قانون المسؤولية الطبية الجديد: كيف يغير وجه النظام الصحي في مصر؟

في خطوة بارزة نحو تحسين قطاع الصحة في مصر، وافق مجلس الشيوخ، برئاسة المستشار عبدالوهاب عبد الرازق، على مشروع قانون تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض من حيث المبدأ.

المشروع الذي يهدف إلى تحقيق التوازن بين حقوق المرضى وواجبات الأطقم الطبية، وفي نفس الوقت، تحديد مسؤولية القائمين على إدارة المنشآت الطبية، أصبح محورًا للجدل والانتقادات في الأوساط الطبية.

لكن النقطة التي أثارت أكبر قدر من النقاش، هي فرض عقوبات مشددة، وعلى رأسها الحبس الاحتياطي للطبيب في حال ارتكابه خطأ طبي.

هذا البند، الذي يراه البعض ضرورة لتحقيق العدالة، أحدث صدامًا مع النقابة العامة للأطباء، التي رفضت المشروع بصيغته الحالية، وطالبت بتأجيل تنفيذه.

لماذا هذا الرفض؟ ما الذي يخشاه الأطباء من هذا القانون؟ وهل يتجه القطاع الطبي إلى هجرة الأطباء كما يعتقد البعض؟

ومع تزايد التخوفات من تأثير القانون على مستقبل المهنة، يبرز السؤال الأهم: كيف رد المشروع والمختصون على هذه المخاوف؟ وهل يُعتبر هذا القانون خطوة حاسمة نحو تطوير المسؤولية الطبية في مصر؟

في هذا السياق، نجد أن المشروع قدم ميزات جديدة تتجاوز القانون القديم، مما قد يمثل نقطة تحول في حماية المريض وضمان العدالة في معالجة الأخطاء الطبية.

في هذا التقرير، سنستعرض أبرز التحديات والفرص التي يطرحها مشروع القانون، وكيف قد يغير ملامح القطاع الطبي في مصر.

قانون الأطباء الحالي: ماذا يقول؟

تستمر التخوفات بين الأطباء بشأن مشروع قانون تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض، خاصة فيما يتعلق بـ معاقبة أي خطأ طبي، ولكن هذا التشريع في الحقيقة يهدف إلى توفير حماية أفضل للأطباء مقارنة بالقانون الحالي. فهل ستكون المعاقبة شاملة لأي خطأ طبي، أم أن الأمر أكثر دقة؟

في تعليق له، أشار النائب طارق عبد العزيز، باسم حزب الوفد، إلى أن القانون الحالي يعامل الأطباء بنفس الطريقة التي يجرى بها معاقبة المجرمين في المجتمع، حيث يُطبق قانون العقوبات المصري في حالات الخطأ الطبي.

واعتبر أن الأطباء في النظام الحالي يُعاملون مثل سائق النقل المتعاطي للمخدرات، إذ يجرى التعامل معهم بنفس الطريقة التي يُعامل بها أي مجرم، دون أن يكون هناك تصنيف أو تمييز بين الأخطاء الطبية المقصودة وغير المقصودة.

قانون المسؤولية الطبية الجديد: هل يُعاقب أي خطأ طبي؟

ولكن، مشروع القانون الجديد يضع إطارًا محددًا للمسؤولية الطبية، مما يساهم في تصنيف الأخطاء الطبية وفقًا لدرجة تأثيرها وحجمها.

هذه الفلسفة تعني أن الأطباء لن يُعاقبون عن أي خطأ كما كان الحال في السابق، بل سيكون هناك تقييم دقيق للخطأ في كل حالة على حدة.

وأشار عبد العزيز إلى أن القانون الجديد الذي يختص بالأطباء، ويحدد بشكل منفصل المسؤولية الطبية، يعد خطوة إيجابية، مشيدًا بحكومة الدولة التي بادرت بإقرار هذا التشريع المخصص، والذي سيمنح الأطباء حماية أكبر من التصنيف الخاطئ للأخطاء، ويضمن في الوقت ذاته حقوق المرضى.

