طباخة ميركل تعود إلى دمشق: ملكة جزماتي هربت من الحرب وأصبحت سفيرة النكهات السورية في ألمانيا
في رحلة بدأت من دمشق المحترقة بالحرب في العام 2015 إلى ألمانيا الحاضنة للأحلام، صنعت ملكة جزماتي اسمها كـ”سفيرة المطبخ السوري”.
بين رائحة التوابل الشرقية وأضواء البرامج التلفزيونية، تحولت اللاجئة الشابة إلى أيقونة للطهي الشرقي، حيث نقلت العالم الغربي إلى مطابخ الشام عبر كتابها ووصفاتها الشهية.
بعد أكثر من 11 عاما من الغربة، عادت ملكة جزماتي إلى وطنها لتفتح صفحة جديدة من قصتها، محملة بخبرة عالمية وشغف لا ينطفئ للطهي الذي تحول إلى جسر ثقافي يربط الشرق بالغرب.
ما قصة ملكة جزماتي وكيف هربت من ويلات الحرب إلى ألمانيا؟
لا تفوّت قراءة: كواليس مثيرة تذاع لأول مرة: كيف هرب بشار الأسد من سوريا في 8 ديسمبر؟
ملكة جزماتي عن عودتها لسوريا: هل في العشق إيضاح؟
بعد نفي طال 11 عاما في ظل حكم نظام بشار الأسد، عادت الشيف السورية الشهيرة ملكة جزماتي، سفيرة المطبخ السوري في ألمانيا، إلى وطنها سوريا.
وقالت ملكة جزمتي عبر صفحتها على منصة إنستجرام، إن “بعد 11 سنة نفي عن بلدي الحبيب، الله أكرمني ونزلت والتقي بالشام وأهلها وحاراتها العتيقة، أحلام العصر اللي الله لا يحرمنا منها”.
وأضافت: “هنا جذوري.. هنا قلبي… هنا لغـتي، فكيف أوضح؟ هل في العشق إيضاح”.
وتابعت ملكة جزمتي: “أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي لسال منه عناقيد وتفاح، هنا جذوري هنا قلبي هنا لغتي فكيف اوضح هل في العشق إيضاح؟”.
لا تفوّت قراءة: أين يختبئ ماهر الأسد “الرجل الثاني في سوريا”؟: من قائد في الظل إلى شبح مطارد دوليا
ملكة جزماتي في الأردن: من موظفة اتصالات إلى نجمة برامج الطهي
في عام 2011، وصلت ملكة جزماتي إلى الأردن. هناك، عملت في قناة “أوريينت” السورية المعارضة، حيث بدأت مشوارها التلفزيوني كمقدمة برنامج اجتماعي.
لكن نقطة التحول جاءت عندما طلب منها مدير القناة تقديم برنامج للطهي.
لا تفوّت قراءة: ماذا يريد أردوغان بعد سقوط الأسد؟ خطط أنقرة للتوغل في سوريا
الصدفة تصنع الشغف
قالت ملكة عن تلك الفترة: “لم أكن أعرف شيئًا عن الطهي عندما بدأت البرنامج. كنت قد تزوجت حديثًا وأحاول تعلم الطبخ من خلال قراءة الوصفات لإعداد الطعام لزوجي”.
في ذلك الوقت، لم تكن تعرف سوى أربع وصفات فقط، معظمها أطباق أجنبية، مثل الفريكة، تيكا ماسالا، كوردون بلو، ودجاج بصلصة السويت آند ساور.
الطريق إلى الاحتراف
تروي ملكة بداية تجربتها مع الطهي في البرنامج: “كنت أجد حتى أسهل الأطباق صعبة جدًا، خاصة الأرز. كنت أسأل والدتي كيف أعرف إذا كان الأرز جاهزًا، وكانت تجيبني بابتسامة: عندما تضعين ملعقة في الطنجرة وتقف وحدها!”
رحلة التعلم والنجاح
عندما بدأت تصوير البرنامج في عام 2014، كانت تعتمد أحيانًا على والدتها لتحضير الأطباق النهائية لعرضها في الحلقات.
لكنها سرعان ما تعلمت، وتذكر كيف كان فريق العمل يثني على ما تطهوه، رغم أنها كانت تعتقد أنهم يقولون ذلك فقط لتشجيعها.
لا تفوّت قراءة: ما هي التعديلات في المناهج الدراسية التي أثارت الجدل في سوريا؟
كيف وصلت ملكة جزماتي إلى ألمانيا؟
في عام 2015، شقت ملكة جزماتي، صاحبة الـ27 عامًا آنذاك، طريقها إلى ألمانيا بعد رحلة مهنية مميزة في عالم الطهي.
