استغلال الأطفال في صناعة المحتوى: كيف تحول الأمر لجريمة حقوقية وأخلاقية؟

اعتادت الأهالي والعائلات أن تجمع تفاصيل حياة أطفالها في ألبومات صور في صناديق قديمة، وثقوا أعياد الميلاد وحفلات وأول يوم مدرسة وأول يوم لتعلمهم المشي والكلام وضحكاتهم ولحظاتهم السعيدة، ولكن تحول كل هذا وانتقل على منصات التواصل الاجتماعي وتدفقت تلك الصور والذكريات ومعها تدفقت أشياء أخرى من انعدام الخصوصية، فكيف حدث هذا؟

قد تكون فكرة مشاركة الحياة الخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي أمرًا طبيعيًا يندرج ضمن حريات الأفراد وحقهم، ولكن ماذا عن الأطفال الذين لا قدرة لهم على الموافقة أو الرفض؟ وإذا دخل الأمر في انتهاك الخصوصية لكسب عوائد مالية هل سيطرح مشكلة حقوقية وأخلاقية وقانونية؟

ماذا يحدث على مواقع التواصل للأطفال؟

في البداية ماذا يحدث للأطفال على مواقع التواصل؟ أباء أو أمهات يصورون أبناءهم وهم يرقصون بشكل عفوي، أو وهم يقلدون مشاهير بحركاتهم الطفولية، أو يرصدون ردود فعل أطفالهم بعد إخافتهم بالكلاب، أو لبس الأقنعة المخيفة، أو وهم يمارسون التنمر عليهم، أو تصوير وجوههم والخوف الذي يتملكهم بعد ارتكاب أخطاء داخل المنزل واكتشاف الآباء أو الأمهات له، أو استغلال صورهم في نداءات لمتابعة المحتوى والصفحة و”التكبيس” “كبسوا .. كبسوا” للحصول على عائدات مالية على حساب صورة الطفل.

أو كما حدث في واقعة بالتحديد أب يستغل طفلته ويصورها داخل أحد المقابر وهي تبكي على قبر ادعى أنه لوالدتها المتوفية من أجل المشاهدات.

أو الطفلة فريدة الطفلة التي قالت عنها أمها أنها “معجزة” وأدعت حصولها على جوائز محلية ودولية رشحتها لتكون ثانى أذكى طفلة على مستوى العالم وجعلتها تصبح معجزة وعبقرية “بالعافية” وتدفع بها عبر الشاشات لتقدم الوهم وتستغلها في الظهور في لقاءات حتى تحول الأمر لسخرية على الطفلة وعلى جملتها الشهيرة “بعمل حاجات منتل كده بدماغي”… فهذه القصص وغيرها من مئات القصص حولت الأمر إلى التعامل مع الأطفال كسلعة، وعندما يتحول الأمر إلى سلعة يصبح هناك شق قانوني وربما جريمة.

@melaad.kamel

مقلب في محمد . ياسين هيخطب بسنت 😂 #melaad_kamel @ميلاد كامل 🔄

♬ الصوت الأصلي – ميلاد كامل 🔄

كيف تحول الأمر لجريمة؟

عن: العربية

قانونيًا يرى المحامى محمود البدوى رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وخبير حقوق وتشريعات الطفل إنه في حالة استغلال الطفل استغلالاً صريحًا، وتحول الأمر لشكل سلب لحرياته فالقانون يجرم هذا الفعل ويضاعف عقوبة الاستغلال عندما يحدث من طرف أولياء الأمور أو أى شخص لديه سلطة على الطفل، وحتى بالاتفاقات الدولية منها على سبيل المثال الاتفاقية الدولية لحماية الطفل.

فالأهالى الذين يستغلون أطفالهم بمثل هذه الطريقة يقعوا تحت طائلة قانون مكافحة الاتجار بالبشر 64 لسنة 2010 الذى يحمى الأطفال من كل ما هو فيه شبهة استغلال حتى لو كان استغلال في عمل فني، ويحمى هذا القانون الأطفال حتى من ذويهم، حيث تنص المادة الثانية من هذا القانون على أنه تشدد العقوبة إذا كان الجانى ممن له الولاية أو الوصاية على الطفل أو كان مسؤولاً عن ملاحظته أو تربيته أو ممن له سلطة عليه.

