زيارتنا لمنزل علي لبيب: أول متحف يوثق التاريخ المعماري المصري
في ميدان القلعة، منطقة الخليفة، وبالتحديد في درب اللبانة وسط الحواري والشوارع المصرية التي يحمل كلًا منها قصص وتاريخ، ستجد منزل علي لبيب، البيت الجامع لرموز الفن المعماري، عاش فيه فنانون وعظماء، يعرف ببيت الفنانين، خلد ذكرى رموز الفن المعماري، يعتبر أول متحف يوثق تاريخ العمارة المصري، قام بإنشاؤه عمر الملاطيلي وشقيقه إبراهيم في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، ولكنه عرف لاحقًا باسم علي لبيب… أثناء زيارتنا له، لم يكن بيت بمفهومه المعروف ولكن كان كل ركن بمثابة توثيق.
بيت الفنانين
أول غرفة في الفناء كانت بعنوان بيت الفنانين، ستجد فيها مجلسين على اليسار واليمين، محاطين بموسوعة للصور التاريخية وتجميعة من البطاقات البريدية القديمة النادرة منذ عشرينات حتى ستينات القرن العشرين، تصور ملامح المعمار المصري وتنوعه عبر مراحل زمنية، وبطاقات لشوارع مثل دي ليسيس وباب الفتوح وميدان المنشية ورمسيس هيلتون وميدان المحطة في يوم استعراض لسلاح الفرسان، وكان على اللوحات ملحوظة “تم اختيار القاهرة واحدة من أجمل مدن العالم عام 1920”.
وبعدها صور بريدية توضح مراحل نتاج التأثير الأوروبي على معمار النطاق الحديث وصور جوية مختارة لمواقع مصرية، وصور عن المشربيات والمزارع والحارات القديمة.
ملحمة تراث العمارة في مصر
بعد بيت الفنانين، انتقلنا لمبنى صغير يحتوي على ثلاث أدوار أولهم دور بعنوان “ملحمة تراث العمارة في مصر”، عالم من النماذج المصغرة واسكتشات مرسومة بشكل يدوي تنقلك لأوقات بدايات شكل العمارة، كل جزء مستقل بذاته، عالم تسرح فيه مع شكل الأبنية والتراث.
بدأت بنماذج مصغرة لعمارة مصر القديمة للأهرامات والمسلات وبعض التماثيل والمراكب، ومن ثم تنتقل لعمارة مصر الشعبية، والتي هي الأساس المشترك لكل ما بعدها، ترى شكل الأبنية في ريف وقرى مصر ومحافظات الصعيد والشرقية والدلتا والدقهلية، وكيف كانوا يعيشون وكيف تم بناء أبراج الحمام وكل الأبنية التي كانت تعبر عن الهوية في ذلك الوقت، وثم تنتقل لعمارة الصحراء والواحات وكيف كان يعيش البدو، وتنتقل بعدها لعمارة الأحياء التاريخية المصرية في المدن التاريخية القديمة حيث الحارات والمشربيات والأزقة.
وفي غرفة مستقلة تجد عمارة المسيحية مع أمثلة من العمارة المنتشرة مع صدر عصر المسيحية ونماذج من فنون أبواب أديرة الكنائس، ثم يأخذك المتحف إلى لمحات من عمارة مصر الإسلامية من العصر العباسي حتى التركي، باب الفتوح ومسجد ابن طولون ومدينة الفسطاط والقطائع، حتى البيوت ستجد منها نماذج مصغرة كأنها حية أمامك وتحت عنوان ” حيث كانت سكنًا ومودة ورحمة” منها نماذج لبيت السحيمي وبيت زينب خاتون وبيت السناري..
الجمال والمتعة في كل هذا هو إنك باستطاعتك أن تلمس كل النماذج المصغرة وتشعر بملمس المواد التي كانت تبنى بها تلك البيوت على مر العصور.
