النجاة والمسرح التفاعلي: حكاية ماتتفرجش عليها ولكن تعيشها بنفسك

مسرحية “النجاة” لكاتبها العبقري نجيب محفوظ أتمثلت آلاف المرات، ولكن أتعملت الجمعة اللي فاتت، يوم 3 يونيو، بشكل مختلف في فيلا أوديسي في هليوبوليس؛ بدل ما يقف الممثلين على خشبة مسرح تقليدية ويقعد المشاهدين على كراسي يتفرجوا عليهم، قدم المخرج المصري، محمود السيد، تجربة درامية مختلفة بيشغل فيها الممثلين والمتفرجين نفس الحيز، ويقدر المتفرج يتحرك في حيز المشهد ويفتش في محتوياته علشان يفهمه بشكل أكبر.

جواسيس من بُعد آخر جايين يتجسسوا على حياتك

أول مرة شوفت فيها مسرح تفاعلي كانت كانت مع فرقة المخرج محمود السيد “Stage left” في مسرحية “أوضة نومي”، واللي عملوها في دوار في وسط البلد، في البداية كانت التجربة بالنسبة لي فيها قدر من الضياع لإن الوصول لحالة الاندماج الكامل مع الحدث الدرامي كان بيتم تشتيها بسبب المتفرجين الكتير اللي بيتحركوا داخل المشهد، ولكن قدرت أتخطى الصعوبة دي لما تخيلت إني سائح من عالم آخر بزور بُعد غريب عني في شكل شبح غير مرئي، وكل المتفرجين اللي معايا مجرد سياح شبحيين جايين يتجسسوا على حياة الناس اللي شايفينهم داخل الحدث الدرامي ده. أول ما أقتنعت إننا كلنا أشباح بنتجسس على ناس مش عارفين إننا هنا، أتحولت التجربة لشئ أكتر إثارة من مجرد مسرحية بتفرج عليها.

جمالية المسرح التفاعلي بتظهر في تعقيداته، فـكمتفرج مش بتعرف امتى بيبدأ المشهد وامتى بينتهي في دمج ذكي للواقع بالخيال، ومثال على ده؛ وأنا رايح فيلا أوديسي علشان أشوف مسرحية “النجاة” قابلت الممثلة سارة خليل من فرقة “نمط”، واللي أتعرفت عليها بعد عرض “أوضة نومي” قبل كده، قربت منها علشان أسلم عليها لكنها بصت لي بغضب وقالت: “أنت ماتعرفنيش ومش شايفني، أدخل جوا”. رد فعل غريب ومحرج وخلتني أتوترت ودخلت بسرعة، ولكن أول ما دخلت الفيلا ولقيت “السياح الشبحيين” موجودين حوالين الممثلين اللي كانوا عايشين داخل المشهد بالفعل، ولقيت سارة بتدخل ورايا متوترة ومتعصبة، فهمت إنها كانت داخل الشخصية لما قابلتها برا، ورفضت أي تواصل معايا علشان ماتخرجش برا الشخصية، وده اللي أكدته الجميلة سارة بعد المسرحية لما اعتذرت عن اللي حصل.

تجربة مسرحية “النجاة” كانت مختلفة عن “أوضة نومي”، مش بس في اللوكيشن والقصة ولكن في الديناميكية الدرامية اللي عشتها وأنا بتجسس على الشخصيات، وقدر الممثل المصري، عمرو جمال، يضيف بُعد جديد لتجربة المسرح التفاعلي بالنسبة ليا، فكان أداءه الجميل وقدرته على تقمص الشخصية كإنه إنسان أنسلخ من ذاته الحقيقية ودخل في جسد إنسان تاني بمشاعر وتعبيرات وتركيبة إنسانية مختلفة، إضافة مهمة للعمل الدرامي.

عمرو جمال يُثير غضب المتفرجين ويضحكهم في عمل واحد

بدأ عمرو جمال التمثيل في سن الـ20، وشارك في أعمال فنية كبيرة زيّ فيلم “قابل للكسر” ومسلسل “لا تطفئ الشمس” و”أهو ده اللي صار” و”سجن النسا”، وأخيرًا مسلسل “ريفو” اللي قيد العرض أثناء كتابة المقال.

