روايات بهاء طاهر: عن الإنسان كمعنى مركب بين الخير والشر
اتوفى الأديب المصري “بهاء طاهر” يوم الخميس الماضي، عن عمر 87 سنة، وطاهر هو أديب مصري من مواليد 13 يناير 1935 في محافظة الجيزة، اشتغل في بداية حياته كمترجم في الهيئة العامة للاستعلامات، وبعدها بقى مخرج في الإذاعة، ومن 1981 لـ 1995 اشتغل في جنيف كمترجم في الأمم المتحدة.
كتب بهاء طاهر ست روايات هي “شرق النخيل”، و”قالت ضحى”، و”نقطة النور”، و”خالتي صفية والدير”، و”الحب في المنفى”، و”واحة الغروب”، وخمس مجموعات قصصية هي “الخطوبة”، و”بالأمس حلمت بك”، و”أنا الملك جئت”، و”ذهبت إلى شلال”، و”لم أعرف أن الطواويس تطير”، وله كمان مجموعة كتابات تانية منها مسرحيات وكتابات نقدية.
في المقال ده هنديكم لمحة بسيطة عن أربعة من أبرز رواياته.
قالت ضحى: عن الثورة والأحلام
الثيمة الأساسية اللي بتسيطر على الرواية هي أثر ثورة يوليو 1952 على المصريين، وازاي كانت حياتهم بعد الثورة، ورغم إن الثيمة دي ممكن تبان سياسية بحتة، فالطريقة اللي تناول بها طاهر روايته حطت السياسية في موضع مش مباشر، ماخلتهاش عنصر مباشر وفج في تركيب لكن تقدر تحدد العنصر السياسي في تصرفات الشخصيات واللي بيحصل جواهم.
تكاد تسمع نقاشات طاهر اللي بتدور وراء السطور عن ازاي المصريين كانوا شايفين الثورة في وقتها وأسبابها وأهدافها -اللي اتحققت واللي ماتحققتش- وازاي الأحلام الشعبية عن المُثل العليا اللي تبنتها الثورة انهارت تحت واقع عودة البشوية والبكوية في صور جديدة. هي رواية عن الفساد اللي انتشر بعد ثورة يوليو، سواء في المجتمع أو في داخل مفاصل الدولة.
نقطة نور: عن الإنسان ككيان مركب
بتظهر في الرواية دي واحدة من أقوى أدوات بهاء طاهر الأدبية، وهي قوة السرد، وعمق الشخضيات المركبة، فتبدو الرواية زيّ ما تكون رحلة بيدور فيها الأبطال عن النور اللي جواهم، عن التصالح مع الذات، وقبولها زيّ ما هي.
بتاخدك الرواية لأعمق نقطة جوه كل شخصية، وبتوريك اللي بيحصل جواه من خناقات وتناقضات وصدى من الخير والشر والصفات الحميدة والصفات القبيحة، وبتظهر حقيقة ممكن تبان واضحة وهي إن كل إنسان بيعيش في عالم خارجي مع الآخرين وعالم تاني جواه، ولكن بيتناول طاهر الفكرة بأسلوبه الواقعي المميز اللي بيعرف يتعمق من خلاله في تركيب كل شخصية.
خالتي صفية والدير: عن الحب والانتقام
“فقال المقدس: أتعلم يا حنين أن مخلصنا غسل قدم يهوذا في ليلة العشاء الأخير؟
رد حنين ما بين السخرية و الألم: كنت نسيت وأشكر الرب أنك علمتني
فانتصب بشاي واقفًا ونظر للسماء متأوهًا بصوت عالٍ و كأنه يحتج على كل ما في العالم من ظلم ثم قال: و لكنه خان بعدها يا حنين… لكنه خان”.
الاقتباس ده من الرواية بيختصر جزء كبير جدًا من محتواها، عن الحب وخفته وقدرته على زرع الورد في قلوب المحبين أو زرع الانتقام وقسوة الأخير على الضحايا والفاعلين. هي رواية عن خالتي صفية واندفعاتها في الحب وفي الكراهية، وقوة أفعالها وقدرتها عى الشطح للنهاية.
واحة الغروب: عن الحب والثورة والاحتلال
تعتبر من أنضج روايات طاهر، واتميزت بسطوة المكان والزمان كأبطال أساسيين في الحبكة الروائية، وقدر من خلالهم ينسج عالم شديد غني بالتفاصيل ويمتاز بالخصوصية الأدبية اللي تضاف لرصيد بهاء طاهر، عالم بهاء طاهر اللي امتزجت فيه الشخصيات وأصبحت جزء من تركيبته المادية، بيجبر نفس الشخصيات على خوض مواجهات بيكون فيها العدو هو النفس مش بس الآخر.
قدر طاهر في الرواية دي يخلط بين الماضي والحاضر، وبين المفهوم المعنوي والواقع، من خلال كنايات أدبية اتخطت قيمتها الفنية اللغوية وشطحت لما وراء التاريخ ومعنى الوطن والتضحية، وقيمة التجربة المشتركة بين الغرب والشرق سواء من بعد إنساني أو حضاري.