إذن، يمكن القول إن المشروع لن يعاقب على أي خطأ طبي بشكل عشوائي، بل سيُحدد المسؤولية وفقًا للأطر القانونية المناسبة، مما يمثل خطوة نحو تنظيم القطاع الطبي وحمايته من الظلم.

لا تفوّت قراءة: كارثة عيد الميلاد: من هو الطبيب السعودي منفذ عملية الدهس في ألمانيا؟

النقابة ترفض مبدأ الحبس: خلافات حادة حول عقوبات المشروع

في سياق الجدل المثار حول مشروع قانون تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض، كانت النقابة العامة للأطباء في طليعة المعارضة لمبدأ الحبس الاحتياطي للطبيب.

النقابة أكدت رفضها لهذا التوجه، وطالبت باستبداله بالعقوبات المالية، مثل التعويضات، بما يتماشى مع المعايير المتبعة في معظم دول العالم ودول الخليج.

بالنسبة للنقابة، فإن فرض عقوبات السجن على الأطباء في حال ارتكابهم أخطاء طبية، حتى وإن كانت غير جسيمة، يُعد مجحفًا بحق الممارسين الطبيين.

قانون المسؤولية الطبية: رد لجنة الصحة بمجلس الشيوخ

من جانبه، دافع أحمد عبد الماجد، عضو لجنة الصحة بمجلس الشيوخ، عن مادة الحبس في المشروع، مؤكداً أن هذه المادة تقتصر على الحالات التي تشمل إهمالًا طبيًا جسيمًا فقط، مثل العمل تحت تأثير المخدرات، أو إجراء عملية جراحية في غير التخصص الطبي، أو العمل في أماكن غير مؤهلة طبيًا.

وأوضح أن هذه العقوبات لا تشمل الأخطاء الطبية البسيطة أو العادية، التي تتسم بطابع غير متعمد.

قانون المسؤولية الطبية: الجدل حول الإلغاء والتعديل

وأضاف عبد الماجد أن إلغاء مبدأ الحبس للأطباء يعد تمييزًا في حقهم، ويخالف الدستور المصري، حيث إن ذلك يتعارض مع قانون العقوبات المصري الذي يحدد مسؤولية الأفراد، بما في ذلك الأطباء، في حال وقوع إهمال جسيم يضر بالآخرين.

وأشار إلى أن المشروع يهدف إلى وضع إطار قانوني دقيق لا يعامل الأطباء مثل أي شخص آخر في المجتمع، بل يراعي خصوصية المهام الطبية والمسؤوليات الكبيرة التي تقع على عاتقهم.

وبالرغم من هذه الدفاعات، يظل الجدل قائما، مع موافقة البعض على فكرة التنظيم القانوني للمسؤولية الطبية، بينما يرى آخرون أن هذا سيزيد من الضغط النفسي على الأطباء، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها القطاع الصحي.

هل سيسلب قانون المسؤولية الطبية حق النيابة في جريمة “الخطأ الطبي”؟

منذ طرح مشروع قانون المسؤولية الطبية وحماية المريض، بدأ يتساءل البعض عن تأثيره على اختصاصات النيابة العامة، خاصة فيما يتعلق بجريمة الخطأ الطبي.

هل النصوص الواردة في المشروع ستؤدي إلى سلب حق النيابة العامة في ممارسة اختصاصاتها القانونية؟

هذا السؤال كان محورًا للعديد من المناقشات القانونية والسياسية.

رد وزير شؤون المجالس النيابية

في ردٍ على هذه التساؤلات، المستشار محمود فوزي، وزير شؤون المجالس النيابية والتواصل السياسي، أكد أنه لا يوجد أي سلب لاختصاص النيابة العامة في قضايا الخطأ الطبي.

