مؤكدًا ضرورة وقف هذه العمليات.
وفي نوفمبر من نفس العام، دعا إلى تحقيق دولي لتقصي ما إذا كانت الهجمات الإسرائيلية على غزة تشكّل إبادة جماعية.
وعبر عن تعاطفه العميق مع سكان غزة، وواصل اتصالاته اليومية مع رجال الدين هناك، مثل القس غابرييل رومانيلي.
حتى في مشهد الميلاد بالفاتيكان، ظهر الطفل يسوع ملفوفًا بالكوفية الفلسطينية، كرسالة قوية للعالم عن تضامنه مع الفلسطينيين.
كانت دعواته المستمرة للسلام وحماية حقوق الأضعف هي التي أكسبته حبًا عالميًا في سنوات حبريته.

لا تفوّت قراءة: إعدام كلب هاسكي في المحلة: الفنانون ينتصرون للرحمة ويهاجمون الطبيب البيطري
البابا فرنسيس في العراق: رسالة أمل وتعافي بين أنقاض الموصل
في مارس 2021، قام البابا فرنسيس بزيارة تاريخية للعراق، استمرت ثلاثة أيام، حيث صلى وسط أنقاض كنائس الموصل المدمرة.
وأكد الكاردينال لويس رافائيل ساكو، بطريرك بابل للكلدان، أن هذه الزيارة عززت احترام المسيحيين في العراق بشكل ملحوظ.
كما أعلنت الحكومة العراقية 6 مارس يومًا وطنيًا للتسامح والتعايش بعد لقائه البارز مع آية الله السيستاني في النجف.
وفي تصريح له، قال البابا: “كم هو قاسٍ أن تُبتلى هذه البلاد بضربة همجية كهذه، ولكن الأخوة أقوى من القتل”.
زيارته التاريخية للعراق كانت علامة فارقة في مسيرة التعافي من آثار داعش. في بغداد، استقبل البابا بتصفيق حار، بينما ذكر العالم بمكان ولادة النبي إبراهيم في أور، وأعاد تسليط الضوء على الموصل، المدينة المنكوبة.
من العراق، وجه البابا رسالة أمل: “الطريق إلى التعافي طويل، لكن الشجاعة والتسامح هي ما نحتاجه.” هذه الكلمات تظل صدى مهمًا في عالمنا، ولا سيما في الشرق الأوسط.
لا تفوّت قراءة: في العام الثالث من الحرب في السودان.. كم بلغت الخسائر البشرية؟
البابا فرنسيس: أول بابا كاثوليكي في شبه الجزيرة العربية وراعي الأخوة الإنسانية

في فبراير 2019، دخل البابا فرنسيس التاريخ كأول بابا كاثوليكي يزور شبه الجزيرة العربية، حيث زار دولة الإمارات لمدة 3 أيام.
وتجمّع أكثر من 150 ألف كاثوليكي في الإمارات لحضور أول قداس يقام في منطقة الخليج العربي تحت رئاسته في استاد مدينة زايد الرياضية في أبوظبي.
وفي خطوة غير مسبوقة، وقع البابا فرنسيس وثيقة الأخوة الإنسانية مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في صرح زايد المؤسس في العاصمة، تعزيزًا للتعاون بين الأديان.

البابا فرنسيس في الأراضي المقدسة: دعوات للسلام وحل الدولتين
قبل خمس سنوات من زيارته للإمارات، زار البابا فرنسيس الأراضي المقدسة، حيث دعا إلى حل الدولتين.
كما اقترح أن يحضر قادة الجانبين إلى الفاتيكان لإجراء محادثات سلام.
مشاعر البابا تجاه الخسائر في غزة كانت واضحة، حيث وصف الوضع بقوله: “هذه وحشية، وليست حربًا”، في تصريح لكرادلة الفاتيكان في ديسمبر.
البابا فرنسيس في البحرين: دعم الحوار والسلام في الشرق الأوسط
في نوفمبر 2022، عاد البابا فرنسيس إلى الخليج في زيارة هامة إلى البحرين، حيث أكّد دعم الفاتيكان لثقافة الاحترام والحوار.
كما استغل البابا نفوذ الفاتيكان الكبير لدعم جهود حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، أحد أكثر الصراعات تعقيدًا في المنطقة.
هذه الزيارة كانت بمثابة تأكيد جديد على التزام البابا بالسلام والتسامح بين مختلف المجتمعات في الشرق الأوسط، وتعزيز ثقافة التعايش بين الأديان.
لبنان… “كنز لا يمكن التخلي عنه”
لم تغب بيروت عن قلب البابا فرنسيس. بعد انفجار مرفأ بيروت في 2020، عبّر عن تضامنه العميق مع اللبنانيين، واصفًا لبنان بـ”الرسالة” في العيش المشترك.
ودعا البابا العالم إلى عدم التخلي عن لبنان، مصلّيًا من أجل “نهضة لبنان من الرماد”. كان يخطط لزيارة بيروت، ولكن حالت ظروفه الصحية دون ذلك.