أول حاجة بتلاحظها في مسرحية “النجاة” بعد الأداء الجميل لسارة خليل وعمرو جمال ولمسات محمود السيد الإخراجية المبدعة هي كاريزما جمال والطاقة اللي بتشع منه فتملأ الفراغ المحيط به بالكامل، تقدر تقول إن الحدث الدرامي بالكامل بيقع تحت سيطرة طاقة جمال الشخصية.

قابلنا عمرو بعد العرض علشان نتعرف عليه أكتر، وسألناه مجموعة من الأسئلة اللي هنعرضها في المقال ده.

كممثل مسرح وتلفزيون وسينما، إيه الفرق بين الخبرات التمثيلية التلاتة؟

كل تجربة تمثيلية بتخضع لقواعد الحيز اللي بنمثل فيه، فالمسرح مثلًا محتاج تمثيل مبالغ فيه بالصوت وحركات الجسد علشان المتفرج البعيد عن خشبة المسرح يقدر يفهم إيه اللي بيحصل، أما السينما فالكاميرا بتكون قريبة جدًا منك وده بيحتاج منك ميكانيكية تمثيلية مختلفة شوية؛ الميكيانيكية دي بتكون واقعية أكتر من ميكانيكية التمثيل المسرحي. أما المسرح التفاعلي فبيحتاج منك تكون طبيعي جدًا في التمثيل علشان المتفرج داخل على الناس بيتهم وبيتفرج عليهم من كل الزوايا الممكنة.

في فرق بين التجارب التلاتة في التحضير للشخصية؟

لأ، مافيش فروقات في الطريقة اللي بحضر بيها شخصيًا، كله محتاج مذاكرة وتحضير، السينما مختلفة في ترتيب الأحداث، أما المسرح التفاعلي فـكل الأحداث بتدور ورا بعض، عكس السينما اللي ممكن النهارده تروح تصور حاجة من أخر الفيلم واليوم اللي بعده حاجة من النص، في لخبطة، ومحتاجة تحضيرات مختلفة.

ازاي بتحضر للشخصية؟

بقرأ كتير، بشوف إيه المشترك بيني وبين الشخصية، بدخل للشخصية من خلال الحاجات المشتركة ما بيننا، وبسأل نفسي أسئلة كتير علشان أتفهم تعقيدات الشخصية وأتعاطف معاها بغض النظر عن تركيبتها.

بحضر كتير للشخصية بس دايمًا بسيب جزء للي هيحصل في لحظة الأداء أو التصوير، وبالتالي مش لازم تكون كل حاجة متخططة، لازم الحاجات تكون طبيعية.

وأنت بتمثل تفاعلي، بتوحشك خشبة المسرح التقليدي؟

لأ خالص، من وقت ما بدأت من سنتين أشتغل في المسرح التفاعلي قررت إني مش هرجع أعمل مسرح تقليدي تاني رغم إني عملت حوالي تسع مسرحيات على مسرح أوبرا القاهرة ومسارح مستقلة كتير، والقرار ده كان بسبب فكرة طبيعة المسرح التقليدي وتقنيات التمثيل اللي بتمتاز بالبعد عن المتفرج والمبالغة في الأداء التمثيلي واللي بتفقد الشخصية طبيعتها.. أنا بحب أكون على طبيعتي أكتر.

وجود المتفرجين في نفس الحيز بيسبب لك تشوش؟

بالنسبة ليا، لأ، طريقة التمثيل بتاعتي والتقنيات اللي أتعلمتها خلتني بعرف أفصل نفسي عن المتفرجين وفي نفس الوقت استخدم أي حاجة بتحصل جوا العالم اللي أنا بمثل فيه.

في العرض النهارده حد تليفونه رن، فأنا قولت لمنى، شريكتي في المشهد، إيه ده أنتي تليفونك بيرن مش هتردي ولا إيه، بالتالي أسقطت الصوت ده على المسرحية وبقى جزء من الشخصية اللي قدامي، وبكده الحاجات دي مش بتلخبط ولا بتسبب تشوش.

بدأت التمثيل في سن الـ20 وأشتغلت مع فنانين كبار: ازاي كانت تجربتك في التمثيل في البداية، وازاي لما أشتغلت مع النجوم دول تأقلمت معاهم؟

في الأول، بدأت بورش تمثيل في 2010، وطول الوقت باخد ورش وبتعلم، لحد من سنتين تلاتة لما بدأت أعلم وأدي ورش تمثيل، وبرضه لسه بتعلم وباخد ورش لحد النهارده.

