إسرائيل تطلب رفات إيلي كوهين: الجاسوس الذي خدع العالم وكاد أن يصبح رئيس وزراء سوريا
بعد الإطاحة بحكم نظام بشار الأسد في سوريا، عاد الحديث عن إيلي كوهين، أشهر جاسوس إسرائيلي جرى إعدامه في دمشق في ستينيات القرن الماضي.
تجددت الجهود الإسرائيلية لتحديد مكان دفن كوهين، إلى جانب محاولة معرفة مصير الجنود الإسرائيليين الذين فقدوا في معركة السلطان يعقوب عام 1982.
إبان حرب لبنان الأولى، قتلت القوات السورية 20 جنديًا إسرائيليًا وأسروا 3 آخرين. رغم مرور عقود، ما زال 3 جنود إسرائيليين في عداد المفقودين حتى اليوم.
منَ هو “إيلي كوهين” وماذا نعرف عن رحلته من مصر وصولًا لــ”ساحة الإعدام في دمشق”؟
لا تفوت قراءة: من هو بشار الأسد؟.. 25 عامًا من السيطرة وسقوط مفاجئ في 11 يوما
إيلي كوهين: جاسوس كاد أن يصيح وزيرًا للدفاع في سوريا
وُلد إيلي كوهين في عام 1924 في الإسكندرية لعائلة يهودية هاجرت من حلب السورية.
نشأ كوهين في حي اليهود بالإسكندرية، حيث تشرب منذ صغره الأيديولوجية الصهيونية.
التحق كوهين بجامعة الملك فاروق (التي أصبحت جامعة الإسكندرية لاحقًا) لدراسة الهندسة، لكنه لم يكمل دراسته الأكاديمية.
بدلاً من ذلك، انضم إلى منظمة الشباب اليهودي في مصر التي كانت تهدف إلى نشر الفكر الصهيوني بين يهود مصر.
عمل كوهين على تشجيع اليهود المقيمين في مصر على الهجرة إلى إسرائيل، وكان من بينهم أفراد من عائلته.
التحاقه بالموساد وانطلاق رحلته الجاسوسية
بعد أن وصل كوهين إلى إسرائيل، جرى تجنيده من قبل الموساد، وبدأ رحلة تجسس معقدة غيرت تاريخ الشرق الأوسط.
في بداية الستينيات، أرسله الموساد إلى سوريا، وتسلل إلى الدائرة السياسية والعسكرية السورية بهوية مزورة كعقيد في الجيش السوري.
تمكن إيلي كوهين من بناء علاقات وثيقة مع كبار الشخصيات في الحكومة السورية.
كان من المتوقع أن يُعين وزيرًا للدفاع في الحكومة السورية بسبب الثقة الكبيرة التي اكتسبها داخل أروقة السياسة.
حصل على معلومات هامة حول تحركات الجيش السوري وأسراره العسكرية، مما جعله هدفًا رئيسيًا للبحث من قبل الأجهزة الأمنية السورية.
لا تفوت قراءة: الجيش السوري: من سادس العرب عسكريًا إلى حافة الهاوية “يحتاج 20 عاما للإعمار”
ما علاقة إيلي كوهين بـ”فضيحة لافون”؟
إيلي كوهين، كان له دور غير مباشر في “فضيحة لافون” التي هزت العالم العربي في الخمسينيات.
في تلك الفترة، كان كوهين قد بدأ بالتعامل مع شبكات استخباراتية إسرائيلية في مصر.
شارك في تنفيذ سلسلة من التفجيرات في المنشآت الأمريكية في كل من القاهرة والإسكندرية، للتأثير على العلاقات بين أمريكا ومصر.
العملية كانت جزءًا من مؤامرة إسرائيلية أطلق عليها “فضيحة لافون”، نسبة إلى بنحاس لافون، وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها.
كانت العملية تهدف إلى تخريب العلاقات بين مصر والولايات المتحدة، وكشفها الأمن المصري في وقت لاحق، مما أدى إلى اعتقال العديد من العملاء الإسرائيليين.
ورغم تورط كوهين في هذه الشبكة، إلا أنه تمكن من إقناع المحققين ببراءته في وقتٍ لاحق، ليتم إطلاق سراحه. إلا أن الأحداث لم تتوقف عند هذا الحد.
