12 عددا صدروا من مجلة “أمكنة” التي أسسها الشاعر والروائي والناثر “علاء خالد”، وعادة تعرف مواد هذه الأعداد على أنها تتعلق بما يكتب عن المكان، وبالرغم بأن هذا تعريف مجحف عما تحتويه الأعداد وموادها وحتى مجحف فإن تعرف مؤسسها بأنه الكاتب الذي كتب عن المكان أو الكاتب السكندري، لأنه ينتقص من حق “علاء” وكتابته، وربما لأنه المهم فيما كتبه “علاء خالد” عن المكان أو عما يسمى بأدب المكان، أنه أخذ أدب المكان إلى مساحة جديدة، مساحة رصد فيها ما لا يرى، لم يهتم “علاء” ربما برصد المكان والكتابة عنه كما هو، هناك مساحة تحرك بداخلها “علاء” أبصر نفسه من خلالها، ساعدت على على المختلف لما يجب أن يكتب عن المكان، ولكن لفهم العلاقة المركبة بين “علاء” والمكان علينا العودة إلى كتابه البديع “خطوط الضعف” والذي صدر عام 95 من دار نشر “شرقيات”، ثم نتدرج لما تلاه ولحظة بداية أمكنة في عام 1999.
خطوط الضعف
صدر كتاب علاء الذي يقع بين الكتابة عن المكان وبين ما يمسى “non-fiction”، ومن بعد ثلاثة دواوين شعرية صدرت في بداية التسعينات، يمهد “علاء” لك عن المكان، بتأمله (رجل مصاب ببثور جلدية رآه في القطار) وربما كان ذاهب إلى “سيوة” للعلاج في رمال “جبل الدكرور” وربما قد يكون لمن لم يقرأ الكتاب أن هذا التأمل تحذلق من الكاتب، ولكن الحقيقة أن فكرة تغير جلده بعد زيارة مكان بعينه.
تشبه رحلة “علاء” الذي أنتقل من الإسكندرية إلى واحة “سيوة” بالقطار وكان يبحث عن نفسه، وربما ما كتبه في الكتاب يكون معبرًا عن علاقة الكتابة نفسها بالمكان:” أى مسافة للبعد عن شىء ما، هى أيضا مسافة للخوف. خوف من نوع آخر، لنقل الصدام الوشيك إلى مكان جديد، سيتغير فيه الطرفان، لأستقبل ذاتى فى مكان جديد وعبر وسائط جديدة. ماذا أفعل وهناك أشياء مازالت تخيفنى؛ الظلام، وتجسد الموت. وأن أفقد روحى فى مجتمع لن يحافظ عليها، أو داخل إنسان أحبه” لأن هذا ما حدث بالفعل معه، في من خلال المكان الجديد قرر “علاء” في نهاية رحلته مصارحة حبيبته “سلوى” والعودة لها في الإسكندرة لتزوجها، وكأن المكان اكتسب وجودًا آخر له في العلاقة نفسها كأنه وجود للحظة ميلاد بديلة عن بلد النشأة.
أمكنة
“أمكنة” هي الدورية التي عبرت عن علاقة مختلفة بالمكان ولكنها أيضًا ساهمت في اكتشاف علاقة الكتابة بالمكان، عبر تأمل لشيء شديد البساطة وربما لم نكن لنلاحظه من الأساس لأنه عابرًا، ولكن لأن ليس هناك شيء يعبر “علاء” دون أن يمس قطعة من روحه، كتب “علاء” عن العالم من خلال رؤيته للعالم على إنه مدينة كبيرة.
الإسكندرية التي لا يعرفها الجميع رأى فيها ما لم نره نحن، وفي روايته “بيت الحرير” كتب عن القاهرة ورأى فيها ما لا يرى، وجعل من “أمكنة” مجلة تعني بالكتابة عن المكان لا بغرض رصده بل بغرض رؤيته بشكلٍ مختلف إذا كان المكان مدينة أو شارع أو حتى زقاق، تحمل كتابته أن مرورنا بالمكان علامة على تحول ذواتنا، “علاء” وما كتبه هو ما يعبر عنه أنه رأى ما لم نراه في الأماكن التي ربما نمر بها دون أن تمس أرواحنا، ويأتي هذا المقال في اللحظة التي أعلنت دار “المرايا” عن كتابه الجديد “كرنفال القاهرة” وقرب توزيعه على المكتبات، لنرى قاهرة التسعينات ولكن بعينيه.