الثروات الطبيعية والموارد في سوريا: من يسيطر على مليارات الدولارات المدفونة في باطن الأرض؟
بعد هروب بشار الأسد من دمشق واستيلاء هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع على البلاد، تغيّرت موازين القوى في سوريا، لتُعيد تشكيل خريطة السيطرة على ثروات سوريا الطبيعية.
تضم سوريا احتياطيات نفطية تُقدّر بـ2.5 مليار برميل، حيث تصل قيمتها نحو 203 مليارات دولار بمتوسط أسعار 2024، إضافة إلى احتياطي غاز طبيعي يبلغ 8.5 تريليون قدم مكعب.
لكن السؤال الأهم يبقى: من يسيطر الآن على مليارات الدولارات المدفونة في باطن الأرض السورية؟
لطالما كانت حقول النفط والغاز السورية، وخاصة في دير الزور والحسكة وتدمر، محط أنظار القوى الإقليمية والدولية.
ومع التغييرات الأخيرة، أصبح الصراع على هذه الموارد أكثر تعقيدًا، في ظل سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على الحقول الكبرى ومعمل كونكو للغاز، الأكبر في البلاد.
تُرى، كيف ستؤثر هذه التحولات على مستقبل سوريا واقتصادها؟ وهل تعيد هذه الثروات تشكيل مستقبل سوريا، أم تظل لعنة تتنازع عليها الأطراف المتصارعة؟
لا تفوّت قراءة: الشرق الأوسط في 2024: عام التحولات السياسية الكبرى في الدول العربية
أهمية الموقع الجغرافي لسوريا: عقدة استراتيجية تربط الشرق بالغرب
تتمتع سوريا بموقع جغرافي استثنائي يجعلها واحدة من أهم النقاط الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.
تقع سوريا في قلب العالم العربي، وتشكل جسرًا حيويًا يربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا. هذا الموقع الجغرافي المميز منحها دورًا محوريًا على مر التاريخ في حركة التجارة الدولية.
عقدة ربط للتجارة العالمية
تعتبر سوريا عقدة ربط مهمة لطرق التجارة الدولية، حيث تسهم في تسهيل نقل البضائع بين الشرق والغرب.
تاريخيًا، كانت تمر عبر أراضيها أهم طرق التجارة، بما في ذلك طريق الحرير القديم. ويستمر هذا الدور اليوم مع تصاعد أهمية مشاريع النقل البرية والبحرية الحديثة.
ممر استراتيجي للنفط والغاز
إضافة إلى دورها التجاري، تمثل سوريا نقطة عبور رئيسية لمشروعات محتملة لنقل النفط والغاز الطبيعي. يُنظر إلى أراضيها على أنها ممر حيوي لنقل الموارد من دول الخليج والجنوب إلى الأسواق الأوروبية عبر تركيا.
ومع وجود شريط حدودي طويل يمتد لنحو 800 كيلومتر مع تركيا، تزداد أهميتها في تعزيز الاتصال بين الشرق الأوسط وأوروبا.
لا تفوّت قراءة: ما هي التعديلات في المناهج الدراسية التي أثارت الجدل في سوريا؟
النفط في سوريا: ثروة متراجعة وسط الأزمات
يُعد النفط من أهم الموارد الطبيعية في سوريا، حيث شكّل قطاعًا رئيسيًا في الاقتصاد الوطني لعقود طويلة، مع احتلال احتياطي البلاد المرتبة 31 عالميًا.
مراكز الإنتاج واحتياطي النفط
تتركز أغلب حقول النفط السورية في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة شمالي وشرقي البلاد.
ويقدّر موقع “أويل برايسز” احتياطي النفط السوري بنحو 2.5 مليار برميل، ما يعادل 0.2% من الاحتياطي العالمي البالغ 1.6 تريليون برميل، وهو حجم قريب من احتياطي المملكة المتحدة البالغ 2.8 مليار برميل.
