في ذكرى يوم التأسيس السعودي.. رموز خالدة تحكي قصة الهوية والتراث عبر الأجيال
حين يُذكر يوم التأسيس السعودي 22 فبراير، يستعيد السعوديون صفحات من تاريخهم العريق، ذلك اليوم الذي وُضعت فيه أولى لبنات دولتهم على يد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون، ومن ثم تبدأ رحلة من المجد والهوية المتجذرة.
إضافة إلى ذلك، ليس التأسيس مجرد حدث سياسي، بل هو قصة متكاملة من الثقافة والتراث والعادات التي شكلت وجدان المجتمع السعودي عبر الأجيال.
على سبيل المثال، من طاش ما طاش الذي عكس تحولات المجتمع، إلى الورد الطائفي الذي يحمل عبق الذكريات، وكذلك من الأزياء التراثية التي تعكس أصالة الهوية، إلى المبخرة التي تجسد الكرم السعودي، كلها رموز صنعت الهوية السعودية، وحفرت بصمتها في الوجدان الشعبي.
في هذا السياق، نعيد إحياء تلك العناصر التي لم تكن مجرد تفاصيل، بل شواهد على حضارة امتدت جذورها عبر الزمن.
بالتالي، ما الذي يجعل هذه الرموز خالدة في الذاكرة السعودية؟ وكيف استمرت في تشكيل هوية المملكة جيلاً بعد جيل؟

لا تفوّت قراءة: من البئر إلى القمة: كيف أصبحت أرامكو السعودية الأعلى قيمة في الشرق الأوسط؟
طاش ما طاش.. دراما خلدت تحولات المجتمع السعودي منذ يوم التأسيس السعودي
منذ 1993، أصبح “طاش ما طاش” علامة في الدراما السعودية، مقدماً صورة حية عن المجتمع وتحولاته الاجتماعية على مدار عقود.
علاوة على ذلك، لم يكن مجرد مسلسل كوميدي، بل شكل تجربة استثنائية يتيمة في وقت كانت فيه الإنتاجات الدرامية السعودية محدودة، مما جعله نافذة رئيسية للجمهور السعودي للتعبير عن قضاياه وهمومه.
ارتبط الجمهور السعودي بـ”طاش ما طاش” بشكل كبير، خاصة أنه كان أحد الأعمال المحلية النادرة في رمضان.
ومع تصاعد شعبيته، أصبح “طاش ما طاش” مدخلًا للتعريف بخفة دم السعوديين وثقافتهم، مما عزز من انتشاره عربيًا.
على مدار 18 موسمًا، قدم المسلسل حلقات منفصلة متصلة، ركزت على قضايا المجتمع السعودي، مثل الصداقة، العلاقات الأسرية، والتعامل مع الجيران، بأسلوب كوميدي ناقد.
ومع التحولات السريعة التي شهدها المجتمع السعودي منذ بداية عرضه، استُخدم العمل كمرجع أكاديمي.
تناول أحد الباحثين في رسالة دكتوراه مفهوم التغير الاجتماعي في المجتمع السعودي، مستعينًا بحلقات “طاش ما طاش” كنموذج لدراسة التحولات الثقافية والاجتماعية.
إرث لا يُنسى في الدراما السعودية
لم يكن “طاش ما طاش” مجرد مسلسل كوميدي، بل وثيقة فنية عكست تغيرات المجتمع السعودي، وأثرت في أجيال من المشاهدين، ليظل حتى اليوم رمزًا للدراما الاجتماعية السعودية التي تواكب نبض الشارع وتعبر عن قضاياه بجرأة وخفة ظل.
فوازير مشقاص.. ذاكرة الطفولة السعودية التي أضفت بهجة على رمضان
لم يكن الأطفال السعوديون بمنأى عن أجواء فوازير رمضان، التي لطالما ارتبطت بالإنتاج المصري في ذلك الوقت.
