الترويدة الفلسطينية: أغاني مشفرة تحدت سجون الاحتلال

بسبب أغنية “شدوا بعضكم يا أهل فلسطين” لصاحبتها الحاجة حليمة، المقيمة في أحد مخيمات اللاجئين في الأردن منذ النكبة، وبعد معرفة أن تلك الأغنية التي أسرت قلوب كل من سمعها تنتمي لنوع من الفلكلور الفلسطيني الذي يسمى ترويدة. فماذا عن الترويدة؟

أغاني كتبت من أجل المعتقلين

أنواع الفنون المختلفة انبثقت من خلف جدران السجن، مئات الأغنيات والقصائد والمسرحيات التي كتبت داخل السجن، حتى أن هناك نوعًا خاصًا من الأدب يسمى “أدب السجون” مختص بتصوير الحياة خلف القضبان، منها من يروي قصة مسجون مظلوم ومنها كتبت من أجله لتوصيل رسالة معينة له ولتلك هي الترويدة الفلسطينية أو الملولة.


الملولة أو الترويدة هو نوع من الفلكلور الفلسطيني كلماته بنيت على أساس أن تبدو كشفرة غير مفهومة، لكن في حقيقة الأمر أن تلك الكلمات غير المفهومة هي لغة تم اختراعها حتى لا يستطيع المستعمر البريطاني -الذي يفهم بعضًا من اللغة العربية- أن يفهمها، خاصة بعد ثورة فلسطين الكبرى 1936 بعدما تعمد الانتداب البريطاني قطع كل أساليب التواصل بين الثوار وبين القرى ومحيطها، بخاصة وإن كان الأمر تعلق بتمرير رسائل خاصة بين المعتقلين وأهلهم، فاستمر التعامل بتلك الشفرة حتى بعد النكبة.

النساء حارسات التراث الشفهي الفلسطيني

في مثل هذه الأجواء كان من الطبيعى أن تكون الترويدة غناء نسائيًا بامتياز، كانت المرأة الفلسطينية تعمل على تأليف الكلام الذي تريد من خلاله إيصال رسالتها، وبعد ذلك تعمل على إعادة صياغته وإضافة التشفير اللازم حتى لا يفهمه الحراس.

وكان كل ذلك يتم مع الحفاظ على وزن اللحن وإيقاعه، حتى تحافظ على شكل الترويدة الفنية، فكان هذه الفترة بداية النضال النسائي الفلسطيني.

فمثلًا الترويدة شمالي هي رسالة مشفرة من أمهات الأسرى، تقوم على أساس قلب الحرف الأخير من كل كلمة وإضافة حرف اللام في نهايتها، وتلك الترويدة كان يغنيها أهالي الأسرى لتبشير المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال البريطاني باقتراب خلاصهم.

فكانت ترويدة مثل “ليليلبعث معليلريح الشمالي لالي يا رويللووو” معناها (وأنا الليلة لبعث مع الريح الشمالي) و”ياصليلار ويدورليللي على لحبيليلابا يا رويللووو” ومعناها (يوصل ويدور على الأحباب يابا).

تسرد تلك الأغنية واقعة تحرير البعض من الأسر في منتصف الثلاثينيات، وتعتمد على أسلوب الكتابة السابق نفسه وبإضافة حرف اللام للتمويه.

وترويدة مثل “يا حلولوبنا (يا حبنا)، يا طيرليلى خذ مكتلوبنا (يا طيرى خذ مكتوبنا)، حطلى غربال، شيللى غربال”، أو ترويدة “يا طالع الجبل” التى أخبرن بواسطتها “السجين” أو “الغزال” فى الأغنية أن الفدائيين آتون ليلًا لتحريره وأن إشارة بدء العملية هى رؤية النار مشتعلة.

أصل الكلمة

أصل كلمة الترويدة من (روّد) (يروّد) أي ردد لحنًا وكرره مرات متتالية، فهو نوع يعتمد بالفعل على تكرار لحن بالرغم من تغيير الكلمات أو الموضوع، فتبدأ وتنتهي الأغنية بالجملة الموسيقية ذاتها، وقيل أيضًا إن الترويدة جاءت من الورد (يا واردات على النبع)، بمعنى القدوم إلى النبع والبدء بتعبئة واستخدام الماء، إذ كانت النساء الفلسطينيات يغنين الأهازيج وهن على نبع الماء، متحديات بعضهن البعض بتكرار الألحان مثلما يحدث فى معظم غنائهن التقليدى.

لا يزال بعض أهالى المخيمات يستخدمون تلك اللغة المشفرة، كما سعت بعض الفنانات الفلسطينيات مثل الراحلة ريم البنا ورلا عازر وميس عبدالهادى إلى الحفاظ على هذا التراث الشفهى وإحيائه، فمنهم من يعمل على جمع وتدوين الترويدات القديمة من الأرشيف، وغنائها.

شرح الروائي الفلسطيني الراحل، غسان كنفاني، في كتابه الصادر سنة 1966، بعنوان “أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948-1966″، كيف تم الحفاظ على التراث الشعبي الفلسطيني من خلال الثقافة الشفوية، وعلى وجه التحديد الشعر والأدب، حيث احتل الغناء الجماعي بصفة عامة مكانة مرموقة في الفن الشعبي الفلسطيني، وكانت الترويدة أحد أشكاله حتى صار جزء أساسي من المقاومة الفلسطينية.. “بالحبر الصيني لأكتب ع الورق، بالحبر الصيني، على اللي جرالك يا فلسطيني”.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: مؤتمر صحفي بالعربية والإنجليزية.. أطفال غزة تخاطب العالم

تعليقات
Loading...