متحف رمسيس ويصا واصف
في دور آخر من أدوار المبنى وتحت عنوان “المعماريون المصريون المحدثون والمعاصرون” ستجد متحف لرمسيس ويصا واحد من أهم المعماريين المصريين “أبو العمارة القبطية”، ستجد بعض من صوره وأعماله ومقنياته، وما يكتب عنه في الصحف والمجلات، وما كتبه عنه تلامذته .
أول شيء يقع عينك عليه في المتحف هو رسالة شكر كتبها المعماري عصام صفي الدين “يا معلمي رمسيس أنت وحسن أتراني وأنت بين يدي الله الأن، أتراني قد أشرت إلى بعض من فيض فنك وعلمك علي وعلى الآخرين”.
وفي الدور الأخير، ستجد متحف المعماري المصري العالمي حسن فتحي، أو بمعنى أصح منزله الذي كان يقطن ويعيش فيه ومن ثم تحول لمتحف بعد وفاته، ولا أخفي عليك سرًا عزيزي القاريء، هذا أكثر جزء اسمتعت بمشاهدته.
متحف حسن فتحي
آخر دور في المبنى ومن بعده السطح، بمجرد دخولك في الفناء حيث تسقط أشعة الشمس، تجد مكانه المفضل الذي أعتاد الجلوس عليه وكنبته المفضلة وعليها مفرشها المهلهل بفعل الزمن، وبجانبها حوض المياه ومكان إعداد وطهي الطعام وكانت تقوم به السيدة كريمة القائمة على شئون بيته.
وعلى بعد خطوتين تجد لوحة رثاء وحزن تضمن كيف استقبلت الصحف والجرائد خبر وفاته، ومن ثم تنتقل للحجرة الشرقية حيث مقنياته من كتب وتيلفونات عتيقة مكتوب عليها “انقطعت الحرارة كما انقطع العمر ولم ينقطع العطاء” ونظارته، وأكتر ما لفت نظري أخر بقايا لعلبة دواء لاحتقان زور معروف في السوق الحالي ولكن كان بهيئتة المنتج القديمة والتغليف الذي عفى عليه الزمن.
ومسدس شخصي وجد بعد وفاته في درج وبعض من أدوات مائدته بعد إفطاره الأخير، وكنبته التي توفى عليها مع الإشارة لوضعية الوفاة “من هذا الموضع صعدت روح حسن فتحي بعد أخر إفطار” ومائدة محاطة بأوراقه وأدواته التي طالما كان يسهر ويدون عليها ملاحظاته.
المعماري حسن فتحي والمعماري رمسيس ويصا يعبروا عن ملحمة تراث العمارة، قمتان مصريتان عالميتان، اشتكروا معنًا في بناء مشروع القرنة في الاقصر ونجحوا برغم إن كلًا منهم كان له مدرسته الخاصة.
في لقاء قديم لحسن فتحي تم سؤاله عن السبب وراء اختيار منزل علي لبيب للعيش فيه قال”الفراغ اللي بسكنه، الإيقاع موسيقاه تتطلب مع متطلبات الروح المصرية والعربية، النسب طول وعرض فيها تناسق لا يمكن تلاقيه مع النهضة الإيطالية والأوروبية”
حسن فتحي آخر من سكن البيت ومن بعدها تحول لمتحف بناء على اقتراح المعماري بطل رسالة الشكر عصام صفي الدين، ومن كلامه اختار فتحي منزل ينتمي إليه وقرر العيش فيه.
منزل علي لبيب من البيوت النادرة التي تم تحظى بدعايا على الانترنت كمثيلاتها من الاماكن الاثرية، أما عن الفرجة على مقتنيات البيت والطراز الذي بنى عليه ممتعة ولكن يؤخذ عليه، الواجهة أمام البيت بحاجة للاهتمام والتطوير حتى تليق بمنزل بيت المعماري المصري وتاريخه.