لكن وسط هذا المشهد، كان للسعودية نصيبها من أعمال صنعت جزءًا من الذاكرة الثقافية للأطفال، ومن أبرزها “فوازير مشقاص”، التي عُرضت عام 1986 على التلفزيون السعودي، وكانت من أداء الفنان حسن دردير، الذي قدم تترًا ما يزال عالقًا في أذهان جيل الثمانينيات والتسعينيات.
شخصية مشقاص.. من أين جاءت الفكرة؟
اسم “مشقاص” لم يكن مجرد ابتكار عابر، بل استُلهم من أحد الصبية الذين عملوا لدى خال الفنان لطفي زيني، حيث تأثر به الفنان حسن دردير وقرر تجسيد الشخصية التي أصبحت علامة فارقة في عالم الترفيه السعودي للأطفال.
ومن هنا، بدأ العمل على فوازير مخصصة للأطفال، حيث لم تقتصر على التلفزيون السعودي، بل امتد عرضها إلى التلفزيون المصري، ما ساهم في انتشارها بشكل أوسع.
رغم مرور العقود، ما تزال “فوازير مشقاص” رمزًا من رموز الفن والتسلية التي شكلت جزءًا من وجدان الطفل السعودي، في وقت كانت فيه الفنون المحلية ما تزال تشهد بداياتها.
وبينما تطورت صناعة الترفيه، تظل هذه الفوازير ذكرى حاضرة في ذاكرة أجيال نشأت على بساطة الفكرة وجمال الأداء، لترسّخ مكانتها كواحدة من أوائل التجارب السعودية في عالم الفوازير الرمضانية.
لا تفوّت قراءة: الكنز الصحراوي في المملكة: كيف اعتنى ملوك السعودية بالإبل عبر التاريخ؟
الأبواب النجدية.. تحفة معمارية تراثية تعكس الإبداع في العمارة السعودية
تحمل الأبواب النجدية بين زخارفها تفاصيل عريقة من الهوية السعودية، حيث تتجلى في تصميمها حرفية فريدة تعكس الإبداع النجدي في فن تزيين الأبواب والنوافذ.
فهي ليست مجرد وسيلة لحماية المنازل، بل تعد رمزًا تراثيًا يعبر عن الثقافة والهوية السعودية المتأصلة منذ مئات السنين.
فن معماري بلمسة نجدية
تتميز البيوت التراثية النجدية بأبوابها المصنوعة بدقة متناهية، حيث تخضع لتقسيمات هندسية منظمة ومتناسقة، تتخللها أنماط زخرفية متكررة مستوحاة من الطبيعة والبيئة المحلية.
هذه الأبواب تعكس ذوق الحرفيين النجديين، الذين أبدعوا في استخدام الألوان والنقوش الخشبية، مما منحها طابعًا خاصًا يمزج بين البساطة والأناقة.
لم تقتصر العمارة النجدية على تصاميمها الفنية، بل امتدت إلى مواد البناء المستوحاة من البيئة الصحراوية، حيث تعتمد بشكل أساسي على الطين وجذوع النخل، وهي تقنيات صمدت لأكثر من 300 عام، مما جعل هذه الأبواب جزءًا أصيلًا من التراث العمراني للمنطقة.
اليوم، ورغم تطور الهندسة المعمارية، ما تزال الأبواب النجدية تحظى بمكانة متميزة، إذ يحرص الكثيرون على إدراجها في تصاميم المنازل الحديثة، حفاظًا على هذا الإرث الفني العريق الذي يعكس روح نجد وتاريخها العريق.
المبخرة.. رمز الضيافة السعودية الذي يضفي روائح البهجة والترحاب
تُعد المبخرة من أبرز رموز الكرم السعودي الأصيل، إذ تحمل بين طياتها رائحة البخور والعود التي لطالما كانت جزءًا من التقاليد الاجتماعية في الدولة السعودية الأولى.
