هجمة حضارية مرتدة.. المعمار المصري بين الهوية ومحاولات التغريب

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2016-09-01 11:22:07Z | |

“المغلوب مولع بتقليد الغالب”، و”الحضارة لا يتم استيرادها ولكن تستطيع استيراد أدواتها فقط ولكن هذا لا يعني إنك ستقيم حضارة عندك”، مقولتين لعالم الاجتماع الشهير ابن خلدون والمفكر الجزائري مالك بن نبي، لكن ما علاقة هذا بمبنى كائن في شارع رمسيس يبهرك بتصميمه العربي الإسلامي، إنه مبنى نقابة المهندسين أصحاب التصميمات التي ستعكس شخصيات مصر السبعة في مختلف المباني ولكن هل الأعمدة ظلت في مكانها أم أن المغلوب اختار الحل السهل؟

سؤال حير المصريين

يجدد المصريون سؤالًا كلما أرادوا البحث عن جذورهم، وهو “احنا فراعنة ولا عرب ولا أفارقة؟، يجيب الكاتب أستاذ الهندسة الإنشائية، ميلاد حنا، بإجابة واسعة وهي بإن الشخصية المصرية مكون من 7 أعمدة وهي الفرعوني، اليوناني، الروماني، القبطي، الإسلامي، البحر أوسطي، الإفريقي وهو الأمر الذي سينعكس على شكل مساكن وبيوت المصريين والمباني التجارية التي أسسوها من بداية التاريخ حتى الآن.

7 أركان في شخصية كل مصري

ويسرد في كتابه “الأعمدة السبعة للشخصية المصرية” أن المصري يتأقلم مع كل متغير يحدث في شخصيته ويهضمه، فبدأ ببناء المعابد في الأقصر وأسوان على الطريقة الفرعونية، ثم يتحرك الفراعة إلى بلاد النوبة فيقيموا إمبراطورية إفريقية حيث استولت الأسرة الـ 25 على حكم قوش (جنوب مصر وشمال السودان حاليًا) ورغم أن الأسرة لم تدم طويلًا (نحو 65 عام)، إلا أنها تركت قبائل نوبية عاشت في 45 قرية نوبية ستدخل كلها الإسلام فيما بعد، وظهرت مكتبة الإسكندرية القديمة في بناء ممثل للحضارة اليونانية في مصر، ثم تحرك بعينك لترى حصن بابليون بالكنيسة المعلقة فى قلب القاهرة وهو أكبر شاهد على الحضارة الرومانية في مصر، كانت عروس البحر المتوسط خير شاهد على العمارة والشخصية المصرية بالمباني والهجرات من يونان والقبرص لمصر.

المصري فرعوني ولا عربي ؟

وتأكيدا للمقولة المأثورة “الناس على دين ملوكهم” ولأن المغلوب مولع بتقليد الغالب، فبعد دخول الإسلام مصر على يد عمرو بن العاص، بدأ الفن الإسلامي في العمارة في الانتشار؛ حيث المشربية وفن الأرابيسك (وهي صفة العربي باللغة الروسية وبعض اللغات السلافية) وهذا شكل نقابة المهندسين في شارع رمسيس التي تحدثنا عنها في أول فقرة واستقرت هذه الحضارة العربية الإسلامية لتحقيق الانتشار الأوسع، فقال الجغرافي جمال حمدان في كتابه “شخصية مصر” المصري فرعوني الجد وعربي الأب وللتوضيح قال (الفراعنة هم الآباء البيولوجيين للمصريين ولكن العرب هم الآباء الاجتماعيين) في توصيف يلخص الأعمدة السبعة في عمودين كالقدمين يرتكز عليهم الشخص حتى يكمل مسيرته في الحياة.

ورغم أن المصري قد استقر على العمارة الإسلامية إلى أن الأعمدة الـ 6 الأخرى تظهر كل فترة مطلة برأسها لتذكر العالم بأن هذه البلاد صاحب حضارة 7000 سنة مبنية على الأعمدة الـ 7، فتبدأ مصر ببناء برج القاهرة على شكل زهرة اللوتس، ويقترح عبد الناصر بناء مدينة كل فئة عمالية بمساحات واسعة تحترم الخصوصية ولكن دوام الحال من الحال.

هجمة حضارية مرتدة غير متوقعة

تستمر القاهرة من الـ 50 حتى التسعينات محتفظة بشكل مع تغيرات خفيفة، مثل زحف عمراني قادم من الريف على أطراف القاهرة، فتقترب الفيوم من 6 أكتوبر التي كانت مدينة قاهرية بعيدة وتعتبر صحراء، ولكن فجأة تقوم ثورة 25 يناير 2011، وهنا يظهر في الشخصية المصرية جوانب جديدة لم نكن نعرفها ولكن يظهر أيضًا أشباه مصريين، تنتشر الفوضى في العمران والمباني المخالفة الشاهقة، وتغرق القاهرة ومصر بشكل عام بمباني عبارة عن قوالب خرسانية ليست منازل عائلة ولا بيوت واسعة تسر الناظرين وتهدأ من روعة المتفاجئين من تطورات الحياة السريعة من تكنولوجيا إلى ثورة إلى تغيرات طبقية، ومن هنا يظهر مصطلح عقارات وتصبح “المباني” كما يحب أن يطلق عليها الأغلبية في مصر، “بيزنس” خالي من الروح يركز على المكسب، وهو ما أكد عليه جلال أمين في كتابه “ماذا حدث للمصريين” عندما نوّه إلى أن المصريين كان لديهم احترام للمساحات بين البيوت، ولكن مع غول الانفتاح في السبعينات أصبح كل شخص يبحث عن “خرم إبرة” ليفتح سوبر ماركت، إله الرأسمالية الأبدي، حتى لو وصل الأمر أن يقتطع غرفة من شقته خاصة إذا كان يسكن في الدور الأرضي ليصبح صاحب محل ومنزل في نفس الوقت و”يتشعبط” في قطار الانفتاح.