لم تكن رحلتها مجرد هروب من الحرب في سوريا، بل بداية جديدة محملة بالشغف والطموح.
عند وصولها إلى ألمانيا، كانت حقائبها تمتلئ بالتوابل الشرقية، رمزًا لتراثها السوري الغني الذي قررت مشاركته مع العالم.
ملكة جزماتي لم تكن شخصية عادية، فقد صنعت اسمها كنجم بارز في عالم الطهي من خلال برنامج تلفزيوني ناجح بث من الأردن عبر قناة الشرق.
هذا البرنامج لم يكن مجرد وسيلة لنقل وصفات الطهي، بل نافذة نقلت النكهات السورية إلى جمهور عالمي واسع.
لا تفوّت قراءة: سوريا بين الأمس واليوم: من منارة الثقافة إلى مسرح الصراعات
في 2015: أين كانت تعيش ملكة جزمتي في برلين؟
كانت تعيش ملكة جزماتي في العاصمة الألمانية برلين، على بعد أكثر من 4000 كيلومتر من وطنها الأم.
ورغم المسافة والذكريات المؤلمة للحرب، نجحت في بناء حياة جديدة مليئة بالأمل والتحديات.
ملكة لم تفقد ابتسامتها المشرقة، التي تظهر بوضوح عندما تدخل مطبخها في دار اللاجئين، حيث تقول: “الأكل يعني أن أحيي ذكرى الوطن”.
افتتاح مطعم ملكة جزماتي في برلين
بعد وصولها ألمانيا، أسست ملكة جزماتي مع زوجها شركة تقديم طعام صغيرة “Levante Gourmet” في نويكولون وسط برلين، في مبنى سكن مشترك، تملكه البلدية، ويعيش فيه لاجئون وألمان.
كانت ملكة تقدم أكلاتها السورية الشهيرة كل يوم أحد. يوم واحد في الأسبوع فقط.
وكل أسبوع يمتلئ المكان بزبائن ألمان وسوريين ينتظرون تذوق البامية الشامية وورق العنب بالزيت والشاورما وغيرها من الأكلات التي تحضرها ملكة.
ملكة جزماتي: من البرلمان الألماني إلى قلوب مشاهير العالم
انطلاقة ملكة جزماتي نحو الشهرة في ألمانيا بدأت بشكل لافت عندما أتيحت لها فرصة الطهي داخل أروقة البرلمان الألماني، البوندستاج، في عام 2017.
الحدث كان مميزًا بحضور المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل، التي لم تكتفِ بتذوق الشاورما التي أعدتها ملكة، بل أبدت إعجابها الكبير بها.
ميركل وشاورما ملكة
تتذكر ملكة اللحظة بابتسامة عريضة: “كانت المستشارة ميركل تستمتع بتناول الشاورما بشكل لافت، ودعت زملاءها لتذوقها قبل أن تنهي الطبق بالكامل بنفسها”.
بعد ذلك، أثنت المستشارة على مهارات ملكة في الطهي وسألتها عن أسرار البهارات المستخدمة، لترد ملكة بألمانية بسيطة تعبر عن شغفها بالمطبخ السوري.
توصية فتحت الأبواب
ما جعل هذه اللحظة أكثر أهمية هو أنها كانت نقطة تحول حقيقية.
حصلت ملكة على هذه الفرصة بعد أن أوصى بها أحد النواب الذي تذوق طعامها سابقًا في فعالية خاصة، مما دفعه لترشيحها لتقديم مأكولات سورية في البرلمان.
ملكة جزماتي تطهو للمشاهير: المأكولات الشامية تزين مائدة “البرلينالي”
في إنجاز جديد يعكس موهبتها الفريدة وشغفها بالمطبخ السوري، وقع الاختيار على اللاجئة السورية ملكة جزماتي، في عام 2018، لإعداد عشاء فاخر لأكثر من 400 شخص من مشاهير العالم في حفل افتتاح مهرجان برلين السينمائي الشهير “البرلينالي”.
تذوق نجوم السينما العالمية أطباقًا شامية من إعداد ملكة، التي سعت لجعل المأكولات السورية محور الحدث العالمي.
ملكة جزماتي توثق النكهات السورية في كتاب ألماني
في عام 2017، أصدرت ملكة جزماتي كتابًا مميزًا للطهي باللغة الألمانية بالتعاون مع دار النشر ZS Verlag.
عبر صفحات الكتاب الذي يحمل عنوان “وصفات مُشتهاة من وطني الأصلي”، تسافر ملكة بالقارئ في رحلة استثنائية إلى عالم الطهي السوري، حيث تتشابك التوابل العطرية مع الذكريات الحية لأسواق دمشق الملونة، التي باتت جزءًا من الماضي.