لم تكن مجرد أداة لنشر العطر، بل أصبحت رمزًا للحفاوة والضيافة، حيث يُكرَّم الضيف أولًا بفنجان من القهوة السعودية، ثم يُمرر عليه البخور تعبيرًا عن الاحترام والتقدير.
لا تقتصر المبخرة على وظيفتها في نشر العطر فحسب، بل تحمل إرثًا ثقافيًا يتمثل في صناعتها اليدوية المتقنة، التي تُورث من جيل إلى آخر في مناطق عدة، وأبرزها مدينة حائل.
إذ تصنع المباخر هناك من شجر الطرفاء الذي ينمو في صحراء حائل، حيث يتم تجفيف فروعه القوية وتحويلها إلى تحف فنية تُستخدم في تعطير المجالس.
140 عامًا من الأصالة والعراقة
تعود صناعة المباخر في حائل إلى أكثر من مئة عام، ويُقال إن تاريخها في المنطقة يمتد إلى ما قبل 140 عامًا، ما يعكس رسوخ هذه الحرفة التقليدية التي ما تزال تحتفظ بمكانتها رغم تغير الزمن.
واليوم، تستمر المبخرة السعودية كواحدة من أهم عناصر الضيافة التي تُضفي عبقًا خاصًا على المجالس والتجمعات التقليدية، حاملةً معها عبير الأصالة والتاريخ.

لا تفوّت قراءة: تركي آل شيخ “صانع السعادة”: كيف حول السعودية لوجهة ترفيهية عالمية؟
القط العسيري.. فن زخرفي يعكس إبداع المرأة السعودية عبر الأجيال
في أعماق منطقة عسير، جنوب غرب المملكة العربية السعودية، ينبض فن القط العسيري بروح الإبداع والتميز، حيث تتوارثه النساء السعوديات منذ أكثر من 200 عام، ليصبح جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية للمنطقة.
ما إن تطأ قدمك هذه المنطقة الجبلية حتى تكتشف اختلافها الفريد عن بقية مناطق المملكة؛ فبدلًا من الصحارى الشاسعة، ستجد جدران البيوت تروي قصصًا ملونة عبر أشكال هندسية مبهرة، مثل المثلثات والمربعات والنقاط، التي تُرسم بعناية على الجدران الجصية البيضاء.
يتميز القط العسيري بكونه حرفة إبداعية نسائية خالصة، حيث تجتمع النساء في جلسات فنية لنقل هذا التراث من الأمهات إلى البنات، مما يعزز روح التعاون والتواصل الاجتماعي بينهن.
وتحمل كل تفصيلة زخرفية رسالةً تعكس عمق التراث السعودي وتقدير الجمال في أدق تفاصيل الحياة اليومية.
عالمية القط العسيري
في عام 2017، حظي القط العسيري باعتراف عالمي حين أدرجته اليونسكو ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي، ليصبح رمزًا فنيًا عالميًا يعكس هوية منطقة عسير، ويؤكد قدرة المرأة السعودية على تحويل المساحات المنزلية إلى لوحات فنية نابضة بالحياة.
الأزياء التراثية السعودية.. الخنجر والعقال رموز أصيلة تجسد ثقافة الوطن
تمثل الأزياء التراثية أحد أهم ملامح الإرث الثقافي والحضاري لأي بلد، حيث تعكس هوية الشعب وتاريخه العريق.
وفي المملكة العربية السعودية، تتنوع الأزياء التقليدية بتنوع المناطق الجغرافية، حيث تأثرت كل منطقة بطبيعتها المناخية والاجتماعية، ما أضفى على كل زي شعبي طابعًا خاصًا يميزه عن غيره.

تنوع الأزياء في يوم التأسيس
مع الاحتفال بيوم التأسيس السعودي في 22 فبراير من كل عام، تشهد الأسواق الشعبية إقبالًا كبيرًا على شراء الأزياء التراثية، حيث يحرص السعوديون على ارتدائها للتعبير عن فخرهم بجذورهم التاريخية.
