الجار قبل الدار: معاني وقيم نسترجع بها الزمن عن جيراننا

قصة روت عن الفنان سليمان نجيب، إنه ذات مرة، عندما كان ينفذ بعض الإصلاحات في بيته، أرسل رسالة إلى جاره، يقول فيها: “جاري العزيز سالم بك القرنفلي، تحية طيبة وبعد، نظرًا للقيام بعمل مضيفة في حديقة السرايا، نخطركم بأنه سيكون هناك ضوضاء بدءًا من الساعة الثانية عشرة ظهرًا حتى الواحدة والنصف، نأسف لإزعاجكم، ولكنها لن تستغرق أكثر من ٣ أيام، وبعد الانتهاء من الإصلاحات، نود أن ندعوكم لحفل شواء في الحديقة الجمعة القادمة للاحتفال بانتهاء تصوير فيلم “الزوجة السابعة ” ..

قصة بمجرد قراءتها تنعش ذاكرتك وأحاسيسك عن ذكريات وعادات ومعاني افتقدنها لجيران زمان وهذا المقال حتى نغوص فيها ونسترجعها آكتر.

الطبق الرحال

تبادل الأطباق بين الجيران كانت عادة أساسية ملازمة لا تنقطع وخاصًة في المناسبات والأعياد، طبق الكحك والبسكوت أو طبق الملوخية ورائحتها التي كانت تجوب أرجاء العمارة لتصل لعم صالح الفكهاني، لم يقتصر على صنف معين، فما يخرج من ذمة البيت فهو لأهل العمارة، ولابد أن يكون لهم نصيب فيه، ولم يتوقف عند هذا الحد فالطبق استحالة أن يعود فارغ ويظل هكذا يجوب أرجاء العمارة حتى تنسى من صاحب الطبق الحقيقي ” الطبق ده كان بتاع مين؟”

الجار للجار

استعارة بعض لوازم المطبخ منتشرة بشكل كبير بينهم، فإذا لم يكن بمقدور أهل البيت شراء كل اللوازم والأواني المنزلية، فالجار للجار، هذا يطلب حلة للطبخ، وآخر يطلب مفرمة لحمة، وذاك يطلب غربال، ورابع يطلب ملاعق وصحون وتلقيمة السكر والشاي، والموضوع يصل أحيانًا إلى استعارة الملابس وكل هذا يخرج بحب واحترام متبادل من الطرفين، ناهيك عن الطقم الصيني الذي لا يخرج إلا للحبايب.

شريك في الأحزان قبل الأفراح

بحكم القرب المكاني، فالجار يمتلك سلطة ليشاركك بها أحزانك وأفراحك، هو من يسمع أول زغروطة لنجاح جاره في الشهادة ويسرع ليبارك قبل أن يعلم أقرب أقربائه، هو من يقف بجانبك عند فقدان عزيز أو غالي، يسارع ليشاركك اللحظة ويهونها عليك، هو من يقدم ويبادر في الإصلاح أو بعنوان النجار في حالة تعطل أي شيء لديك، جارتك التي تنجدك دائمًا ومن الممكن أن تستضيف عندها باقي معازيمك وضيوفك في حالة المكان لم يسع للعدد، وبذلك يصبح وبدون أي استئذان طرف أساسي في سيرة حياتك.

شريك مسلسل الساعة 7

قبل انتشار التلفاز على نطاق واسع بين البيوت، كنت تجد بيت واحد في الشارع أو الحي يمتلكه، كإنجاز غير مسبوق، مثله كمثل امتلاكه للتيلفون الدوار، كان يجتمع جيران العيلة وأطفالها بعد انتهاء اليوم الدراسي عند واحد منهم ليشاهدوا فيلم السهرة يوم الخميس أو مسلسل الساعة 7.

قعدة البلكونة وشاي العصاري

“تمد إيدك تبقى عند جارك” حميمية مفتقدة عند الجيران، جلسات العصاري مع كوب الشاي الساخن، عندما يقرر نساء العمارة الاجتماع عند واحدة منهم حتى يستمعن لأخبار ومستجدات الحي بعد ما ينتهن من أعمال المنزل، كانت عادة لا تنقطع مثلها مثل الدورة الرمضانية وماتشات الدوري التي لا تنتهي وبالطبع بطل الدوري هو صاحب الكورة.

“اختار الجار قبل الدار” .. مثل شعبي من الموروثات القديمة ولكن إذا دققت في معناه، تجده أعمق من مجرد مثل، يبين لك كيف كان للجار قديمًا مكانة تضغى أحيانًا عن مكانة حتى أقارب الأسرة، وكيف استطاع أن يخلق لنا عمرًا وسيلًا من الذكريات.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: التطفل بين سلوكيات مش متقبلينها وعادات مفتقدينها

تعليقات
Loading...