نقش أبرهة الحبشي: ما بين التاريخ المنقوش والتفسيرات المقدسة
ثقافة ولغات وأديان وتاريخ أهل شبه الجزيرة العربية في عصور ما قبل الإسلام تظل لغز كبير بالنسبة للمؤرخين، بالذات إن في العصور دي كان معظم أهل الجزيرة رحالة أميين؛ مايعرفوش يقرأوا أو يكتبوا، وبالتالي السجلات اللي وصلت لنا عن حياتهم اليومية قليلة جدًا، مما يجعل مهمة المؤرخ في الكشف عن ملامح ثقافتهم وطرق معيشتهم في غاية الصعوبة.
تٌعتبر النقوش الحجرية اللي بيتم العثور عليها في شبه الجزيرة العربية من أهم السجلات اللي بيعتمد عليها المؤرخين في الكشف عن أسرار حياة وثقافة العرب قبل الإسلام.
وجد علماء الآثار نقوش كتير في مناطق مختلفة من شبه الجزيرة العربية، وكانت بعض النقوش دي سبب في اكتشافات مبهرة عن تاريخ وثقافة السكان الأوائل، وكمان عن تطور لهجاتهم والمراحل اللي مرت بها وصولًا للغة العربية الحديثة بلهجاتها المختلفة.
واحد من أهم النقوش اللي لقوها، واللي سبب جدل كبير في الأوساط العربية مؤخرًا، هو نقش أبرهة زبيمان، اللي تم العثور عليه سنة 1951 في محافظة تثليث، عند أبار مريغان في جنوب المملكة العربية السعودية، على صخرة ارتفاعها سبعة متر، واكتشفته بعثة العالم البلجيكي”كونزاك ريكمانز”، والنقش مكتوب باللغة الحميرية وبالخط المسند.
والحميرية هي لغة قديمة أتكلمت بها قبيلة حمير اليمنية، وهي مشتقة من لغة أقدم منها هي “السبئية” نسبة لمدينة سبأ، واستعملها سكان جنوب الجزيرة العربية، خلال القرن السابع قبل الميلاد، ورغم إن الحميرية والعربية لغتين مختلفتين عن بعض بشكل كبير جدًا، إلا إن كلاهما لغات سامية وفي علاقة تطورية ما بينهم.
كتب النقش الملك أبرهة زبيمان من الحبشة (أثيوبيا حاليًا) واللي كانت إمبراطورية مسيحية أورثودوكسية، وأناب عن النجاشي (إمبراطور الحبشة) في مُلك اليمن في القرن السادس الميلادي. كانت بتعيش قبائل من العرب في البادية خارج حدود مملكة اليمن، فأتعرضت حدود المملكة لبعض التعديات من القبائل البدوية دي، وبالتالي خرج أبرهة بحملة لغزو القبائل دي وتأديبها.
سجل أبرهة في النص، اللي أمر بنقشه في منطقة آبار مريغان، أحداث غزوته على القبائل العربية اللي أتحرشت بمملكته، وبيشرح النص انتصار أبرهة على القبائل اللي ذكر كتير من أسمائهم، ورجوعه مرة تانية لليمن بغنائم كتير، وترجمة النص للعربية الحديثة بتقول:
“بقوة الرحمن ومسيحه الملك أبرهة زبيمان ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت (اليمن)، وقبائلهم في الجبال والسواحل، سُطر هذا النقش عندما غزا قبيلة معد في غزوة الربيع في شهر ذو الثابة عندما ثاروا كل قبائل بنى عامر، وعين الملك (القائد) أبي جبر مع (قبيلة) على (القائد) بشر بن حصن مع (قبيلة) سعد (وقبيلة) مراد وحضروا أمام الجيش ضد بنى عامر، وجهت كندة وعلى في وادي ذو مرخ ومراد وسعد في وادي على طريق تربن و ذبحوا وأسروا وغنموا بوفرة، وحارب الملك في حلبن (حلبان) واقترب كظل معد وأخذ أسرى، وبعد ذلك فوضوا قبيلة معد عمروا بن المنذر في الصلح فضمنهم ابنه عن أبرهة فعينه حاكماً على معد ورجع أبرهة من حلبن (حلبان) بقوة الرحمن في شهر ذو علان في السنة الثانية والستين وستمائة”.
ومن أهم الملاحظات على النص إن الملك أبرهة استخدم اسم الرحمن وهو “معبود توحيدي قديم من اليمن”، واستخدم كمان اسم المسيح، مما يرجح إنه كان مسيحي بيخلط ما بين عقيدة المسيح وعقيدة الرحمن اللي اتبعها أهل اليمن.
ترجع أهمية النص للنقاشات الجدلية اللي أثارها بعد الكشف عنه، وبالذات علاقته بالملك أبرهة الحبشي واللي بيتم ربطه بمن نزلت فيهم سورة الفيل في القرآن الكريم، واللي بتحكي عن حملة ملك ظالم مع جيشه وفيله الضخم لهدم الكعبة، واللي انتهت بموتهم داخل حدود مكة في قوله تعالى “فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ”.
الكاتب والباحث المصري، يوسف زيدان جادل، في حلقة من برنامجه “المتواليات” بخصوص التفسيرات الإسلامية لسورة الفيل في القرآن الكريم، ربط حادثة الفيل المذكورة بالملك أبرهة الحبشي، فاستخدم زيدان النقش كدليل على إن أبرهة هو قديس مسيحي حبشي كانت مهمته هي التبشير بالمسيحية ومحاربة الوثنية، وأنكر علاقته بحادثة الفيل.
وضح زيدان اعتقاده إن حملة أبرهة خرجت على القبائل العربية لكن ماوصلتش لمكة، كما هو واضح في نص النقش اللي ماذكرش مكة خالص. وقال زيدان إن ربط أبرهة الحبشي بحادثة الفيل مصدره القصة الإسرائيلية المقتبسة من سفر المكابيين اللي بينتمي للأسفار غير القانونية
سببت تصريحات زيدان جدل كبير في الوطن العربي، ونشرت البي بي سي تقرير عن الجدل اللي ردت فيه أطراف مختلفة على زيدان وكذبت استنتاجاته التاريخية في الوقت اللي أيدت أطراف تانية أراءه.
وغير الجدل اللي اشتد على السوشيال ميديا ما بين مؤيد ومعارض، واللي تناوله تقرير البي بي سي، نشر الموقع الرسمي لدار إفتاء الأزهر الشريف تقرير بعنوان “حادث الفيل”، واللي ذكر قصة أصحاب الفيل من وجهة نظر الدين الإسلامي، وأكد الموقع إن أبرهة كان ملك على اليمن من أصل حبشي.
ووضح التقرير إن أبرهة كان مسيحي وبنى كنيسة في صنعاء، وبعدين طلع بجيش عظيم وفيل ضخم علشان يهد الكعبة، وفي الطريق قابلته قبائل كتير حاولت تمنعه عن هدفه، ولكن قدر يهزمهم لحد ما وصل لمكة وحاول يهد الكعبة فأنهزم بأمر الله بعد ما سلط عليه طيور تحمل حجارة من الجحيم “حجارةٌ من سجيل”.