قصص من تحت ركام الزلزال: عن الموت والفقد والصراخ والمتسببين في كل هذا الدمار
فجر يوم الاتنين 6 فبراير، على حدود تركيا وسوريا، ضرب زلزال مدمر بقوة 7.8 ريختر، واتسبب في دمار كبير جدًا، ومات عشرات الآلاف من البشر.
استنفر العالم في وجه الكارثة الإنسانية دي، وبعتت الدول قوافل من المساعدات والإغاثات علشان تدعم ضحايا الزلزال، وفي وسط الركام والأنقاض والجثث والصراخ عاش الناس قصص مؤلمة، قصص هتناول بعضها في المقال ده، وإن كنا مش هنقدر نبين ولو جزء بسيط من قسوة المعاناة.
من تحت الركام: نباح كلبة ينقذ صاحبتها
الموقع: ولاية هاتاي التركية، شارع أتاتورك، الزمن: بعد 103 ساعة من الزلزال، المشهد العام: بيوت عاشت فيها أسر بحكاياتها وأحلامها وطموحاتها اتحولت لركام وأنقاض على مد النظر، الصراخ والأنين والدموع تملأ خلفية المشهد الغارق تحت حرارة الشمس القوية، زي موسيقى تصويرية كئيبة.
فرق الإنقاذ بتجري بين الأنقاض والمصابين بتسابق الزمن علشان تنقذ أرواح مدفونة تحت بقايا ذكرياتهم وحيواتهم اللي انهارت على رؤوسهم، ووسط الضغط العصبي والصراخ والأنين، كلبة بتنبح، صوتها القوي والحزين بيجذب فرق الإنقاذ اللي بتتبع صوتها لحد ما توصل لموقعها.
ولكن مصدر صوت النباح مجرد كومة من أنقاض بيت، بيسارع فريق الإنقاذ في تحريك الركام، ويكتشفوا ست عندها 35 سنة وكلبتها جنبها بتنبح، بتتنقل الست للمستشفى، والكلبة تتاخد للاعتناء بها لحد ما صاحبتها تفوق.
بين الحطام والبرد: فقدت فاطمة كل شيء
في ولاية أديامان، جنوب تركيا، تحت ستار الليل، انخفضت درجة الحرارة لتحت الصفر، وبين أنقاض شوارع مشي فيها أهل الحي وتبادلوا الأحاديث والضحكات، قعدت فاطمة فيجن مع أختها وأخو جوزها، حوالين النار بيدوروا على الدفا.
حوالين العيلة المصابة اللي بتعيش أسوأ الظروف، بتنتشل فرق الإنقاذ الجثث من تحت الركام.
فقدت فاطمة خلال ساعات الزلزال كل شيء في حياتها، وبتحكي: “لقد كان هناك كثير من القتلى في عائلة زوجي، أمه وأبوه وأخواته وإخوته وأبنائهم وبناتهم. منزل عائلتنا انهار”.
فقدت فاطمة 30 من عيلتها تحت الأنقاض، واتحول 10 من أطفال العيلة لأيتام. عرضت الست الحزينة صورة لبيتها قبل الزلزال، واللي كان مكون من أربع أدوار عاش فيهم تلات أجيال من العيلة.
لسه الصدمة مسيطرة على الناجيين من الزلزال، فبتقول فاطمة: “حتى عندما نقف، لا نزال نشعر بأننا نهتز”.
رسالة من تحت الأنقاض
مرت على سوريا سنوات حرب وقصف وغارات، انهارت فيها البيوت ومات فيها المواطنين الأبرياء، ووسط كل الأهوال السورية دي قدر رجل سوري اسمه ناصر الوكاع يحافظ على سلامة أسرته وحفظ القدر بيته، ولكن جيه الزلزال في لحظة وهدم البيت الموجود في شمال غرب سوريا، وتحت الركام فقد زوجته ومعظم أولاده.
قدر رجال الإنقاذ ينقذوا اتنين من أولاده من تحت الأنقاض، ولكن زوجته وخمسة من أولاده على الأقل ماتوا، وقعد الوكاع وسط الأنقاض ينعي زوجته وأولاده وهو محتضن لبس واحد منهم.
وتمكن رجال الإنقاذ من إخراج اتنين من أبنائه من تحت أنقاض المنزل خلال الليل، وأظهرت لقطات مصورة الطفلين مصابين بكدمات، لكن زوجته و5 من أبنائه على الأقل لاقوا حتفهم. وفي مشهد مؤثر يفطر القلوب، جلس الوكاع وسط الأنقاض والكتل الخرسانية ينعي زوجته وبقية أبنائه محتضن ملابس أحد المتوفين.
