شعوب البحر: انهارت على أيديهم حضارات العالم القديم وصدهم رمسيس التالت
في أواخر العصر البرونزي كانت حضارات الشرق الأدنى ومنطقة البحر المتوسط في أزهى عصورها من حيث الثقافة والتجارة والميثولوجيا أو علم الأساطير، ووقتها هاجمتها قوات جارفة جات من شمال المتوسط؛ قوات لحد النهارده ماحدش يعرف جنسهم إيه ولا جاءوا منين بالظبط. قوات هاجمت العالم القديم زيّ السيل الجارف وسابت ممالك ومدن في دمار شبه كامل وملايين القتلى، وكادت تنهي الحضارة في الشرق عند نهاية العصر البرونزي لولا مصر اللي وقفت بقيادة رمسيس التالت لصد زحفهم الاستيطاني.
بيقول المؤرخ المصري، محمد محيي: “شعوب البحر كانوا السبب في انهيار حضارات كتير في العالم القديم، وعندنا أكبر سجل عنهم في النصوص المصرية القديمة، وبيضيف محيي: “مافيش سجل بيوضح عرقهم أو جنسهم بالظبط ولكن النصوص الموجودة بتقول إنهم كانوا خليط من شعوب وقبائل وقراصنة وجوالة شكلوا زيّ اتحاد فيدرالي مع شعوب من آسيا الصغرى وبحر إيجة وجزر في البحر المتوسط وأجزاء من جنوب أوروبا.”
بيقول محيي: “النصوص المصرية القديمة عرفتهم بكذا اسم زيّ الشِردانة والبليست والشقرش والصيقر والتيرش والوِشيش”، وبيوضح محيي: “كل الأسماء دي مرتبطة بقدومهم من البحر، وعلشان كده علماء الآثار سموهم شعوب البحر”.
قبل اشتباك شعوب البحر مع رمسيس التالت ظهروا في سجلات الملكين رمسيس التاني ومرنبتاح، فـبعد معركة قادش قدر رمسيس التاني ياخد منهم أسرى ويشغلهم مرتزقة في الجيش المصري وعينهم في الحرس الملكي.
بيقول محيي: “رمسيس التاني كان بيتفاخر بأسرهم بعد معركة قادش وبتعيينهم مرتزقة في الجيش، واتصوروا على جداريات معبد أبيدوس وهما بيقطعوا إيدين الأعداء علشان يعدوا القتلى بتوعهم.”
عصر رمسيس التالت وصد زحف شعوب البحر على العالم القديم
عصر رمسيس التالت كان بعد رمسيس التاني بسبعين سنة، وخلال السنين دي شهد العالم القديم بدايات إنهيار العصر البرونزي اللي بدأ بظهور “شعوب البحر”، يقول محيي: “من أهم الحضارات اللي اسقطتها شعوب البحر بعد تدمير الأناضول بالكامل هي سوريا ولبنان وجزيرة قبرص، ووصلوا لحد كنعان (فلسطين حاليًا) وبدأوا يتوجهوا ناحية مصر.”
قدر شعوب البحر يسقطوا إمبراطورية الحيثيين في شمال الجزيرة العربية، واللي كانت أهم حضارة بتنافس مصر القديمة وقتها، وده اللي خلى رمسيس التالت يفهم خطر الشعوب دي على إمبراطوريته فزحف بقواته لمنطقة غير محددة النهارده في لبنان اسمها “دجاهي” واشتبك معاهم في معركة عن طريق البر وقدر ينتصر عليهم.
بيقول محيي: “كان لمعركة دجاهي أهمية كبيرة بالنسبة لرمسيس التالت لإن شعوب البحر كانوا أسقطوا مملكة أمورو بالفعل، وهي مستعمرة شديدة الأهمية لإن اللي بيسطير عليها يبقى امتلك كل مفاتيح آسيا مما دفع رمسيس التالت إنه يشتبك مع هؤلاء التتار في معركة علشان يصد قوتهم الكاسحة قبل ما تزحف ناحية مصر.”
