زواج المساكنة: بين رفض مجتمعي وأسباب بحاجة للبحث ورائها

المساكنة أو العيش المشترك، نظام يعيش فيه شخصين بدون زواج، نوع من أنواع الشراكة المنزلية لتجنب القوانين الملزمة في حالة الزواج، جدل يتجدد في مصر كل فترة ويظهر على الساحة، ومؤخرًا كان محل اهتمام اعلامي وجماهيري واضح خاصًة بعد ظهور بعض تصريحات الفنانين والمشاهير والإعلاميين ورجال الدين المعروفين، ومنهم من كان يؤيده ولا يرى فيه أي أزمة، ومنهم من يرفضه جملة وتفصيلًا ويعتبرها زنا وشذوذ فكري مخالف للتقاليد والأعراف.

ولفحص الموضوع بشكل أعمق من مجرد إصدار الآراء، قررنا أن نتناوله من اتجاهات مختلفة.

كيف وصلت لنا تلك الأفكار؟

لو نظرنا تاريخيًا، لم نستطع رصد بداية دقيقة لهذا المفهوم في منطقة بالتحديد لإنه ظهر في أماكن مختلفة وفي أوقات مختلفة بمفاهيم مختلفة في دول الغرب ولكن ما توصلنا إليه، هو إن بدايته كانت مرتبطة بالعديد من التغيرات الاجتماعية.

وفي كتاب Cohabitation (المساكنة) بقلم جين لويس لعام2017 يقول “إنها بدأت في بريطانيا كحركة اجتماعية مقبولة وبديلة عن الزواج التقليدي، ومن ثم انتشرت على نطاق واسع في أوروبا وأمريكا في القرن العشرين، وبعض الدول والتي كانت متسامحة بشكل كبير مع العلاقات العاطفية قبل الزواج، حيث تستطيع الفتاة التعبير بحرية عن رغبتها الجنسية وحميميتها”.

أما عند العرب فكان الموضوع حديثًا وتم مواجهته بعدم اعتراف، ووفقًا للأستاذ رشاد عبد اللطيف أستاذ تنظيم المجتمع في جامعة حلوان، إنها بدأت تظهر في مصر في حدود عام 2008 عندما بدأت تتناولها بعض الأعمال ويذكرها بعض المشاهير وبهذا يتضح لنا أن المصدر الفكرة ليس عربي.

قانونية الإجراء

من الناحية القانونية، يقول المحامي ياسر سعد في حديثنا معه إنه لا يوجد أي مانع قانوني يمنع الرجل أو المرأة من العيش في سكن واحد، بغض النظر إذا كان هناك زواج أم لا، ولا يوجد أي نص قانوني يجرمه، ولا يوجد أي قانون يعاقبهم تحت بند الحفاظ على قيم الأسرة المصرية، لإن التوصيف القانوني المتعلق بالقيم والمباديء غير محدد لشكل للجريمة، لإن القانون دائمًا ما يتحدث عن الأفعال العلانية، والتي ليس منها المساكنة أو حتى العلاقة الجنسية لإنها غالبًا بين أطرافها.

بعد معرفة الأصل التاريخي ومدى قانونية الإجراء سنبدأ في طرح الأسئلة … والتفكير في الأسباب التي من الممكن أن تدفع للخطوة. وبالتأكيد لا نستطيع حصر كل الأسباب، ولكن سنذكر أسباب بعينها ونناقشها على استحياء، من الممكن أن يكون لها العامل الأكبر.

هل الموضوع مجرد تقليد أعمى للغرب؟

معروف أن بعض الأفكار استطعنا أن نحصل عليها من الغرب مثل فكرة الـ”بوي فريند” والتي إلى حد ما قريبة من مفهوم زواج المساكنة، ولوقت قريب كانت فكرة دخيلة على مجتمعاتنا العربية، وذلك حسب ما قال عبد الحليم حسني، وهو باحث اجتماعي مصري “إن فكرة البوي فريند فشلت في مجتمعنا نتيجة للثقافة الاجتماعية والدينية التي تحرم هذه العلاقات” وعلى حد قوله أن هذه العلاقات في الغرب وطدت العلاقة بين الرجل والمرأة ، أما في مجتمعاتنا فقد أدت إلى الكثير من اللقطاء وأولاد الشوارع وجرائم الشرف.