بعد العدوان الثلاثي عام 1956، جرى القبض على كوهين من قبل الأجهزة الأمنية المصرية مجددًا.
استطاع النجاة بنفسه، واستمر في تنفيذ مهامه الاستخباراتية بعد انطلاقه إلى سوريا لاحقًا، ليصبح أشهر جاسوس إسرائيلي تم إعدامه في دمشق.
تلك الفترة من حياة كوهين تعكس كيف كانت العمليات الاستخباراتية تتداخل مع الأحداث السياسية الكبرى في المنطقة، وكيف كانت هناك محاولات متعددة لتخريب العلاقات بين الدول العربية والقوى الكبرى في الغرب، من خلال استغلال الشبكات الاستخباراتية.
لا تفوت قراءة: أسرار عن حياة عائلة آل الأسد: أين يقيم بشار وكيف يدير ثروته؟
إيلي كوهين: من مبدع في الإقناع إلى جاسوس محترف في دمشق
إيلي كوهين، الجاسوس الذي لم يكن مجرد عميل عادي، بل كان يمتلك قدرات استثنائية في الإقناع والتمويه، وهي قدرات جعلت الموساد الإسرائيلي يقرر تجنيده للمرة الثانية بعد عودته إلى إسرائيل.
وفي هذه المرة، كانت مهمته حساسة وخطيرة للغاية، فقد تقرر أن يرسل إلى دمشق، عاصمة سوريا، في مهمة تجسسية تحت هوية مزيفة.
بدأت عملية تجنيده بتدريبه على اللهجة السورية، وهي خطوة أساسية لإقناعه في تجسيد شخصية متقنة.
بعدها، جرى مساعدته على بناء شخصية جديدة تحت اسم كامل أمين ثابت، رجل أعمال سوري مسلم، يُقال أنه يقيم في الأرجنتين.
ولم يتوقف التدريب عند هذا الحد، بل استمر بإتقانه القرآن وتعاليم الدين الإسلامي، ليضفي مصداقية على دوره كمسلم في المجتمع السوري، وهو ما كان مهمًا في تلك الفترة، حيث كانت سوريا تحكمها نخب إيديولوجية إسلامية.
كوهين مستعد تمامًا لتنفيذ مهمته الجاسوسية
عندما أُرسل إلى دمشق، بدأ بناء شبكة واسعة من العلاقات مع كبار المسؤولين السوريين، بما في ذلك أمين الحافظ، رئيس الجمهورية وقتها، و صلاح البيطار، رئيس الوزراء، وميشيل عفلق، مؤسس حزب البعث، بالإضافة إلى ضباط الجيش السوري.
وكان يتعامل مع هذه الشخصيات الرفيعة باحترافية شديدة، مما مكنه من التسلل إلى قلب النظام السوري وجمع معلومات هامة وحساسة.
لا تفوت قراءة: ما وراء سقوط بشار الأسد: إسرائيل تسيطر على جبل الشيخ بعد 51 عاما من حرب أكتوبر
إيلي كوهين: الجاسوس الذي كاد أن يصبح رئيس الوزراء السوري
تُشير العديد من الأقاويل إلى أن إيلي كوهين كان على وشك تقلد مناصب حساسة في الدولة السورية، مثل وزير الدفاع أو حتى رئيس وزراء، بفضل علاقاته الوثيقة بالمؤسسات الحكومية والعسكرية.
هذه الأقاويل أكسبت كوهين سمعة قوية كأحد أبرز الجواسيس في تاريخ الموساد الإسرائيلي، حيث كان يتنقل بحرية بين كبار المسؤولين السوريين ويتسلل إلى قلب النظام.
تمكن كوهين خلال مهمته في سوريا من جمع معلومات حيوية حول تحركات الجيش السوري وخططه العسكرية، التي كان لها دور محوري في نتائج حرب 1967.
المعلومات التي قدمها كانت مفيدة للغاية لإسرائيل في سياق التحضير للحرب، إذ أسهمت في تحديد الأهداف الاستراتيجية وتوجيه الضربات العسكرية الحاسمة.