ملابس الرجال والنساء في مختلف المناطق
- في المنطقة الوسطى، يرتدي الرجال العقال، الغترة، المرودن، الخنجر، والثوب، وهي عناصر تمثل الهيبة والرقي في المظهر التقليدي.
- أما النساء، فيتميزن بارتداء الهامة، البشت، والكرته، حيث تتميز التصاميم بالزخارف اليدوية والتطريزات الغنية التي تضفي عليها لمسة أصيلة من التراث السعودي.
الأزياء.. أكثر من مجرد ملابس
لا تُعتبر الأزياء التراثية مجرد ملابس، بل رموزًا تاريخية تعكس قيم المجتمع السعودي وتراثه العريق.
ويظل الخنجر والعقال مثلًا جزءًا لا يتجزأ من هوية الرجل السعودي، ليحمل معه إرثًا يربط الأجيال بماضيهم العريق.
لا تفوّت قراءة: السعودية: محظورات يجب أن تعرفها قبل السفر إلى أراضي المملكة

أكلنا يوم بدينا.. وصفات سعودية تقليدية تعكس هوية المجتمع السعودي منذ يوم التأسيس السعودي
من أبرز المبادرات الثقافية التي أطلقتها السعودية للحفاظ على هويتها التراثية، كان إصدار دليل الطهي التقليدي تحت شعار “أكلنا يوم بدينا”.
ويوثق الأكلات الشعبية التي عاصرها السعوديون منذ يوم التأسيس، مقدمًا وصفاتها التقليدية بطريقة تحافظ على أصالة المطبخ السعودي.
قرص الجمر.. نكهة الأصالة في المخبوزات التراثية
من بين الأكلات التي تضمنها الدليل، برز “قرص الجمر” كأحد أقدم المخبوزات التراثية في المنطقة الوسطى.
يتميز ببساطته، حيث يُعد من الطحين والماء، ويُدفن في الجمر حتى ينضج، ليُقدم مع السمن أو الزبدة.
كما تعكس الفنون والأزياء التراثية الهوية الثقافية للمجتمع، تمثل الأكلات الشعبية جزءًا لا يتجزأ من التاريخ والذاكرة الجماعية.
تعكس هذه الوصفات البيئة الصحراوية القاسية التي عاشها السعوديون، ليصبح الطعام جزءًا من التراث الذي يُحتفى به في يوم التأسيس.
الورد الطائفي.. عبق عريق يعكس تراث الطائف المتجذر في ذاكرة الأجيال بمناسبة يوم التأسيس السعودي
ومن المعروف أن زراعة الورد الطائفي تحمل قصة ضاربة في عمق التاريخ بالمملكة.
ومن الجدير بالذكر أنها اكتسبت هويتها من مرتفعات الطائف التي اشتهرت بإنتاج أندر أنواع الورود في العالم، بفضل لونها الفريد وعطرها الأخاذ.
وبالتالي، الورد الطائفي جزء من ثقافة الطائف، حيث يُزرع ويُقطر يوميًا منذ مئات السنين، ويعد رافدًا اقتصاديًا وتراثيًا.
وفي هذا السياق، تحتفل الطائف سنويًا بمهرجان الورد الطائفي، حيث تنتج أكثر من 200 مليون وردة يوميًا من 2000 مزرعة.
رمز العراقة والقداسة
في البداية, لم يقتصر استخدام الورد الطائفي على صناعة العطور والزيوت فقط، بل امتد ليصبح جزءًا من طقوس غسل الكعبة المشرفة سنويًا.
من جهة أخرى, كان وما يزال الورد الطائفي رمزًا للهوية العطرة لأهل الطائف، وعنوانًا لتاريخ متوارث من الإبداع والفخر.