للقراءة السريعة: اختيارنا لنصوص متفرقة من أعمال أدبية

فكرنا في حل ثقل الحركة الذي يصيبنا جميعًا عقب فتة العيد والكحك والبسكوت، لذلك وجدنا أن الحل قد يكون قراءة نصوص مجمعة من أعمال أدبية مختلفة بأسهل طريقة ممكنة، لذا؛ قررنا مشاركتكم نصوص يتفاوت طولها من أعمال أدبية مختلفة أعجبتنا.

إبراهيم المصري- نهاية العالم كما نألفه

سيرافقُكَ ملفك الطبي، وهكذا تفتحُ هاتفك المحمول، وتعرف كم عددَ ضرباتِ قلبِك، كم مرَّةً تذكَّرتَ أمِّك وقد ماتت، كخُلاصةِ حنانٍ تتناولُه الآن، حبوبًا مُنومةً على صدرِها.

زيزي شوشة – من ديوانها القادم (لم يعلن اسمه حتى الآن) 

في هذا الليل

أود أن أقول كل شيء

أن أكتب حكايتي حتى تسودَّ يدي

أريد أن أهذي إلى أن أصير رمادًا

(لابد من تبديد هذا الجسد،

فكل ما لا يفني لا قيمة له)

واحد في طريق العودة

آخر في طريق الذهاب؛

شكلٌ هندسي يسهل محوه

حرفٌ لا قيمة له

رقمٌ لا يخل بالأمن العام

الرصيف جرح مستقيم

الطريق،

لا يحب من يرجعون إلى الخلف

أمي لا تفنى ولا تستحدث من العدم

في رأسي يقبع الزمن

ساحرة أنا في الليل

سأترك لكم التفاصيل

لأرتكن إلى هذا الجدار،

ثم أشقه بكلمة

ساحرة أنا في الليل

من نباح الكلب

أصنع عظمة

من صمتي ربطة عنق

من الليل قبضة يد. 

يوسف رخا – ولكن قلبي- دار التنوير/٢٠٢٠

لأنّ الهوى إما حنينٌ أو نجاة وأنتِ دائماً على الطَرَف المقابِل. كأنّ الحِقَب يا حبيبتي منازل: كلّ منزِل أتشبّث بترابه مُرتَعِباً حتى يحمِل متاعَه ويوليني ظهره بلا كلمة وداع. حتى مكان السَكَن شخصٌ مُسافر؟ ولقد حسِبتُني مُثرياً لمّا راكمتُ الدفاتر لكنني لا أتعرّف في صفحاتها عليّ. مَن يصدّق؟ أربعة وأربعون عاماً حتى أعرف أنّ المخازي قِفار: كل المَحَطّات التي شهدتْ مواقعي الآن سَوْءاتٌ مكشوفة على النواصي. لكنْ وَخَطَني الشيْب وعكّرتني الخطوب فلِمَ لا أسوق بي إم دبليو؟ وحين أستعرِض مناقبي لا أسمَعُهم يهتِفون باسمي وهم يرقصون. حتى أنتِ دونَك البحرُ وبضعةُ شواهق. مَن عَبَر طريقاً أمسى هو الطريق. والحياة أرنبٌ يثِبُ ولا يدري. صِرتُ سبّاحاً، تخيّلي! كهلٌ بمايوه ونظارة مياه يَرتاد بِركةً يلهث على حزّها. يَفزَع من نومه إذ يحلُم بأنّه بلغ الأربعين، كأنّ حياته الحاصلة كابوسٌ كلُّها. ولدى انتصاف الليل يغسِلُ الصحون. 

محمد فرج- مياومة هايكو عامل معاصر- المحروسة-٢٠٢٠ 

يجلسُ العامل أمام الشَّاشة، يكمل عملًا، يبدأ آخر، تبقى أعمالًا كثيرة بلا نهاية لوقت طويل، ويظلُّ العامل ينتظر رسائل.. تفيد بأنَّ ما تمّ قد تمّ فعلًا، ويتمنَّى لو أنَّه حاز إعجاب أحدهم، ورسائل أخرى تُذكِّر بضرورة إنجاز ما يجب إنجازه.

ويبقى العامل ينتظر رسالة تبدِّل مجرى اليوم، وربَّما تغير مجرى عالمه، رسالة تنبئه بأنه جيِّد، بل ممتاز. رسالة تخبره بوصول نقود. رسالة تخبره بقبوله في عمل جديد. رسالة حبّ. رسالة تخبره بأنَّ ما يفعله له معنى. انتظار طويل. الانتظار لا ينتهي، فقط يبدأ ويستمرّ.

أحمد وائل – تربية حيوانات متخيلة – دار المحروسة ٢٠٢٠

يتأمل الفراغ الممتد داخل حديقته. حُفر نصفها، وبقى فراغ مثل قبر مفتوح، وتنتشر بالآخر أشجار باسقة وحشائش. 

