في قلب الصعيد، تختبئ حكايات من التراث الشعبي تحمل بين طياتها نكهة الماضي وعبق الذكريات. ومن بين هذه الكنوز، برزت حلوى تراثية بسيطة الشكل عظيمة الأثر اسمها الجلاب الصعيدي.
لا يكاد صوت بائعها يغيب عن ذاكرة من ركب قطار الصعيد. صيحات “يا جلاب الهوى” لم تكن مجرد نداء للبيع، بل كانت دعوة إلى قطعة من تاريخ الصعيد لا تزال تنبض بالحياة حتى اليوم.
وفي السطور القادمة تبدأ الحكاية مع الجلاب الحلوى التراثية أو ما يسميه البعض “آيس كريم الغلابة”.
لا تفوّت قراءة: من الزمزمية إلى الفلاسك.. كيف تغيّرت أدوات ومستلزمات المدرسة عبر الأجيال
صيحات “يا جلاب الهوى” تنظر عن حلوى تراثية لا مثيل لها

عندما تستقل قطار الصعيد، لا بد أن تستوقفك صيحات الباعة المتجولين: “يا جلاب الهوى” يلفت هذا النداء الانتباه لحلوى صفراء ذهبية، تشبه الأقماع الصغيرة.
الجلاب، أو ما يعرف بـ”آيس كريم الصعايدة”، حلوى موسمية قديمة تعود جذورها إلى قرى قنا. ورغم مرور الزمن، ما زالت تحتفظ برونقها وصناعتها اليدوية.
لا تفوّت قراءة: هل ترغب في تجربة كوكيز يذوب في الفم؟ اكتشف أفضل أماكنه في مصر!
كيف بدأت حكاية جلاب الهوى (الأيس كريم الصعيدي)؟

تبدأ القصة من قصب السكر المزروع بكثافة في صعيد مصر. وبعد استخلاص العسل الأسود، يسخن داخل أوانٍ نحاسية تسمى “النحاسة”، ليُقلب حتى يتحول لونه من الأسود إلى الأصفر.
على الرغم من التطور الصناعي، لم تدخل الماكينات في صناعة الجلاب حتى اليوم. فما زال العامل يعتمد على يديه لتقليب العسل بالنحاس حتى يصل للقوام المطلوب.
بعد الغليان، يصب الخليط داخل قوالب مخروطية تشبه أقماع الآيس كريم. ثم يترك في الشمس والهواء حتى يجف، ويجمع بعدها في مقاطف لبيعه للتجار.
لا تفوّت قراءة: أفضل 8 أغاني عربية جديدة عشقناها في سبتمبر 2025 لا تفوّت سماعها
شكل لا يُنسى وفوائد غذائية مذهلة لآيس كريم الغلابة

يشبه الجلاب الكيموكونو أو قرطاس الآيس كريم. ولهذا أطلق عليه البعض “نبوت الغفير” أو “كوز العسل” فهو حلوى بسيطة لكنها متفردة في شكلها ومذاقها.
بفضل اعتماده على العسل الأسود، يعد الجلاب مصدرًا غنيًا بالحديد والفيتامينات. لذلك يساعد على علاج الأنيميا، كما يمنح الجسم طاقة ودفئًا في شتاء الصعيد.
لا تفوّت قراءة: كيف استخدم باسم يوسف السخرية السوداء لفضح مآسي غزة؟ لقطات أشعلت النقاش العالمي
ذكريات الطفولة في حلوى الجلاب التراثية

ارتبط الجلاب بذاكرة أجيال كاملة من أبناء الصعيد. فقد كان الباعة يجوبون الشوارع حاملين “المقاطف” المغطاة بالقماش، ليبيعوه أمام المدارس والبيوت.
رغم قيمته التراثية، يظل الجلاب متاحًا للجميع. فسعره بسيط مما يجعله الحلوى المفضلة للأطفال والكبار على حد سواء.
ما هي مواسم صناعة الجلاب؟

يرتبط الجلاب بمواسم حصاد القصب. تبدأ صناعته من شهر أكتوبر وحتى نهاية موسم العصارات. ويعمل فيها عدد من الشباب بشكل موسمي بين 3 و7 أفراد يوميًا.
في العصر الحديث، أضاف بعض الصناع لمسات جديدة مثل الفرمسيل لجذب الأطفال. ومع ذلك، حافظ الجلاب على هويته كحلوى صحية طبيعية خالية من المواد الحافظة.
لا تفوّت قراءة: أكلات مصرية قد لا يعرفها الجيل الجديد.. تراث على وشك الانقراض من المطبخ الشعبي
صناعة الجلاب الصعيدي بين التحديات والطموحات

يؤكد محمد حسن أحد عمال الجلاب، وفقًا لإحدى الصحف أنه يعمل في المهنة منذ 15 عامًا، وتقتصر الصناعة على موسم قصب السكر شتاءً فقط.
وبالرغم من توقف المصانع مع الصيف، يلجأ الباعة لتخزين الأقماع، حتى يواصلوا البيع طوال العام، لأن الجلاب مصدر رزقهم الأساسي.
ويضيف حسن أن الصعايدة يحملون الجلاب كهدايا عند سفرهم للقاهرة. فغياب هذه الحلوى عن بحري يجعلها رمزًا للنوستالجيا والفرحة.
لكن مؤخرًا، واجهت الصناعة أزمة كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار السكر. فالعسل الأسود أساس الجلاب، وغلاؤه ضاعف تكلفة الإنتاج.
ولذلك، بدأ البعض يستخدم الجلاب في تحلية الشاي بدلًا من السكر. بينما يأمل الصناع في تصديره يومًا ما إلى أوروبا كحلوى فريدة.
لا تفوّت قراءة: بدايات النجوم الفنية: هل تعرف أول ظهور لنجومك المفضلين؟
الجلاب الصعيدي بين الأصالة و”جرين سويت”

مع مرور الزمن، ظل الجلاب حاضرًا في الأسواق الشعبية. كان الأطفال يترقبون نداء الباعة، ليحمل لهم أقماعًا صفراء لامعة مصنوعة من العسل الأسود.
لكن مؤخرًا، ظهر الجلاب في المتاجر بشكل جديد تحت اسم “جرين سويت”. وهو تحول أثار سخرية ودهشة رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن ناحية أخرى، أضيفت للحلوى بعض الزينة الحديثة. ومع ذلك، بقي الشكل المخروطي التقليدي شاهدًا على هويتها الشعبية.
وهكذا، يتأرجح الجلاب اليوم بين أصالته المرتبطة بالصعيد وتجديد صورته للتسويق العصري. لكنه يظل رمزًا للنوستالجيا ودفء الذكريات.