70 عاما من الرفض الثابت: كيف أفشلت مصر مخططات تهجير الفلسطينيين؟
وكأن الليلة تشبه البارحة، وكأن التاريخ يعيد نفسه بأسماء مختلفة وأزمنة متغيرة، لكن الفكرة واحدة: تهجير الفلسطينيين من أرضهم.
منذ نكبة 1948، لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن محاولاته لإعادة رسم خريطة الوجود الفلسطيني، واضعًا التهجير على طاولة المخططات كلما سنحت الفرصة.
وبينما تبدلت الحكومات وتغيرت المعادلات، ظل الموقف المصري ثابتًا، راسخًا كأهرامات الجيزة: “لا وطن للفلسطينيين إلا فلسطين.”
عبر العقود، مارست إسرائيل ضغوطًا هائلة على مصر ودول الجوار لتفريغ قطاع غزة، لكن القاهرة، حتى في أشد أوقاتها حرجًا، وقفت سدًا منيعًا أمام هذه المشاريع، من عهد عبد الناصر إلى السادات، ومن مبارك إلى السيسي.
كيف أفشلت مصر مخططات التهجير رغم تغير الظروف والأدوات؟ رحلة عبر ٧٠ عامًا تكشف كيف ظل الموقف المصري شوكة في حلق المخططات الإسرائيلية.
لا تفوّت قراءة: لولا مصر ما تحققت الهدنة: كيف ساهمت القاهرة في وقف إطلاق النار في غزة؟
مخططات تاريخية لتهجير الفلسطينيين.. “لا” مصرية لا تتزعزع
مصر ترفض “خطة سيناء” مقابل 30 مليون دولار
مع تصاعد الأزمة الفلسطينية عقب نكبة 1948، نزح ما يقارب 200 ألف لاجئ فلسطيني إلى قطاع غزة بحلول عام 1949، ما دفع جهات دولية إلى البحث عن حلول للتعامل مع التزايد السكاني في القطاع.
وفي هذا السياق، طُرحت “خطة سيناء” عام 1955، التي هدفت إلى توطين عشرات الآلاف من الفلسطينيين في مشاريع زراعية داخل سيناء، تحت غطاء اقتصادي واجتماعي، وبتمويل أمريكي تجاوز 30 مليون دولار.
ورغم محاولات تمرير المشروع، إلا أن الموقف المصري بقي حاسمًا.
فقد عُرضت الخطة على الرئيس جمال عبد الناصر، لكن القاهرة رفضتها بشكل قاطع، متماشية مع إرادة الفلسطينيين الذين واجهوا المشروع بانتفاضة واسعة عُرفت باسم “هبة مارس”.
ومع تزامن التحركات الشعبية الفلسطينية مع الموقف الرسمي المصري، جرى إجهاض المخطط بالكامل، ليشكل ذلك إحدى المحطات الرئيسية في سلسلة الرفض المصري الثابت لمحاولات تهجير الفلسطينيين.
مصر ترفض “مشروع ييجال آلون” و”مشروع العريش”
في عام 1967، طرح ييجال آلون، وزير العمل الإسرائيلي آنذاك، خطة لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة.
واعتمدت الخطة على التضييق الاقتصادي والمعيشي لدفع الفلسطينيين نحو الهجرة الطوعية، فيما عُرف بـ “مشروع ييجال آلون”.
وبعد سنوات، تبنت إسرائيل “مشروع العريش” عام 1970، والذي استهدف تفريغ قطاع غزة من سكانه.
ونصّ المخطط على نقل المئات من الفلسطينيين إلى سيناء والعريش، اللتين كانتا تحت الاحتلال الإسرائيلي آنذاك.
واجهت مصر هذا المشروع برفض قاطع، ما أدى إلى إفشال المخطط، وحماية 300 ألف فلسطيني في غزة من التهجير القسري.
“لا يمكن أن نقبل بتهجير الفلسطينيين إلى أي أرض أخرى.. فلسطين للفلسطينيين، وتهجيرهم يعني إنهاء قضيتهم”
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر
![](https://ar.scoopempire.com/wp-content/uploads/sites/4/2025/02/image-221.png)
لا تفوّت قراءة: مقترح ترامب لتهجير الفلسطينيين لمصر والأردن: كيف جاءت أبرز ردود الفعل العربية؟
حرب 1973: سيناء أرض مصرية ولا يمكن أن تكون وطنًا بديلاً لفلسطين
بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، عادت مخططات تهجير الفلسطينيين إلى الواجهة.
وطُرحت فكرة تبادل الأراضي، حيث تُخصص مناطق في سيناء لسكان غزة، مقابل منح مصر أراضي في صحراء النقب. لكن هذا المخطط انتهى بالفشل.
أرضنا لا تقبل المساومة وليست عرضة للجدل، التراب الوطني والقومي يعتبر لدينا في منزلة الوادي المقدس طوى، الذي كلم فيه الله موسى عليه السلام
الرئيس الراحل أنور السادات
وأكدت مصر رفضها لأي حل يكون على حساب الأرض الفلسطينية. وشددت على أن سيناء أرض مصرية، ولا يمكن أن تكون بديلاً عن فلسطين.
وفي خطابات الرئيس أنور السادات، ظل الموقف المصري واضحًا: “أرضنا لا تقبل المساومة، وليست عرضة للجدل.”
“لا يملك أي منا أن يتنازل عن شبر واحد منه أو أن يقبل مبدأ الجدال والمساومة عليه”
الرئيس الراحل أنور السادات
مبارك لنتنياهو: “أنسى الموضوع ده.. الحدود لا أنا ولا اللي أتخن مني يقدر يقدمها لكم”
خلال حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، عادت مخططات تهجير الفلسطينيين إلى الواجهة مجددًا.
وطرحت إسرائيل وأطراف دولية مقترحات لتوطين سكان غزة في سيناء، لكن مصر رفضت بشكل قاطع.
وفي إحدى المحادثات، عرض بنيامين نتنياهو على مبارك فكرة تخصيص جزء من سيناء للفلسطينيين.
وجاء رد مبارك حاسمًا: “أنسى الموضوع ده، أنت كده عاوز تبدأ الحرب بينا وبينك تاني، لأن الحدود لا أنا ولا اللي أتخن مني يقدر يقدمها لكم”.
وجاء هذا التصريح وفقًا لتسجيل صوتي كشفت عنه بعض وسائل الإعلام، ليؤكد مجددًا الرفض المصري الثابت لمثل هذه المخططات.
لا تفوّت قراءة: “وحدة الظل” في كتائب القسام.. ماذا نعرف عن القوة المسؤولة عن تأمين الرهائن الإسرائيليين؟
الحرب على غزة وإعادة مخططات التهجير.. مصر تكرر “لا”
منذ انطلاق طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، وتصاعد الحرب على غزة، حسمت مصر موقفها تجاه أي محاولات لتهجير الفلسطينيين.
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي رفضه القاطع لأي حديث عن نقل المدنيين من غزة تحت ذريعة حمايتهم من الهجمات.
ومع بداية الحرب، طرح السيسي صحراء النقب – وهي أيضًا أرض فلسطينية محتلة – كبديل لمن يفكر في تصفية القضية عبر التهجير إلى سيناء.
وحتى قبل الإعلان الرسمي عن هذه الخطط، أعلنت مصر رفضها المطلق. وعندما صدرت تصريحات ترامب بهذا الشأن، جاء الرد المصري حاسمًا على لسان رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي: “لن نكون جزءًا من أي ظلم يقع على الشعب الفلسطيني، ولن نسمح بسلب حقوقه”.