لا تفوّت قراءة: سجن صيدنايا في سوريا يطوي صفحة من الرعب: نهاية المسلخة البشرية
لغة شاعرية ووجبات متقنة
افتتحت ملكة كتابها بكلمات شاعرية تعكس ارتباطها العميق بوطنها، قائلة: “أتيت من وطن تشرق فيه الشمس كل يوم، وفيه يعيش الناس باحترام إلى جانب النباتات. وهنا تزدهر كل من الطبيعة والروح البشرية على حد سواء. لهذا السبب أصبحنا فنانين نبتكر صورًا جميلة من النباتات ونحول ثمار الأرض إلى عمل ممتع وصحي”.
تتألف وصفاتها من مكونات سورية أصيلة مثل الكزبرة، الزعفران، والسماق، التي تمتزج بمهارة لتخلق أطباقًا مميزة تعكس غنى وتنوع المطبخ الشرقي.
ورغم الحرب والاضطهاد الذي عاشته، يظهر من كتابها أن حبها للطهي ظل مصدر قوتها ووسيلتها للتعبير عن هويتها.
الأكل كوسيلة للتواصل والمشاركة
تشدد ملكة على أن الطهي ليس مجرد مهنة أو وسيلة للشهرة، بل رسالة تتعلق بالقيم الإنسانية.
تقول ملكة جزماتي: “في وطني، الطعام ليس مجرد وجبات، بل وسيلة لكي يساعد الناس بعضهم البعض. نتبادل الأطباق ونتشاركها مع جيراننا وأصدقائنا، من الكبير إلى الصغير، ومن الغني إلى الفقير.”
هذا الكتاب لا يعبر فقط عن شغف ملكة بالمطبخ، بل يحمل رسالة سلام ومحبة، تجعل من الطعام جسرًا ثقافيًا بين سوريا وألمانيا.
لا تفوّت قراءة: ترند كيس الشيبسي الجديد: المخاطر الصحية التي يجب أن تعرفها
ملكة جزماتي: مهمة للحفاظ على الثقافة السورية عبر المطبخ
لا ترى ملكة جزماتي أن مهمتها تتوقف عند مشاركة وصفات المطبخ السوري فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى محاولة الحفاظ على هذا التراث الغني وسط ما خلفته الحرب من دمار.
تقول ملكة: “نحتاج إلى متخصصين من أجل إنقاذ وطننا. البعض منا يحتاج إلى إنقاذ ثقافتنا، والبعض الآخر لحماية المآثر التاريخية، وأيضًا لحماية أطفالنا. وهناك من يعمل على الحفاظ على تقاليد مطبخنا، الذي يتجاوز مجرد إشباع بطوننا ليحمل هدفًا نبيلًا”.
لا تفوّت قراءة: الثروات الطبيعية والموارد في سوريا: من يسيطر على مليارات الدولارات المدفونة في باطن الأرض؟
كتاب يوثق المطبخ السوري بالصور والنكهات
كتاب ملكة لا يقتصر على الوصفات فقط، بل يضم صورًا مميزة تسهل على القارئ التعرف على الأطباق التقليدية الشهيرة، مثل الفتوش، البامية، الملوخية، والبقلاوة.
هذه الصور تضيف بعدًا بصريًا، يجعل القارئ يشعر بعمق التراث السوري المتجذر في النكهات والتفاصيل.
في كل أحد من أيام الأسبوع، كانت ملكة جزماتي تبيع بين 30 و40 نسخة من الكتاب بثمن 35 يورو.
شغف لا ينطفئ ورغبة في الحياة
رغم حبها الكبير للطهي، تؤكد ملكة أن السبب وراء استمرارها في العمل في ألمانيا ليس مجرد شغفها بالمطبخ، بل أيضًا رغبتها في عدم فقدان الهدف في حياتها.
تقول ملكة: “العمل يمنحني إحساسًا بالهدف، وأرفض أن أجد نفسي أعيش بلا معنى أو تأثير”.
لا تفوّت قراءة: تحديات الطعام في الوطن العربي: هل تستحق المغامرة مع صحتك؟
رمضان: المطبخ السوري يجمع الثقافات
ملكة جزماتي لا تكتفي بالتعريف بالمطبخ السوري فقط، بل تجعل منه وسيلة لتوحيد القلوب والثقافات.
خلال شهر رمضان المبارك، نظمت ملكة أمسيات إفطار للصائمين، تجمع فيها اللاجئين وغير المسلمين حول مائدة واحدة.
وقالت ملكة عن هذه التجربة: “ربما لدينا اختلافات، لكن لغة الطعام واحدة”.