أراد أن تكون بين بيتيه حديقة تضمّ حمام سباحة. 

يقف أمام هذا القبر المفتوح، مفكرًا في متاعب الحياة، أو يستريح من التفكير، هذا التأمل الصامت سر تماسكه ربما، رغم الخطوب. 

المشهد من حوله خلفية من البنايات الطويلة، والتي يستمر  عمل البناة فيها لتعلو قاماتها بأدوار جديدة. يتهادى من كل الجهات ضجيج البناء، في حين ظل البيتان التوأمان كما هما منذ أُسّسا. 

لم يكتمل حمام السباحة بسبب ارتفاع تكلفة البناء والصيانة. 

يظل ينظر إلى القبر الذي أكل نصف حديقته، حلمه الذي استسلم لعدم تحققه، مستسلمًا لعدم قدرته على أن يكون برجوازيًا. حمام السباحة عزلة يصنعها المال، وتُصقل بالرخام. رفاهية تعزز رفاه السكن البرجوازي. 

داخل القبر المفتوح في الحديقة تتساقط ثمار المانجو من الأغصان، وحول محيطه تتكاسل القطط وهي تمط أجسادها في حين تستمتع بحمام الشمس. 

يعيد الرجل صياغة حلمه الجاثم كقبر مفتوح يأكل نصف الحديقة، يزرع بعض الأشجار داخل حمام السباحة المغدور. يؤسس درجًا ليتمكن من النزول يومًا بعد يوم ليروي أشجاره. 

ذات يوم، يُنقل الرجل إلى المستشفى بعد ضرر كبير أصاب حوضه وعظام الظهر. ولم يصدق أحدٌ أن السراب قد يبدو مقنعًا لهذا الحد. الأشجار كانت مغروسة في أرضية حمام السباحة، والمياه كانت تغمرها، وهو قفز سريعًا دون أن يخلع ملابسه ليعوم. 

علاء خالد- العدم أيضًا مكان حنين- الهيئة العامة للكتاب- ٢٠٢٢

الحياة التي أحملها معي

الحياة التي اتخذت هيئة جسمي

الحياة التي أصعد بها على الرصيف خوفا من العربات المسرعة 

الحياة التي أغطيها بواق شفاف

الحياة التي يدق المطر على سقفها بقوة

الحياة التي أصبح بيني وبينها حائط زجاجي

أنظر اليها اليوم كوديعة بعد أن كانت بالأمس القريب عضوا من أعضائي

كنت أدور بها فى حقيبة ظهري، وأضعها بجانبي على كرسي المقهى، وربما أنساها 

كانت شفافة بالقدر الذى يسمح لي بنسيانها. 

نسرين أكرم خوري- أركل البيت وأخرج- دار نينوي ٢٠١٨

النّساء خلف النوافذ متشابهات يسرقن من اليوم دقائق يحشونها داخل لفافةٍ يهرب دخانها من شقٍّ في البلّور، يطبعن قبلةً على غبشهثمّ يمسحنها على استحياء.أعظم الخيانات تلك التي لا تترك خلفها أثرًا.فجر اليوم تأمّلت البحر الرّمادي والأغصان المبتلّة لا بشر يعبرون نافذتي مفرحٌ ألاّ يرى أحدٌ كم تبدين جميلةً عند الفجر محزنٌ ألاّ يرى أحدٌ كم تبدين جميلةً عند الفجر قلتُ ذلك لنفسي ثم مضيتُ من دون أن أمسح القبلة وها أنا أنتظر أن يفيق العالمُ ليرى خياناتي قبل أن يغسل وجهه.

جيهان عمر- قبل أن يرتد إليك طرفك- دار العين ٢٠٢٤

بعد قراءة الشعر على شاطئ قرية كيرالا الهندية، ألتفتُ إلى موهيت؛ المتطوع الشاب الجالس بجانبي، المكلف بمرافقة الشعراء، لأسأله لو كان يملك دواءً للصداع الذي داهمني بسبب نسبةالرطوبة العالية، فقال:”تعالي واستندي إلى الجدار هنا لمدة دقيقة واحدة”.نظرت إلى الحائط، استندت بكلتا يديَّ ووضعت رأسي كما نصحني وكأنني أريحه من حمل ثقيل. وضع إصبعين على فقرات الرقبة ليفتح مسارًا للطاقة المعطلة وسحب الألم وكأنه ينزع ورقةً من كتاب. نظرت خلفي لأكتشف شكل الألم الذي ما زال يقطر من يده، فلم أجده.. كان قد ذهب لمهمة أخرى.فكرت كيف يتخلصون من الألم في ثوانٍ، بينما نتعود على مصاحبته وترويضه، نُخبِّئه أحيانًا تحت الوسادة ونلتقطه في الصباح، نرعاه كطفل صغير، ثم نلقي عليه السلام كفرد بالغ مثل ربيب للعائلة.

تعليقات
Loading...