قليلاً من البهارات والخبرات الحياتية: لماذا تجاوز طعام الشارع مجرد سد الجوع؟
نداءات ألهمت الموسيقيين قبل إغراء المارة للشراء، أكل الشوارع أو الأكل على الواقف من العربيات، حالة وتجربة استثنائية يعيشها الفرد الذي قرر أن يقوم بالاستغناء عن قلقاس الست الوالدة.
يذكر أن رحالة إيطالي قال في القرن الرابع عشر، إن أهالي القاهرة كانوا يحضرون سجاجيد مصنوعة من القماش أو الجلود ويجلسون عليها على جوانب الطرق يتناولون طعامهم المكون من الكباب والأرز والكثير من المأكولات الأخرى، التي كانوا يشترونها من الباعة الجائلين، ولكن ماذا عن تجربة أكل الشوارع الآن في مصر؟
حليب يا فول
العربيات كانت قديمًا مقتصرة على الفول والفلافل والكشري والكبدة والسجق حمص الشام “خروجة الحبيبة الرومانسية على الكورنيش”
خلقت لنفسها معالم وهوية واضحة، وإلى جانب ألوانها البراقة ورسوماتها اليدوية، تجد عربيات الفول مثلًا منثور عليها نماذج من الخط العربي سواء كان في آيات قرآنية أو أقوال مأثورة، وعربات حمص الشام أو السجق تجد حكم شعبية تروق للحكم التوكتوكية، وجميعهم يقفون في مواقع استراتيجية لجذب الزبائن، كلاً منهم له جدول مواعيده غير ملتزمين بساعات عمل وعلى رأي المثل “إن خلص الفول أنا مش مسؤول” من 4 صباحًا إلى 10 مساءًا واحيانًا يمتد للظهر على حسب انتهاء الكمية، وحمص الشام أصحاب الليل وآخره وهكذا.
وبالمرور الزمني والتطور التكنولوجي ظهرت موديلات ونماذج جديدة من العربيات فبدأت تتجه لنوعيات من الأكل لن نعتاد عليها، عربيات السوشي، البرجر، الزلابيا والوافل وعربيات للقهوة والدونتس، كلها مشاريع شبابية دخلت على الخط وشاركت في تجربة الشارع الاستثنائية، وأصبحت الإمكانيات الحديثة تدخل على العربيات وتحولت من عربيات يد تجر في الشارع بتصاميم بسيطة، لتصاميم مبتكرة تناسب العصر.
وماذا عن تجربة طعام الشارع ؟
من خلال تجربتنا بزيارة أكثر من عربة شارع يقدمون وجبات مختلفة وأشكال مختلفة، ستجد أن المتعة مشتركة، ستعيش حالة من الإبهار البصري، ولم أقصد هنا على شكل أو تصميم العربة بل على العرض الذي يشبه العرض المسرحي الذي يقوم به صاحب العربة كجزء من مهمته، بداية من كونك طلبت الطلب وأنت تشاهد عروض في صنع وتقديم وتغليف الطعام وفي أدق وصف لأحد مرتادي عربيات الأكل ” بتحس بألفة بينك وبين الأكل وأنت بتشوفه بيتعمل قدامك من قبل حتى ما تاكله.. الروائح اللي بتطلع والدخان من كل حتة وأنت مستني بلهفة وشوق الطلب بتاعك لما يجهز”.
وهنا ركز على متعة أخرى هي متعة الانتظار، فطبيعي تختلف متعة انتظار طعامك وأنت في مطعم تبعد عن المطبخ الذي يطهى فيه وجبتك أمتار، وبين أن تكون في قلب المطبخ ذاته، يتعمد أن “يجري ريقك” ويحمسك أكثر وأكثر للتجربة” وحتى المارة العاديين لم تسلم منه، مصدر إغراء لهم أيضَا، ويزيد عليها نداءات الباعة التي لا محالة توقعك في الشباك وحتى وإن لم تقع فستسمتع بوقوفك وسيقضي على حالة الملل وأنت منتظر للحافلة أو وسيلة مواصلاتك ومن رأيي المتواضع المثل الشعبي “العين تأكل قبل الفم” قد صنع خصيصًا لطعام الشوارع.
ومن لذة ومتعة الانتظار والمطبخ المفتوح انتقالًا لـ”العلاقة بين البائع والمشتري” والتي تعتبر ميزة أخرى تضاف لطعام الشارع، التي حكاها لنا بائع الفطير أبو مؤمن راجل يهوى القراءة والكتابة اقترح علي كتابة المقال لإنه وجد نفسه هو أحق بوصف تجربة أكل الشارع من أي شخص ” الرزق بتاع ربنا هو اللي بيحلي الأكل في عيون الناس، موقف كبير فيه عربيات كتير كل واحد بتشوفيه وبتسألي نفسك ازاي ربنا بيكرمهم على آخر اليوم، الرزق بيخلي لو فيه 5 عربيات فول واقفين جنب بعض تلاقي كل واحدة طعمها غير التاني وحلاوتها في بق الزبون أطعم وأطعم، وبنحافظ على الرزق ده بإننا نعمل علاقة مع الزبون علشان ييجي تاني وتالت، وبسيطة بالكلمة الحلوة تكسب قلبه”
ويضاف عليهم متعة القرب وحكاها لنا صاحب عربية السوشي ” من تجربتي في الشغل في مطاعم السوشي، لقيت إن السوشي بقى على عربية الناس بقت تقبل عليه أكتر، حسوا بألفة وقرب لإنه ساعات واحد يتكسف يخش يسأل على نوع معين أو أنواع الصوصات في المطعم أو المكان يبقى غالي عليه، بس العربية قربته للمنتج أكثر”
أصوات ونداءات وأحاديث الشارع، تقف مع أحدهم تكون صداقات وتسمع حكم من خبرات سنين، فأحدهم قضى نصف عمره على العربة ويحمل حكاوي تعادل ماتحمله العربية من طعام، فبالنظر لكل هذا تجد أن طعام الشوارع تجاوز مفهوم التغذية وسد الجوع وأصبح كالسفر فيه السبع فوائد.