بيضيف محيي: “المعركة اللي كانت فصل الختام للشعوب دي هي معركة الدلتا، ودخلوا فيها دلتا النيل بينما كان رمسيس التالت عاملهم كمين، فـسابهم يدخلوا الدلتا في حين كان الأسطول المصري مستنيهم؛ تمركز الرماة على ضفتي النيل وبدأوا يضربوا السهام على العدو لحد ما خلوه غير قادر على الرسو بسفنه ولا قادر ينزل قواته على الأرض؛ وبالتالي أصبح الأسطول المصري وسهام الرماة محاصرينه من كل الجهات.”
معبد رمسيس التالت في مدينة هابو ونهاية تتار العالم القديم
تشمل جداريات معبد رمسيس التالت الجنائزي في مدينة هابو في محافظة الأقصر نصوص مهمة عن حروبه مع شعوب البحر، فيقول واحد من النصوص: “هؤلاء الذين اجتمعوا في البحر التقوا بالنيران عند مدخل المرفأ، حاصرتهم جدران من الفولاذ على الشاطئ، تم سحلهم وقلب سفنهم وطرحهم على الشاطئ مذبوحين”.
وبيقول محيي: “في معبد هابو صورت الجداريات القوات المصرية وهما بيحاصروا جنود العدو وبيشدوا سفنهم عن طريق الخطاطيف وبيقتلوهم ويأسروهم لحد ما حققوا النصر”.
يضيف محيي: “بعد معركة الدلتا أتشتت شمل شعوب البحر فتم أسر ناس كتير منهم في مصر وهرب وطُرد ناس تانية كتير،” وبيوضح محيي: “كالعادة أي حد بيتم طرده برا مصر بيروح على كنعان، واستقرت أجزاء من شعوب البحر اسمهم “الباليست” في كنعان، وعلشان كده بقى اسمها “باليستين” يعني أرض الباليست واللي جاء منها اسم “فلسطين” في العربية بعدين.”
جروح في جسد المملكة المصرية
رغم انتصار رمسيس التالت الساحق على شعوب البحر وإنه قدر يصد هجوم تتاري خطير على حضارات الشرق الأدنى، إلا إن الحروب دي سببت جروح كبيرة في جسد الدولة المصرية فـكان من الآثار المدمرة؛ انسحاب الإمبراطورية المصرية من مستعمراتها في آسيا الصغرى، وانكماشها في وادي النيل، وسبب انهيار حضارات كتير مجاورة لمصر انقطاع طرق التجارة والتبادل الثقافي؛ وبالتالي تأثرت مصر على المستوى الاقتصادي والحضاري بشكل كبير.
كانت حرب هدفها استيطاني وكانت القوات المصرية بتحارب في البحر والبحر في دفاع عن الوجود في حد ذاته وبيضيف محيي: “اللي زاد الطين بلة كمان إن الليبيين في نفس الوقت عملوا تحالف مع الشعوب دي على الحدود ودخلوا مسافة 18 كيلو من ناحية الصحراء الغربية، وبرضه كان هدفهم استيطاني فكان عنيف جدًا، ولكن رمسيس التالت قدر ينتصر عليهم هما كمان.”
رغم تأثير الحروب مع شعوب البحر على المملكة المصرية القديمة إلا إن النصوص بتقول إن رمسيس التالت فضل محافظ على وضع اقتصادي جيد بعد الحرب وعمل حاجات كتير علشان يحسن الأوضاع، وفي السياق ده بيوضح محيي: “أمر رمسيس التالت الجنود المرتزقة إنهم يفضلوا في الحصون، وماحدش يخرج منها علشان يمنع التضييق على الشعب المصري، وعمل حدائق عامة للشعب علشان يرفهوا عن نفسهم، وأمر دوريات الشرطة يكونوا في كل مكان علشان يحموا الشعب المصري من الجاليات الأجنبية في شكل المرتزقة دول.”