طول الوقت هفضل أتعلم في الشغلانة دي، وده اللي كان بيساعدني في المشاريع اللي دخلت فيها مهما كان حجم النجوم اللي بشتغل معاهم؛ لإني دايمًا بتعامل مع اللي قدامي على إنه الشخصية اللي في العمل، وأعتقد برضه حظي كان حلو إن كل النجوم اللي أشتغلت معاهم كانوا بياخدوا شغلهم بجد، عايزين يشتغلوا، ويعملوا حاجات كويسة.

إيه نصيحتك لحد عايز يبقى ممثل؟

أتعلم التمثيل، مهما كانت موهبتك هتفضل محتاج تتعلم، ولازم تعافر في الشغلانة علشان هي مش سهلة خالص، بالعكس الشغلانة صعبة، ومهما قابلتك خيبات أمل وصعوبات، كمل وحاول على قد ما تقدر.

ليه قررت تبقى ممثل وإيه هدفك من التمثيل؟

من وأنا في المدرسة وأنا بحب التمثيل وعارف إني عايز أبقى ممثل، والسينما علمتني حاجات أكتر بكتير من اللي أتعلمته في حياتي وفي المدارس، وعلشان كده عايز من خلال تمثيلي ألهم الناس وأعلمهم الحاجات اللي السينما علمتها ليا، واللي من غيرها ماكونتش هكون نفس الشخص ده النهارده.

نفسك تشتغل مع مين في السينما؟

الناس اللي أحب أوي أشتغل معاهم في مصر هما تامر محسن ومحمد ياسين ومروان حامد، وأحب أشتغل مع المخرجة كاملة أبو ذكري رغم إني أشتغلت معاها قبل كده في مسلسل “سجن النسا” لكن أحب أشتغل معاها تاني في دور أكبر، وكريم الشناوي من المخرجين اللي أحب أشتغل معاهم جدًا. برا مصر، أحب أشتغل مع ديفيد فينشر، كريستوفر نولان، أليخاندرو آمينابار.

حصل معاك موقف كوميدي مع واحد من المتفرجين في عرض قبل كده، ممكن تحكي لنا عنه؟

بسبب وجودك المباشر مع المتفرجين في نفس الحيز، بتحصل مواقف كوميدية كتير، بس في مرة كان المفروض إني أفتح باب الحمام وأدخل بعصبية كده، وكنت متوجه ناحية الحمام والجمهور ماشي ورايا وفتحت الباب لقيت حد قاعد على التواليت وبيعلم حمام، وأنا دخلت بغسل سناني وهو عمال يزعق ويقول لي يا أستاذ ماينفعش كده وبتاع، وأنا داخل الشخصية طبعًا مش سامعه خالص، والناس ورايا بيتفرجوا عليه لحد ما قام لبس البنطلون وقفل الباب وفضلت أنا وهو بس في الحمام وهو بيزعق لي.

رأي المتفرجين في العرض

التقينا بأحمد القاضي، واحد من المتفرجين وسألناه عن رأيه في العرض.

كانت تجربة هايلة بكل المقاييس، المسرحية سحلتني معاها وكانت مثيرة جدًا ومسلية، حبيت التجربة أوي.

كان في إحساس إني عايش حدث حقيقي مش مجرد مسرحية، قدرت أتفاعل مع الشخصيات أكتر، وأتأثر بالجو العام والمشاعر والـ vibes اللي كانت في المشاهد أكتر من أي عمل درامي شفته في حياتي.

بيفوتك حاجات وأنت بتتنقل بالذات لما نعدي من باب واحنا عدد كبير، وده كان مستفز شوية بالذات إني كنت مسحول أوي في الأحداث وحاسس برغبة كبيرة إني أتابع كل حركة وكل صوت بيحصل.

وأكد القاضي إنه ناوي يروح العروض الجاية للفرقة إن شاء الله.

أخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: أوضة نومي: مسرح تفاعلي في وسط القاهرة بيرميك في قلب الدراما والعنف والجنس

تعليقات
Loading...