ولكن في عام 1965، انتهت مهمته الجاسوسية بعد أن اكتشفت المخابرات السورية هويته.
جرى القبض عليه، لتبدأ رحلة التعذيب والتحقيق التي انتهت بالإعدام في ساحة الإعدام بدمشق في 1967، ليبقى اسم كوهين مرتبطًا بأحد أشهر عمليات التجسس في تاريخ الشرق الأوسط.
روايات حول اكتشاف هوية إيلي كوهين
تدور العديد من الروايات حول اكتشاف هوية إيلي كوهين، العميل الإسرائيلي الذي عمل في سوريا في الستينيات. من أبرز هذه الروايات:
التعاون بين المخابرات المصرية والسورية
حسب بعض التقارير، كان اكتشاف كوهين نتيجة للتعاون بين المخابرات المصرية والمخابرات السورية.
إذ جرى التقاط صور له وهو يتحدث مع قادة عسكريين في هضبة الجولان، مما جعل من السهل التعرف عليه. هذا التعاون كان من شأنه أن يعزز الجهود السورية لكشف الشبكات التجسسية في البلاد.
دور برأفت الهجان
في كتاب “دماء على أبواب الموساد”، يُذكر أن العميل المصري الشهير برأفت الهجان (رفعت الجمال) كان له دور في الكشف عن كوهين.
يُقال إن الهجان كان له معرفة بتفاصيل قد تساهم في تتبع وتحليل شبكة التجسس الإسرائيلية في المنطقة، مما جعل المخابرات المصرية تشك في نشاطات كوهين.
التحقيق في إشارات مشبوهة بالقرب من السفارة الهندية
هناك أيضًا رواية تفيد بأن كوهين كان يسكن في مبنى بالقرب من السفارة الهندية في دمشق.
يُقال إن العاملين في السفارة الهندية اكتشفوا تشويشًا على إشارات لاسلكية كانت تؤثر على التواصل الرسمي للسفارة، مما دفعهم إلى إبلاغ السلطات السورية.
وعند التحقيق، جرى اكتشاف أن كوهين كان وراء هذه التشويشات وتم القبض عليه متلبسًا وهو يتواصل عبر اللاسلكي.
إعدام إيلي كوهين: محاكمة سرية في دمشق
في 18 مايو 1965، تمت محاكمة إيلي كوهين في محاكمة سرية في دمشق، حيث جرى توجيه العديد من التهم إليه بما في ذلك التجسس لصالح إسرائيل ضد سوريا.
وبعد المحاكمة، حكم عليه بالإعدام بتهمة الخيانة. وفي نفس اليوم، جرى تنفيذ حكم الإعدام شنقًا في ساحة المرجة بدمشق
إعدام كوهين كان نقطة محورية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، حيث أظهرت المخابرات السورية في تلك الفترة قدرتها على كشف العملاء الإسرائيليين.
ولكنها في الوقت ذاته كانت نهاية مأساوية لأحد أخطر عملاء الموساد الذين تمكنوا من التسلل إلى قلب النظام السوري.
إيلي كوهين: بطل في إسرائيل
بعد إعدام إيلي كوهين، أصبح شخصية بطولية في إسرائيل، حيث تحول إلى رمز للتضحية والشجاعة في خدمة الدولة.
نظراً لدوره الكبير في جمع المعلومات الاستخباراتية الهامة التي ساعدت إسرائيل في حرب 1967، كان يُنظر إليه كأحد أبرز العملاء الذين عملوا لصالح الموساد.
في السنوات التي تلت وفاته، ظهرت العديد من الأفلام الوثائقية والدرامية التي تروي قصته وتوثق دوره في التجسس على سوريا.
كما جرى تكريمه في إسرائيل على مستوى عالٍ، حيث تمت الإشارة إلى عمله كمساهمة هامة في تعزيز أمن الدولة.
في عملية خاصة، تمكن الموساد الإسرائيلي من استعادة ساعة اليد التي كان يرتديها كوهين، وهي كانت تعتبر رمزًا له ولعمله الاستخباراتي.
وهنأ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الموساد على هذه العملية، واصفًا إياها بأنها “عمل حازم وشجاع”..