تراجع الإنتاج بشكل حاد
شهد إنتاج النفط السوري انخفاضًا ملحوظًا منذ عام 2009. فبعدما بلغ الإنتاج 406 آلاف برميل يوميًا في 2008، تراجع تدريجيًا إلى 353 ألف برميل يوميًا في عام 2011، مع بداية الاضطرابات السياسية.
واستمر الانخفاض ليصل إلى 24 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2018، وسجل أدنى مستوياته في عام 2023 عند 15 ألف برميل يوميًا، وفق تصريحات وزير النفط السوري الأسبق.
دور النفط في الاقتصاد
قبل عام 2011، شكّلت عائدات النفط حوالي 50% من الإيرادات العامة، وساهم القطاع بأكثر من 25% في الناتج المحلي الإجمالي.
كما شكّلت صادرات النفط 65% من إجمالي الصادرات السورية.
لا تفوّت قراءة: سيناريوهات الحرب بين إسرائيل والحوثيين: هل يتفاقم الصراع في اليمن؟
الغاز الطبيعي في سوريا: موارد غنية وإنتاج متراجع
تُقدر احتياطيات سوريا المؤكدة من الغاز الطبيعي بنحو 9 تريليونات قدم مكعبة، وفق بيانات 2010، ما يمثل 0.1% من الاحتياطيات العالمية.
كما تشير تقديرات الهيئة الجيولوجية الأميركية إلى وجود احتياطيات إضافية في البحر، تصل إلى 700 مليار متر مكعب لم تُكتشف بعد.
مراكز إنتاج الغاز في سوريا
يرتكز إنتاج الغاز في سوريا في مناطق الحسكة ودير الزور شمال شرقي البلاد.
وبحلول عام 2010، بلغ إنتاج الغاز نحو 800 مليون قدم مكعبة يوميًا، مقارنة بـ 500 مليون قدم مكعبة يوميًا خلال عامي 2008 و2009، بفضل استثمار حقول جديدة.
مشاريع تطوير قطاع الغاز
ساهم تشغيل مشروع “جنوب المنطقة الوسطى”، الذي أنشأته شركة “سترويترانس غاز” الروسية في 2009، في زيادة إنتاج سوريا من الغاز بنسبة 40%.
كما دخلت مشروعات أخرى حيز التشغيل خلال تلك الفترة، ما دعم الإنتاج المحلي.
انخفاض الإنتاج خلال الأزمات في سوريا
مع بداية الصراعات في عام 2011، شهد إنتاج الغاز تراجعًا كبيرًا، حيث انخفض من 30 مليون متر مكعب يوميًا إلى 10 ملايين متر مكعب يوميًا بحلول عام 2023، وفق تصريحات وزير النفط السوري الأسبق.
لا تفوّت قراءة: 10 محاور ترسم خريطة حزب الجبهة الوطنية الجديد: كيف سيغير المشهد السياسي في مصر؟
الفوسفات في سوريا: ثروة طبيعية ذات جودة عالمية
تُقدر احتياطيات سوريا من الفوسفات بنحو 2 مليار طن، وفق المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية.
وتنتج سوريا حوالي 2.5 مليون طن سنويًا، يُصدَّر منها 2 مليون طن، بينما يُستهلك الجزء المتبقي محليًا.
مواقع استخراج الفوسفات
تتركز مكامن الفوسفات الرئيسية في:
- خنيفيس، بمنطقة تدمر وسط بادية الشام.
- الحفة، في جبال الساحل السوري شرق مدينة اللاذقية.
جودة الفوسفات السوري
يُصنف الفوسفات السوري كواحد من أجود أنواع الفوسفات عالميًا، ما يمنحه أهمية استراتيجية على المستوى المحلي والدولي.
الثروات الطبيعية في سوريا: الموارد المائية أساس الزراعة
تتمتع سوريا بشبكة مائية غنية تضم الأنهار والبحيرات التي تُعد من أهم مصادر المياه العذبة.