ومثلما قال الكاتب جلال أمين في بعض كتاباته “نحن أمة مقلدة منذ ما يزيد على مائة وخمسين عامًا، اعتدنا أن ننظر إلى الدولة الصناعية في الغرب ( التي كنا نسميها الأمم الراقية) لنري ما تفعل ثم نفعل مثلها، دون أن نضيف شيئًا ذا بال، بل وأحيانًا دون أن نفهم الفائدة المقصودة من هذا الفعل، ومن ثم كثيرًا ما بدا منظرنا كمنظر القرد الذي رأى قبعة ملقاة على الطريق فارتداها”.

تلك الأراء توضح لنا إن لا شك أن هناك أفكار اكتسبناها من الغرب بدون تنقية الملائم منها، ومنها أفكار قد تبدو خطيرة ساهمت في الهدم لا البناء.

هل للتعليم والمناهج الأجنبية دور في خلق جيل مشبع ومتأثر بمفاهيم الآخر؟

في كتاب اللغة والهوية في الوطن العربي إشكاليات ثقافية وسياسية لمؤلفيه، وجدت الإجابة عن هذا السؤال، يقول: “لا شك أن هناك غربة للعقل العربي أو هجرته وهي إحدى الارتباطات الخطيرة بالتعليم بلغة أجنبية وتفكيك الهوية العربية، وأن هناك اتفاق واضح بين دراسات الآثار السلبية للتعليم بلغة أجنبية، على أنه يمثل البوابة الرئيسة لهجرة العقول العربية، أو هجرة الأدمغة العربية إلى خارج وطنها”.

وأشار لنمط آخر من الهجرة وهو الأشد خطورة، هو الهجرة النفسية والوجدانية داخل أرض الوطن، الانسحاب الطوعي الإرادي – أو غير الإرادي والانقطاع الروحي عن العالم المحيط ، ويقول “في هذه الهجرة الشخص موجود فيزيقيًا على أرض الوطن، لكن عقله ووجدانه ولغته وثقافته مرتبطة بعالم اللغة والثقافة الأجنبية التي درس بها وتعلمها وسيطرت على لب فكرة وعقله تحدثًا وكتابة وقراءة وتأليفًا ،وبحثًا، والمحصلة أن هذا المهاجر، الحاضر – الغائب”.

وهذا سبب آخر يمكننا أن نبحث وراءه.

هل الموضوع مبني على فكرة إعادة وبناء وهدم المفاهيم؟

هل المفاههيم تغيرت؟ وتغيرت معها مفاهيم الزواج؟ ألم يعد هو الميثاق الغليظ؟ هل الأسرة بمفهومها لم تعد موجودة؟ وللإجابة عن هذا السؤال استعنت بكتاب “الزواج وتغيير منظومته المجتمعية مابين قديم متروك وحديث متداول”، دراسة تحليلة لدكتور تومي الخنساء وأستاذ أحمد سويسي.

الدكتورة الخنساء تومي توضح الفرق بين الزواج حديثًا وقديمًا من عدة جوانب مادية ومعنوية، ووضعت بعض الأسباب قيد البحث منها؛ تراجع الزواج الداخلي وطغيان النظرة المادية للزواج، وخروج المرأة للعمل، غير العديد من المفاهيم وبعض الأدوار الوظيفية للأسرة، واسندت شبكات التواصل الاجتماعي كواحدة من أهم أسباب تغير نظرة الزواج وكيف أسفرت عن اصطدام بالواقع وظهور ما يسمى بالزواجة الفيسبوكية.