وأوضح أن القانون الجديد يقدم طريقين لمعالجة القضايا الطبية:

الأول هو طريق إداري مهني يجرى من خلال لجنة مختصة تقرر المسؤولية الطبية، وهو ما يختص بتحديد ما إذا كان الخطأ الطبي ناتجًا عن إهمال جسيم من الطبيب أم لا.

أما الطريق الثاني فهو الدعوى الجنائية، التي يمكن للمريض المتضرر اللجوء إليها للحصول على العدالة القانونية من خلال النيابة العامة.

التأكيد على توازن الاختصاصات

وأشار فوزي إلى أن النيابة العامة تظل صاحبة الاختصاص الأصيل في التحقيقات الجنائية المتعلقة بالخطأ الطبي، وبالتالي لا يوجد تداخل بين عمل اللجنة الإدارية المعنية بالتقييم المهني للمسؤولية الطبية، وبين عمل النيابة العامة في التحقيقات الجنائية.

وأضاف أن هذه التقسيمات ستضمن توازنًا بين حماية حقوق المرضى والعدالة للأطباء، دون التعدي على اختصاصات أي من الجهتين.

لا تفوّت قراءة: زواج الفتيات بعمر الـ9 سنوات: تعديلات قانونية تثير الجدل في العراق

هل توجد عقوبة رادعة حال وفاة المريض بسبب خطأ طبي؟

وفقًا لمشروع قانون المسؤولية الطبية الجديد، جرى إقرار مجموعة من العقوبات التي تهدف إلى التصدي للأخطاء الطبية، بما في ذلك حالات الوفاة الناجمة عن هذه الأخطاء.

هذه العقوبات وضعت لتحديد مستويات الخطأ ومدى جسامته، مع توفير حماية قانونية لحقوق المرضى وتوضيح المسؤوليات الواقعة على مقدمي الخدمة الطبية.

العقوبات المقررة لحالات الوفاة بسبب الخطأ الطبي

  1. العقوبة الأساسية:
    إذا تسبب أحد مقدمي الخدمة الطبية في وفاة متلقي الخدمة نتيجة خطأ طبي، فإن العقوبة تكون الحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تتجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
  2. العقوبة المشددة:
    إذا ارتكب مقدم الخدمة خطأً طبيًا جسيمًا أدى إلى الوفاة، أو كان تحت تأثير المخدرات أثناء ممارسة عمله، أو امتنع عن تقديم المساعدة للمريض أو طلب المساعدة الطبية رغم قدرته على ذلك، فإن العقوبة تكون:
    • الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن 5 سنوات.
    • غرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تجاوز 500 ألف جنيه.
    • أو بإحدى هاتين العقوبتين.

تشديد العقوبة في الحالات الجسيمة

القانون شدد العقوبات في الحالات التي يُعتبر فيها الخطأ متعمدًا أو ناتجًا عن إهمال جسيم. على سبيل المثال:

  • العمل تحت تأثير المخدرات.
  • تنفيذ عمليات أو إجراءات طبية في تخصص غير معتمد لدى الطبيب.
  • تجاهل حالة المريض بشكل يؤدي إلى تفاقم الوضع الصحي أو الوفاة.

ماذا عن العقوبات في حالة العاهات المستديمة؟

مشروع قانون المسؤولية الطبية الجديد لم يقتصر على حالات الوفاة بسبب الأخطاء الطبية، بل حدد أيضًا العقوبات في الحالات التي تسفر عن إصابات أو عاهات مستديمة للمرضى نتيجة للأخطاء الطبية.

العقوبات في حالة الإصابات

إذا تسبب مقدم الخدمة الطبية في جرح أو إيذاء متلقي الخدمة نتيجة خطأ طبي، تكون العقوبة:

  • الحبس لمدة لا تزيد عن سنة.
  • أو غرامة لا تجاوز 50 ألف جنيه.
  • أو بإحدى هاتين العقوبتين.

العقوبات في حالة العاهات المستديمة

أما إذا أدى الخطأ الطبي إلى إصابة المريض بعاهة مستديمة، تكون العقوبة أشد:

  • الحبس لمدة لا تزيد عن سنتين.
  • أو غرامة لا تجاوز 300 ألف جنيه.
  • أو بإحدى هاتين العقوبتين.

