الفيديوهات القصيرة: دقائق من التسلية أم دوامة مغلقة من تضييع الوقت؟

عادة يومية وصلت لحد الإدمان عند البعض، تقرر مشاهدة مقطع واحد، وتقول في نفسك “هقفل الأبلكيشن كله بعد الفيديو ده على طول” حتى تجد نفسك أمام مئات منها، واحدًا تلو آخر، دون أن تنتبه إلى المدة التي قضتها في المشاهدة، ويصل الأمر إلى ساعات تقضى فقط في تقليب هذه المقاطع دون انقطاع، إنه شبح “الريلز” فهل تظنها تمر مرور الكرام؟

الريلز ودوامة “الخلاصة”

تقول إحدى الكاتبات” الريلز ضاعف كسلنا يومًا بعد يوم، ابنتي تسألني: لماذا أضطر لتمرير إصبعي على الشاشة للانتقال إلى الأسفل، الأمر مرهق يا أمي، أتمنى لو كان بإمكاني الانتقال من فيديو إلى آخر عن طريق حركة العين”.

وهذا ما قادنا إلى دخول الشبح إلى عقل المشاهد ونتج عنه دوامة من الخمول والكسل، برمجته على الاستمتاع فقط بالأشياء التي لا تتطلب منه وقتًا طويلا؛ فإذا طلب منه قراءة كتاب، يصاب عندئذ بفقدان الشغف والحماس لإنهائه، لأن الأمر يقتضي منه التركيز لمدة طويلة أو بمعنى أصح أصبح يبحث عن “الخلاصة” الذي اتخذ الريلز شكل من أشكاله وأصبحنا نشبه “القردة”، القردة؟ نعم القردة.

عقل القرد

ذكرنا هذا الأمر بخاصية من خواص العقل البشري تدعى “ظاهرة عقل القرد” The monkey mind phenomenon، فمصطلح “عقل القرد” مجرد تشبيه لحالة إدمان التشتت التي أصبح معظمنا في الوقت الحاضر مصاب بها، كأن تنقلنا بين مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال، يشبه تنقل القرد من شجرة إلى أخرى، بحثًا عن المتعة المحصورة عنده في الموز، في حين نجد متعة الإنسان متمثلة أساسًا في قتل وقت الفراغ، فالأمر كله محتوى سريع وسطحي بأقل مجهود عقلي ممكن سوى تمرير إصبع على الشاشة.

المكافأة الفورية

هذا أيضَا مرتبط “الإشباع الفوري” نتخلى عن فعل ذي فائدة لكن بعيدة المدى، والتركيز على فعل يقدم مكافأة فورية للنفس لتتلاشى بعد ذلك، ليقودنا في النهاية للعقل غير السعيد.

جرعات رخيصة من السعادة تقول للعقل غير السعيد

يقول الطب النفسي أن مشاهدة الريلز وغيرها من الفيديوهات السريعة تجعل عقل الإنسان شاردًا فيما يعرف طبيًا طبياً بـ”العقل غير السعيد”، فالتفكير الموجه إلى شيء واحد لفترة طويلة يجد الواحد نفسه في تنقل سريع وعشوائي، بين الأفكار الكثيرة ووسائل المعرفة المختلفة؛ الشيء الذي يفضي بنا إلى حالة من القلق والخوف والضياع، بدافع المتعة والاستمتاع.

وطبقًا للدراسات فإن هذا الشرود ربما هو ما سمح للبشر بالتعلم من الماضي والتخطيط لمستقبلهم ويمنحهم القدرة على الخيال؛ لكنه يأتي بكلفة عاطفية عالية من الشعور بالتعاسة. فالعقل الشارد أو المتجول كما أشارت الدراسة هو عقل غير سعيد ولسوء الحظ فإن هذه الجرعات الرخيصة من الدوبامين التي نأخذها من الريلز لا تأتي بدون ثمن فقط تقودنا للشرود.

هل نلجأ للصيام الإلكتروني؟

الثقب الذي يبلع اهتمامنا نستطيع أن نتلاشاه؟ ربما من المستحيلات كأنك تأمر شخص بالامنتاع عن استخدام السوشيال ميديا جميعها، ولكن ربما نرغب في تصليح ما أفسده مثل قلة التركيز والتشتت، فربما التمارين الرياضية المنتظمة والمشي لمدة 30 دقيقة أسبوعيًا، والتأمل، وتدريب عقلك على التركيز وإعادة توجيه أفكارك، ربما أن تؤدي هذه الممارسات إلى تحسين قدرتك على التركيز والانتباه.

ولكن الأكيد إننا لسنا في زمن أغاني أم كلثوم التي تتجاوز الساعة ولا حتى في زمن أغاني التسعينات التي تتجاوز مدتها دقائق، فنحن في زمن الخلاصة.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: داليا العقاد: صحفية علمية تقدم بودكاست “رحلة” للتوعية بسرطان الثدي

تعليقات
Loading...