أن نرى ما لا يُرى.. جريمة الختان بين الأمس واليوم
مذ أيام انتشرت أخبار عن وجود طبيب سوداني بمنطقة فيصل بمحافظة الجيزة يرتكب جريمة الختان للإناث وتم القبض عليه، وتبع ذلك القبض على ثلاثة ممرضات بنفس المنطقة لارتكاب نفس الجريمة ولكن على مدار سنوات يتبدل القانون ويتعدل لسد ثغراته، ولكن ما بين حركة القانون وما بين الخرافة وما بين النشاط النسوي فيما يتعلق بهذه القصية هناك حجر يجب خلخلته حتى نرى ما لا يُرى.
أن نرى ما لا يُرى
ينص قانون العقوبات المصري على التالي: “معاقبة كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات، فإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 7 سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات” ولكن بالرغم من ذلك، يقدم أهالي على هذا الفعل لبناتها لحماية شرف مُتخيل لا علاقة له بعلم أو بأي دين، ومن القانون إلى النشاط النسوي الذي يركز على إدانة الذكور في هذه القصة مازلنا لا نرى ما يجب أن يُرى..
تحكي إحدى الفتيات “آ-م” عن ما تعرضت له أثناء ختانها قائلة: “بدأ الأمر مع نهاية المرحلة الابتدائية وتطوعت إحدى قريباتي والتي تقرب من عمري، عن تبسيط هذه العملية، وبالفعل رددت أن هذا فرض من ربنا على كل سيدة، ولم أصدق ما قالته عن أن الله خلق مثل هذا، ثم ذهبت وسألت أختي الكبرى والتي أكدت على هذا الكلام عبر (ربنا أمرنا بالطاعة حتى لو مش فاهمين ليه ده بيحصل)، وفي نفس العام أمرتني أمي أن أذهب معها أنا وأختي إلى طبيب عظام، ولكن طلبت أختي (ارتداء ملابس مريحة) واندهشت من ذلك لكن ظننت أن الأمر بناءً على الاهتمام الذي تحاوطني به أختي الكبيرة دائمًا، وعندما ذهبت معهن لم أرى سوى يافطة طبيب أمراض النساء، لذا، أدركت الأمر وهربت منهن وركضت ولكن لحقوا بي، وأقنعوني بأن هذا مثله مثل الولادة يجب أن تمر به كل سيدة.
التأهيل النفسي ضرورة وليس مجرد “رفاهية”
تكمل شهادتها: “في لحظتها شعرت بأن هناك شيئًا ما كُسر، ولم أعرفه إلا بعد سنوات عندما ذهبت للطبيب النفسي، ولكن بالعودة إلى اللحظة نفسها، دخلت العيادة وهي عيادة كانت مجهزة لعمليات الولادة القيصرية وهذه العملية “القذرة”، عندما تم تخديري بدأت بالبكاء وحاولت المقاومة ولكن شخطت بي الممرضة قائلة: (عيب مفيش بنت ترفض العفة والطهارة) وقتها فكرت في أبي أين هو من كل ذلك؟ وقررت أنني لن أسامح أمي وأختى الكبرى لنهاية العمر، خرجت من هناك وقررت تقطيع كل الملابس التي ارتديتها وقت العملية عند عودتي إلى المنزل، وسباب الكل بكل ما أعرفه من شتائم، حتى دخل أبي عليّ ووقتها أدركت أنه لم يكن يعرف وشاركني هذا الغضب، وبعدها بدأت أمي وأخواتي البنات وبنت عمي وزوجة أخي حكاية ما مروا به وقت هذه العملية، واكتشفت أن الأمر لم يكن بحجم ما تعرضوا له، شعرت بنوع من المواساة، ووقتما تعافيت من ذلك من خلال الطب النفسي، قررت القراءة أكثر عن الختان وقرأت ما كتبته “نوال السعداوي/1931-2021″ عنه، وقتها روادني شعور الغدر والخيانة مرة أخرى، ولكن مع العلاج النفسي تعافيت من ذلك، وساعدني في مسامحة أمي وأختي” وهذا ما يؤكد على أهمية التأهيل النفسي والتي لا تملكهن كل النساء سواء لغلاء أسعاره أو خوفًا من الوصم من الجنون كما هو الحال في بعض القرى، ومن قصة “آ-م” التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى، ننتقل إلى قصص أخرى من قرية العياط بمحافظة الجيزة والتي بها أوهام أخرى.
وهم آخر عن الطهارة
تروى طبيبة الأسنان “أسماء بدر” ما سمعته من حكايات عند زيارتها للمكان هناك تحديدًا قرية “اللشت”:” الأمر معقد بعض الشيء، عملية إزالة الأعضاء التناسلية هناك تتم لأن النظر إليها يتم بناءً على أنها أعضاء تناسلية ذكورية، أي أن بجانب التوهم بالمنظور الديني، ينظروا إليها نظرة جندرية، ومن تمتنع عن ذلك يتم معايرتها، ومن لديهن وعي ويمنعن بناتهن عن ذلك يخفون الأمر كي لا توصم الصغيرات بوصم مشين، الأمر له أصل تاريخي في القرى بداية من الدايات وصولًا إلى أطباء يفعلون ذلك دون أي شعور بالذنب، وبعض الممرضات تُكمل المسيرة حتى ولو الصغيرة تعرضت للختان ولكنها تريد إزالة كاملة، أي أنهن يتعرضن للختان أكثر من مرة” وهذا يحيلنا إلى أن الأمر له أكثر من جانب وأكثر من نظرة، نحتاج جميعًا فيها أن نرى ما لا يرى خلف هذه الشهادات وخلف ما يردده البعض أن الموضوع له علاقة بالمنظور الديني فقط.
هل الأرقام وحدها تكفي؟
حسبما تفيد أرقام المجلس القومي للمرأة فإن معدلات ختان الإناث انخفضت نسبة الختان إلى 36.8% سنة 2021 بعد ما كانت 76.5% سنة 2005، أي أن حملات المجتمع المدني أتت بنتائج ولكن ما لم تلتفت إليه أن الأرقام وهذه الإحصائيات قد تكون معبرة عن نسبة من القرى ليست القرى والمراكز، تقاطعت شهادات الختان مع فكرة رددها بعض من المجتمعات المدنية أن الختان يتم على مستوى القرى لا المدن وهذا ما أثبتت عكسه الشهادات أي أن المدينة مثلها مثل القرية يسيطر عليها وهم قد يختلف عن القرية في نوعه ولكن النتيجة واحدة، هن يتعرضن لجريمة تحتاج قانون حازم لا يوجد به ثغرات تبرئ من مرتكبي هذه الجريمة، وتحتاج النتيجة أيضًا وعي حملات التوعية بالأسباب المختلفة وراء هذا الوهم، وتحتاج السيدات اللواتي تعرضن له أن يتم تأهيلهن نفسيًا لمنع ذلك عن بناتهن، هن ضحايا أكثر من كونهم مرتكبي جرائم.