يشكل نهر الفرات واحدًا من أبرز الأنهار في البلاد، حيث يُعد مصدرًا رئيسيًا للري والطاقة الكهرومائية، مما يساهم في دعم الإنتاج الزراعي وتوفير الطاقة للعديد من المناطق.
إلى جانب الفرات، هناك أنهار أخرى مثل نهر العاصي ونهر اليرموك، اللذان يساهمان بشكل كبير في ري الأراضي الزراعية وتوفير المياه للمناطق المحاذية لهما.
كما أن المياه الجوفية تُعتبر مصدرًا حيويًا في بعض المناطق الصحراوية، حيث تساهم في استدامة الزراعة وتوفير مياه الشرب في المناطق النائية.
تُظهر هذه الموارد المائية أهمية إدارة المياه بشكل مستدام للحفاظ على الأمن الغذائي والمائي في سوريا، خاصة في ظل التحديات المتزايدة المتعلقة بالمناخ.
لا تفوّت قراءة: اغتيال إسماعيل هنية: إسرائيل تروي القصة وحماس تقدم رواية جديدة
المقدرات الزراعية في سوريا: القطاع الحيوي الذي تأثر بالأزمة
يشكل قطاع الزراعة ركيزة أساسية للاقتصاد السوري، إلى جانب النفط، كما تشير دراسات البنك الدولي.
يساهم القطاع الزراعي بنحو 28% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يبرز أهميته في تلبية احتياجات السكان وتوفير فرص العمل.
الأراضي الزراعية والمساحة المخصصة للزراعة
تغطي 32% من إجمالي مساحة سوريا الأراضي الصالحة للزراعة، وهو ما يتيح إنتاجًا واسعًا من المحاصيل الزراعية.
تتنوع المحاصيل بين الحبوب، والخضروات، والفواكه، مما يعزز تنوع الاقتصاد الزراعي.
تراجع أهمية الزراعة بعد حكم الأسد
قبل بداية حكم عائلة الأسد، كان قطاع الزراعة يشغل أكثر من 40% من السكان، وفقًا للمعلومات الرسمية.
إلا أن هذه النسبة تراجعت إلى 26% في العقد الأخير، وذلك بسبب التغيرات السياسية، الاقتصادية، والبيئية التي أثرت سلبًا على هذا القطاع الحيوي.
وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO)، فإن هذا الانخفاض يعكس التحديات الكبيرة التي واجهها القطاع الزراعي في السنوات الأخيرة.
من جانب آخر، تعد سوريا من الدول الرائدة في إنتاج الزيتون وزيت الزيتون، حيث تشتهر بوجود أكبر مساحات من بساتين الزيتون في منطقة الشرق الأوسط.
إضافة إلى ذلك، ينتج الفستق الحلبي والتمور وغيرها من المنتجات الزراعية التي تشكل جزءًا مهمًا من الصادرات السورية.
الزراعة في سوريا: القمح والقطن كمحركين أساسيين للاقتصاد الزراعي
القمح: من الاكتفاء الذاتي إلى التراجع الكبير
سوريا تاريخيًا كانت مهدًا لزراعة القمح في المنطقة، وقد حققت الاكتفاء الذاتي منه لسنوات طويلة.
قبل تولي بشار الأسد الحكم، كانت إنتاجية القمح تصل إلى 5 ملايين طن سنويًا، مما جعلها واحدة من أكبر دول المنطقة في إنتاج هذه المحصول الاستراتيجي.
إلا أن هذه الإنتاجية تراجعت بشكل تدريجي حتى وصلت في عام 2021 إلى حوالي مليون طن فقط، وهو ما يعكس تدهور القطاع الزراعي نتيجة للصراعات المستمرة والأزمات الاقتصادية التي أثرت بشكل مباشر على الأراضي الزراعية.
في عام 2022، احتلت سوريا المرتبة الرابعة بين الدول العربية في إنتاج القمح، وفقًا لتصنيف منصة “ورلد بوبوليشن ريفيو”، متفوقة على العديد من الدول الزراعية الكبرى في المنطقة.