هل تهديد مقدم الخدمة الصحية معاقب عليه في المشروع الجديد؟

نعم، مشروع قانون المسؤولية الطبية الجديد فرض عقوبات على من يتعدى بالإشارة أو القول أو التهديد على مقدمي الخدمة الصحية أثناء تأدية عملهم أو بسبب تأديته. وتتمثل العقوبات في:

  • الحبس لمدة لا تزيد على 6 أشهر.
  • أو غرامة لا تتجاوز 10 آلاف جنيه.
  • أو بإحدى هاتين العقوبتين.

هذه العقوبات تأتي لضمان بيئة عمل آمنة لمقدمي الخدمات الطبية وحمايتهم من أي تهديد أو اعتداء يعرقل عملهم.

ماذا عن ميزات المشروع بالنسبة للأطباء؟

مشروع القانون الجديد لم يغفل عن حماية الأطباء، حيث قدم العديد من المزايا لدعمهم في ممارسة مهنتهم دون خوف من الملاحقات القانونية غير المبررة. من أبرز هذه الميزات:

ينص المشروع على توفير الحماية الجنائية للأطباء ضد الاتهامات المبالغ فيها أو غير المستندة إلى أدلة واضحة.

إنشاء اللجنة العليا لتلقي الشكاوى:

تهدف اللجنة إلى معالجة الشكاوى المقدمة من المرضى أو مقدمي الخدمات الطبية، مع مراعاة التوازن بين حقوق الطرفين.

صندوق تأمين حكومي:

يدعم الأطباء ماليًا من خلال المساهمة في دفع الغرامات والتسويات الناتجة عن القضايا الطبية.

فرض عقوبات على المعتدين على الأطباء والمنشآت الطبية:

يفرض القانون غرامات وعقوبات على من يتعدى على المنشآت الطبية أو مقدمي الخدمة، مما يعزز من حماية الأطقم الطبية.

حق التظلم:

يتيح المشروع للطبيب والمريض حق التظلم من القرارات الصادرة عن اللجنة العليا، مما يضمن شفافية الإجراءات.

ضمانات الحبس الاحتياطي:

يحدد القانون ضوابط صارمة للحبس الاحتياطي، حيث لا يجرى الحبس إلا بقرار من رئيس نيابة، كما ينص على التعويض عن أي حبس احتياطي غير مبرر.

التصالح في مراحل الدعوى:

يسمح القانون بالتوصل إلى تصالح في القضايا الطبية خلال أي مرحلة من مراحل الدعوى، مما يقلل من التصعيد القانوني.

حماية جنائية للأطقم الطبية:

ينص المشروع على توفير الحماية الجنائية للأطباء ضد الاتهامات المبالغ فيها أو غير المستندة إلى أدلة واضحة.

وزير الصحة يرد على انتقادات قانون المسؤولية الطبية

قال وزير الصحة والسكان الدكتور خالدعبد الغفار خلال الجلسة العامة لمجلس الشيوخ بعض التصريحات الخاصة بالقانون:

  • قانون المسئولية الطبية هو قانون متوازن، وأن اللجنة العليا التابعة لرئيس الوزراء هي من يقع على عاتقها الحسم فيما يعرض بخصوص القضايا المتعلقة بالمسئولية الطبية.
  • النص الوارد فى مشروع القانون، يمنح صلاحية قرار الحبس الاحتياطى، لدرجة رئيس نيابة على الأقل، وليس وكيل نيابة، مع التقدير الكامل لكافة الدرجات القضائية.
  • المشروع حدد الحالات التى يجوز فيها الحبس الاحتياطى ما يعنى أنها ليس متاحة فى كل الحالات.

لا تفوّت قراءة: الزوجة الثانية في قانون الزواج الجزائري: بين السماح والمنع

تعليقات
Loading...