وكما وضحت أن كل هذا أسفر في النهاية عن اصطدام واقعي لمفهوم الزواج وفق للمعطيات الجديدة التي فرضها التغير، فأصبحت استهلاكية مرتبطة بالتمويل والمنفعة والمصلحة، ولم تعد الأسرة تقوم بوظائفها الفكرية والنفسية من صحة نفسية وأمن اجتماعي وهوية فكرية وثقافية، ولا بالوظائف الاجتماعية من حضانة ورعاية وتربية، ولا بالوظائف الاقتصادية من تدبير المأكل والمسكن والملبس. بل أصبحت ثقافة “الفردية” هي السائدة وأنتجت بعدها أفرادًا متعطشين للاستقلالية والحرية الذاتية.

وبذلك أجابت تلك الدراسة عن التغيير الذي طرأ على الزواج، وبالتالي بالنسبة لفئة ما أصبح لا يهم زواج بعقود والتزامات من زواج مساكنة.

الخوف من الالتزام أم الفشل؟

وفقًا لأخر الاحصائيات، هناك حالة طلاق كل دقيقتين في مصر، كما أعلنت شركة استطلاعات رأي خاصة أن نسبة الزواج انخفضت بنحو 20% خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

ولعل التغيرات التي طرأت على مؤسسة الزواج والتي ناقشناها في النقطة السابقة، والتوقعات العالية من الأهالي والأزواج وزيادة معدلات الطلاق، لها دافع في أن نضع سبب آخر لزواج المساكنة، وهو الخوف من الفشل والالتزام.

وفقًا للسيكولوجي بارتون جولدسميث في تعريفه للخوف من الالتزام إنه “المخاوف غير الواقعية التي تنتاب شخصًا ما عند الوفاء بعهوده تجاه الأخري .. قد يكون هذا الشخص على حق في رغبته حول العلاقة، لكنه يرتعد من فكرة الالتزام وكأنه سيقع في شرك.. فقد يجد الرجل فتاة مناسبة للزواج، حتى يقترب المراد ويأخذ الفرد على عاتقه مهمة إفشال كل شيء”.

وفقًا للدكتورة مجد إنه ليس فقط مجرد خوف من الفشل المحتمل، ولكن يخشى على حياته الحالية سلبه حريتها أو نمطها المريح الذي اعتاده، خاصة لدى الذكور الذين اعتادوا الحياة عزابًا لفترات طويلة.

ولكن يطرح الدكاترة تساؤل نريد الإشارة له، هل يمكننا تصنيف الشخص الهارب من العلاقات أو الزواج تصنيفًا دونيًا؟هل هو كاذب؟ لا يصون العهود؟ أم هو مضطرب يحتاج إلى علاج؟

هل الموضوع رغبة في كسر التابوهات ليس إلا؟

مفهوم التابو هو المحظور في نظر المجتمع والمحرم مجتمعيًا سواء كان وفق شريعة دينية أو وفق أعراف مجتمعية، حد لا يمكن تجاوزه، سواء كان مبرر أو غير مبرر أو قانوني أو غير قانوني، حتى أن البعض يدخلها في مفهوم الحرام والحلال، وفئة الشباب هي صاحبة المبادرة الأولى من تشبع بروح التمرد والرغبة في التغيير.

ووفقًا للباحث والمؤلف حسام شاكر تميل نفسيات الجماهير في تلك الحقبة إلى تمجيد كسر التابو، ونبش محذورات لا يجرؤ القوم على تناولها بحديث أو نقاش أو نقد، ولكن السؤال هنا، هل كسر التابوهات دومًا تعتبر إصلاحًا وتنويرًا؟ هل كلها سيئة؟ أو تكون أحيانًا لها ضرورة تربية وحاجة أخلاقية؟ أم أحيانًا يكون كسرها بغرض مصلحة ما؟ أم إنها حرب أفكار؟

بناءً على كلام رشاد عبد اللطيف، أستاذ تنظيم المجتمع في جامعة حلوان، إنها لم تصل لحد الظاهرة ولكنها مجرد فقاقيع، ولكن بعد ما ناقشنا بعض الأسباب التي ممكن أن تؤدي لاتخاذ قرار زواج المساكنة، ليس من المفروض أن نصل لنتيجة ما، ولكن كل سبب منهم فتح الكلام لمواضيع أشمل.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: كشف العذرية قبل الزواج: ما لا يقولونه الأهل والأزواج

تعليقات
Loading...