بيقول الوكاع: “ارتج البيت، نحن متعودين يعني، متعودين ضرب الطيارة، متعودين ضربة صاروخ، ينزل عليك برميل، نحن متعودين عليها، لكن زلزال يعني، هذا أمر الله“.
في إيد الوكاع حتة ورق كتبتها بنته الكبرى هبة، اللي ماتت تحت الأنقاض، بخط إيدها في دفتر لقاه مدفون تحت الأنقاض، كتبت هبة: “اللهم إني أستودعك أغلى ما أملك، فاحفظه لي، أنت في حفظ الله وفي قلبي أنا، أبو فيصل (كنية أبيها)“.
كانت شقق فاخرة والنهارده بقت تراب
في ليلة باردة ومظلمة، اتجمع عدد من الناجين من الزلزال حوالين النار في مدينة غازي عنتاب التركية، مجمع عائشة محمد بولات، ووراهم هضاب من الركام والتراب لمباني كانت في يوم شقق فاخرة، بيتسابق الناس علشان يشتروها.
أكتر من 136 شخص فقدوا حياتهم تحت حطام الشقق الفاخرة دي، بيقول الموسيقي يونس إمره، اللي فقد ابن عمه وعيلته المكونة من أربع أفراد: “هذه واحدة من أفخم المناطق السكنية في غازي عنتاب، الأغنى كانوا يعيشون هنا، كانت هذه الشقق تباع بالملايين، لكن الزلازل لا تهتم بأسعار العقارات عندما تضرب”.
الأبنية السكنية في المجمع اتبنت في انتهاك واضح لكود البناء، استخدم المقاول مواد بناء رديئة، وصدق موظفين الحي على المشروع وهما عارفين إنهم بيلعبوا بسلامة السكان في حالة حدوث زلزال، وبالفعل انهار أربع مباني من أصل ستة لما ضرب الزلزال في ثواني.
فوق الأنقاض قعد الناجين، وتحت الأنقاض جثث الضحايا وأرواح سجينة تنتظر الموت، والكل مش عارفين يلوموا مين على الجريمة اللي ارتُكبت في مشروع مجمع عائشة محمد بولات.
الملاك الحارس: بهاء الدين آشان
في شوارع مدينة بنغازي التركية، وبين الحطام، بيتهامس الناس عن شجاعة بهاء الدين آشان، الراجل اللي قضى ساعات بيرفع الأنقاض بإيديه، وقدر ينقذ سبع أشخاص.
بيقول بهاء الدين: “رأيت المبنى يتأرجح وينهار، هرعت إليه، كان الجو مظلمًا والسماء تمطر والثلج على الأرض، كنت أول من وصل إلى هنا”. كان بهاء الدين بيشتغل حارس أمن في مجمع عائشة محمد بولات السكني.
جوا أنقاض واحد من المباني المدمرة، دخل بهاء الدين وهو بينادي على المحاصرين تحت الركام، وردت عليه بعض الأصوات، وبعد ساعات من العمل الشاق قدر ينقذ بعض الأصوات دي.
في مقطع فيديو مروع لبهاء الدين، التقطه داخل أنقاض المبنى اللي دخله، وظهر فيه بينادي على المحاصرين ويرد عليه بعض الناس، بيقول: “أنقذت سبعة أشخاص بنفسي. كان الأمر أشبه بنهاية العالم، حتى الآن وأنا أتحدث إليكم ما زلت أرتجف”.
وعن عيوب البناء في المجمع السكني بيقول: “في موقف السيارات شاهدت العيوب بأم عيني، عندما لمست الأعمدة الخرسانية كانت تتفتت وتتحول إلى غبار في يدي، وكأنها لم تكن خرسانة على الإطلاق، كان الحديد يصدأ في الأعمدة وكان هطول الأمطار يؤدي إلى إتلاف الحديد وتآكله”.
وبيضيف: “كنت أقول لصديق لي مرارًا، لو أعطوني شقة هنا فلن آخذها لأنني كنت متيقنًا أن الأعمدة غير متينة وفي حال حدوث زلزال سينهار المبنى”.
أخيرًا: كل من عاش المأساة دي محتاج دعم مننا، سواء في صورة تبرعات، أو في صورة أدعية أو صلوات، أو حتى مجرد كلمة طيبة تتقال على وسائل التواصل الاجتماعي تحسسهم إن في قلوب متعاطفة معاهم، وإنهم مش لوحدهم في الأزمة دي.