القطن السوري: الجودة التي تفضلها أوروبا
إلى جانب القمح، كان القطن السوري يعتبر من أجود الأنواع في العالم، ويُفضل في أوروبا لإنتاج المنسوجات عالية الجودة.
وبدأت زراعته في القرن الـ19 وبالتحديد في عام 1820 بالتعاون مع مصر.
وفي أواخر القرن الماضي، تطور إنتاج القطن بشكل ملحوظ، حيث بلغت المساحات المزروعة به نحو 22% من الأراضي المروية في سوريا.
كما سجلت زيادة ملحوظة في الإنتاجية، حيث ارتفع إنتاج وحدة المساحة من 1625 كيلوغراما للهكتار إلى 4 آلاف كيلوغرام.
وفقًا لوزارة الزراعة السورية، وصل إنتاج القطن في 2006 إلى حوالي 8 آلاف طن، قبل أن يرتفع إلى 25 ألف طن، جرى تصدير معظمها إلى سويسرا وألمانيا والصين.
وفي عام 2024، شهد القطاع الزراعي زيادة في إنتاج القطن بنحو 10 آلاف طن مقارنة بموسم 2023، مما يعكس تحسنًا طفيفًا في الإنتاج بعد سنوات من التراجع.
السياحة في سوريا: من الازدهار إلى التراجع
في عام 2010، حقق قطاع السياحة في سوريا أرقامًا قياسية، حيث استقبلت البلاد نحو 8.5 ملايين سائح، وبلغت عائدات القطاع 30.8 مليار ليرة سورية (ما يعادل 8.4 مليارات دولار وفق سعر الصرف آنذاك).
واحتلت السياحة نسبة 14% من الاقتصاد السوري، مما جعلها ركيزة أساسية في الدخل القومي.
تراجع حاد خلال الأزمة
مع اندلاع الأزمة في عام 2011، انخفضت عائدات السياحة بشكل كبير إلى 1.82 مليار دولار، وهو أدنى مستوى خلال العقد الأول من حكم الرئيس المخلوع.
واستمر التدهور مع تقلص حركة الزوار بين عامي 2011 و2019، مما تسبب في خسائر قُدرت بحوالي 50 مليار دولار وفق تصريحات وزير السياحة السابق محمد مارتيني.
تحديات القطاع
- الأمن والاستقرار: أثرت الاضطرابات الأمنية على جذب السياح الدوليين.
- البنية التحتية: تعرضت العديد من المواقع السياحية والتاريخية للتدمير، مما قلل من جاذبيتها للسياحة.
- الإدارة والتمويل: ضعف الاستثمارات في قطاع السياحة بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
سيطرة الأكراد على الثروات الطبيعية في سوريا: النفط والغاز في قلب الصراع
تعتبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تشكل القوات الكردية نحو نصفها، القوة المسيطرة على ثلث مساحة سوريا شمال وشرق نهر الفرات.
هذه المناطق كانت قد استُعيدت من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، وأصبحت تشكل حجر الزاوية في الصراع على الثروات الطبيعية في سوريا.
من أبرز الثروات التي تسيطر عليها قسد هي الثروة النفطية، حيث تقدر سيطرتها على نحو 90% من احتياطي النفط في سوريا.
كما تسيطر على 45% من إنتاج الغاز في البلاد، مما يمنحها تأثيرًا كبيرًا في الاقتصاد السوري.
تتركز أبرز الحقول النفطية والغازية في هذه المناطق، حيث تفتقر الحكومة السورية إلى السيطرة عليها منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.
ومع ذلك، تبقى الأسئلة مطروحة بشأن حجم الأضرار التي لحقت بهذه الحقول والمرافق بسبب القتال المستمر، وعدم وضوح وضع الإنتاج في تلك الحقول بسبب التدمير والدمج بين الفصائل المتنازعة.
النفط والغاز في هذه المنطقة، إذًا، لا يشكلان فقط مصدرًا للثروة، بل نقطة اشتباك محورية قد تؤدي إلى تجدد الصراع بين الأطراف المتنازعة في سوريا.