ولكن مع وجود قوانين لحماية الطفل في مصر أو في الدول العربية، نفتقر لآليات تتفيذ القانون على أرض الواقع لأنه يصطدم ببعض الموروثات الاجتماعية والدينية الخاطئة الراسخة لدينا.

قبل الأوان تسلب براءة الأطفال

لا شك أن استغلال الأطفال يمثل خطرًا كبيرًا على صحتهم وسلامتهم النفسية والسلوكية وضغوطًا نفسية، فالدراسات أثبتت أن 40% من مشاهير الانترنت دون سن 16 عامًا يتعرضون لانتقادات لاذعة وإساءات مستمرة من قبل المتابعين،فإذا اقتادو من قبل الأهل إلى أن يصبحوا مشاهير وصناع محتوى يشعرون بضغط كبير لإنتاج محتوى جديد وجذاب بشكل مستمر، ما يمنعهم عن تفرغهم لدراساتهم وحياتهم العادية.

كما أثبتت الدراسات أن استغلال الأطفال يجعلهم يخسرون روح الطفولة والبراءة، ويصبحون أكثر تعرضًا للإغراءات والانحرافات التي قد تقودهم، وليس الأمر متوقف على هذا الحد بل تغيرات في السلوكيات غير متوقعة منها، وهو ما أكد عليها الاختصاصي الاجتماعي الإماراتي يعقوب الحمادي، أن تواجد الطفل بشكل مبالغ فيه واستغلاله يعلمه التصنع في سلوكه وتعامله مع الآخرين، ويفقده تلقائية الأطفال في التصرف والحركة والكلام، وأحيانًا يتحول الأمر للأسلوب الفج مثلما حدث مع الطفلة بسنت في إحدى حلقات برنامج ريهام سعيد، فحتى براءة الأطفال تسلب منهم.

وأوضح عادل الحساني، الخبير في علم النفس الاجتماعي “أن الأطفال تحت سن الـ15 على الأقل ما زالوا في طور محاولة التمييز بين الواقعي والمتخيل، ومواجهتهم للجمهور تعرضهم لتثبيت وعيهم في مواقف قد تكون غالبًا سببًا في نشأة خلل في فهمهم للمجتمع والمؤسسات، خصوصًا إذا تعرضوا لتفاعل سلبي موحد أو حتى إيجابي”.

الخلاصة

الطفل يمر بمراحل عديدة، ولكل مرحلة من مراحل نموه صفة تصقل شخصيته، وبإقحام الأهالي للأبنائهم على مواقع التواصل فهم بهذا يسلب منهم حق أساسي في إعطاء مساحة لأطفالهم ليعيشوا مراحلهم العمرية بتلقائية، وبالطريقة التي يرغبون فيها، وفوق سلب الحريات التسبب في أضرار نفسية، فكيف يمكن لطفل مهما بلغت كفاءاته أن يأمن الجروح النفسية أمام انتقادات من جمهور؟ أو يكون قادر على تهدئة الإحساس المبالغ بالعظمة أمام المديح؟ فهذا الإيقاع غير عادي، سبق وأن وقع فيه مئات من البالغين ووقعوا في فخ بين السلب والإيجاب ومنهم من قادهم الموضوع للانتحار، فكيف تتعامل الأطفال إذا وقعوا في هذا الفخ؟ كيف إذا اعتادو على الظهور وتحول الأمر إلى بـ”حبة السكر” التي نعطيها للحصان عندما يقوم بحركة جيدة لدى ترويضه وتحول الأمر إلى إدمان ليصبح الكل ومعهم الأطفال يريد حضورًا رقميًا؟

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة:هيثم شعبان: باحث مصري ابتكر طريقة لمشاهدة التفاعل على مستوى الجينوم

تعليقات
Loading...