ثقافة الكمباوند

ومنذ سنوات قليلة ظهرت ثقافة الكمباوند، فانفصل المجتمع إلى مجموعات صغيرة وأصبح الرابط قليل، لنرى صاحب الكمباوند ينسخ مشاهد من البيوت في الخارج في أوروبا والولايات المتحدة ليبهر المصريين الذين يصعب عليهم السفر لكنهم يمتلكون المال، ويقول له “أنت هتسكن في الريفيرا والريف الأوروبي والفرنسي” واستغل المطور انتصار الغالب (الغرب) على المغلوب (العرب) في نصر واضح لكنه ليس نهائيًا، ليحول المباني القديمة إلى عمارات كبيرة “ماحدش فيها يعرف حد” المهم أن يتم بناء أكبر عدد لأن صاحب العمارة “مزنوق في كام مليون علشان في كمباوند تاني بيبدأ فيه”، وبهذا أصبحت المباني نسخ وتراجعت الأعمدة السبعة للشخصية المصرية ليظهر عمود جديد؛ هو العمود الجاهز السريع “مباني التيك واي”، لتصبح المدينة مسخ لا هي طالت التطور ولا حافظت على العراقة والهوية الأصلية، تطبيقًا لمثل عربي شهير “لا طالوا بلح الشام ولا عنب اليمن”.

الأرباح في مواجهة الهوية

هل للموضوع أهمية من الناحية الاقتصادية؟ أم هو مجرد “تقليد أعمى” لأشكال مبهرة مقتبسة من حضارات أخرى؟
في حوارنا مع مهند فودة، أستاذ مساعد في الهندسة المعمارية – كلية الهندسة جامعة المنصورة، قال: “إن تنفيذ واجهة فنية معمارية دقيقة شيء مكلف ماديًا، لذا يتم الاهتمام بالمساحات الداخلية للوحدات السكانية والتجارية، لأنها الأمر الذي يبحث عنه العملاء، ولكن إذا أردنا وجود الشكل الجمالي، يتم طلب ذلك من المقاول، الذي يدخل بعض الأشكال ولكن لا يكون الشكل متناسق.
وأضاف: “إن كل منطقة وحي في الدول المختلفة يكون له كود ومواد مستخدمة معينة ومساحات للشبابيك، ويتم احترام العناصر التاريخية، ويكون ذلك أمرًا إلزاميًا، ولكن في مصر يتم مراجعة التفاصيل الداخلية دون النظر إلى الواجهة، ويتم تركها لصاحب المبنى، على الرغم من أن الشكل الخارجي ملك للجميع ويجب أن يكون بأفضل صورة لأنه مرئي للجميع.
وأوضح أستاذ الهندسة المعمارية، أن علاج هذه المشكلة قد يكون بتخصيص كود لكل منطقة، وتحقيق شروط معمارية معينة في الواجهات من خلال الرجوع إلى أساتذة العمارة في الجامعة القريبة من المدينة التي يتم فيها البناء، لأن ذلك مع الوقت سيجعل شكل المباني أفضل، لأنه لن يتم منح تراخيص لمن يخالف المعايير، موضحًا أن هناك نموذج مصري نجح في تحقيق الكود وهي مدينة “بورفؤاد” بجوار بورسعيد، حيث يتم فرض شروط قاسية للمباني الجديدة، فمثلًا يشترط أن تكون الواجهة “شيش” و”الترابزين” خشب والسقف أرميد ومائل لكن يتناسب مع القديم، وبهذا يكون هناك هوية للمنطقة.

ابن خلدون يلخص الأمر

يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة : “النفس البشرية ترى الغالب كاملًا و تستقر فيها عظمة المنتصر لتغلبه عليها او تقوم بمغالطة نفسها بتبرير الخسارة لكمال المنتصر، و هذا التبرير يكون من قبل الفرد او الامة على حد السواء.. فالنفس البشرية تميل لإختلاق الأعذار اكثر من الاعتراف بالتقصير و الخطأ.. ولهذا السبب تتبع الامة المغلوبة الامة الغالبة في كل شيء اللباس والسلاح و طريقة الادارة تشبه الابن بابيه لأنه يعتقد فيه الكمال وهنا يتبين أن أهم وأصعب مراحل الإنتصار هو محو الهزيمة النفسية للامة”.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: الرئيس السيسي يشارك في قمة “ميثاق التمويل العالمي الجديد” في باريس

تعليقات
Loading...