مقترح لاستعادة ألقاب “الباشا” و”البيه” في مصر.. كم يبلغ سعرها ومتى بدأت الألقاب الطبقية؟
في مصر، لطالما كانت الألقاب المدنية مثل “الباشا” و”البيه” رموزًا للجاه والسلطة، حيث تزينت بها الأسماء لتصبح علامة فارقة في المجتمع.
ومنذ أكثر من 70 عامًا، مع إلغاء هذه الألقاب بعد ثورة يوليو 1952، ظن الكثيرون أن تلك الحقبة قد انتهت إلى الأبد.
ولكن، في تطور مفاجئ، عاد الحديث عن هذه الألقاب ليثير جدلاً واسعًا، حيث اقترح الكاتب والمفكر المصري الدكتور أسامة الغزالي حرب إحياء هذه الألقاب مرة أخرى، ولكن بطريقة غير تقليدية.
الفكرة ليست مجرد إعادة تسمية قديمة، بل دعوة لمنح الألقاب مقابل مساهمات مالية أو أعمال يقدمها الأفراد للدولة، ليصبح اللقب وسيلة تقدير لتأثيرهم الاقتصادي والاجتماعي.
أسماء بارزة مثل محمد أبو العينين، نجيب ساويرس، وطلعت مصطفى، وغيرهم، تمثل نموذجًا لمن يرى الغزالي حرب أنهم مؤهلون للحصول على هذه الألقاب مجددًا.
ولكن ما الذي دفع إلى هذا المقترح؟ وكيف تغيرت الألقاب المدنية في مصر عبر العصور؟ وهل سيعود عصر الباشاوية والبهوية، أم أن التاريخ سيظل محصورًا في صفحات الماضي؟ لنكتشف معًا الإجابة على هذه الأسئلة المثيرة.
لا تفوّت قراءة: ماكرون في حضرة نوبل: ماذا نعرف عن مقهى نجيب محفوظ بعد زيارة الرئيس الفرنسي له؟
كيف بدأت الألقاب المدنية في مصر؟
كانت الألقاب المدنية جزءًا أساسيًا من الحياة السياسية في مصر قبل عام 1952، إذ كانت تحمل دلالات من القوة والنفوذ.
في البداية، كانت الألقاب تُمنح للمصريين من قِبل السلطان العثماني حتى عام 1914.
لكن مع اندلاع الحرب العالمية الأولى واحتلال مصر من قبل بريطانيا، أصبح منح الألقاب من اختصاص ملك مصر، بعد أن تحول النظام من الخلافة العثمانية إلى الملكية المصرية.
قانون لتنظيم الألقاب المدنية: 5 رتب
في 14 أبريل 1915، أصدر السلطان حسين كامل أمرًا بإنشاء الرتب المدنية.
وبعدها، أصدر الملك فؤاد الأول أمرًا ملكيًا لتنظيم منح هذه الألقاب، التي شملت خمس رتب مدنية: الرياسة، الامتياز، الباشوية، البكوية من الدرجة الأولى، والبكوية من الدرجة الثانية.
بعد حوالي 10 سنوات، جرى إصدار قانون لتنظيم الألقاب المدنية في مصر. وفرض القانون عقوبات تشمل الغرامة والحبس لمن يستخدم الألقاب دون أن يكون قد حصل عليها رسميًا.
الباشاوية بـ “30 ألف جنيه” والبكوية بـ “10 آلاف جنيه”
في الأربعينيات والخمسينيات، كان الأعيان يقدمون خدمات معينة للحصول على هذه الألقاب. بلغت تكلفة رتبة الباشوية حوالي 20 إلى 30 ألف جنيه، بينما كانت رتبة البكوية تتراوح من 5 إلى 10 آلاف جنيه.
تتمثل هذه الخدمات في التبرعات للمستشفيات، المدارس، أو المساجد، أو دعم جمعية الهلال الأحمر. كانت الألقاب المدنية آنذاك تعكس درجة تأثير الشخص في المجتمع المصري.
لا تفوّت قراءة: أبرز تعديلات قانون الإجراءات الجنائية في مصر: مراقبة الهواتف المحمولة وحسابات التواصل الاجتماعي
الضباط الأحرار: إلغاء الألقاب المدنية وتحديد “محترم” و”السيد”

في 23 يوليو 1952، أطاحت حركة الضباط الأحرار بالملك فاروق، معلنةً إلغاء الفوارق الطبقية.
وكان من أبرز شعارات الحركة إلغاء الألقاب المدنية، مثل الباشا والبيه، باعتبارها رموزًا للنظام الملكي الفاسد.
وبالفعل، جرى حظر استخدام الألقاب المدنية، ليقتصر الأمر على لقب “المحترم” في المكاتبات الرسمية.
وكانت هذه خطوة تهدف إلى القضاء على الطبقية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وفي وقت لاحق، جرى تأكيد حظر الألقاب في دستور عام 1956، واستمر هذا الحظر في الدساتير المصرية التالية.
وضمن ذلك، نص دستور 2014 على حظر إنشاء الرتب المدنية في المادة 26.
في 30 يوليو 1952، ألغيت الألقاب الرسمية من بك إلي باشا، ومن صاحب السعادة إلي صاحب السمو، وهذه الألقاب هي في الأصل ألقاب تركية، وكانت تمنح ولا تُورث وكانت منحة من الملك، وغالبًا ما كانت تمنح لمن لا يستحقها
كان إلغاء هذه الألقاب بقرار حكومي لا يكفي فالناس تعودت عليها، ولابد من ابتكار ألقابًا بديلة لها، فاخترنا كلمة “حضرتك”، لكنها لم تكن ملائمة للمصريين، فاستقر الرأي علي لقب السيد”
الرئيس السابق اللواء محمد نجيب في مذكراته
إسماعيل يس يعبر عن تأثير إلغاء الألقاب في أغنيته “20 مليون وزيادة”
كان تأثير قرار إلغاء الألقاب المدنية قويًا على المصريين، خاصة بعد ثورة 23 يوليو 1952.
عبر الفنان إسماعيل يس عن هذا التحول في أغنيته الشهيرة “20 مليون وزيادة”، التي غناها احتفالًا بالثورة.
وفي هذه الأغنية، يعبر إسماعيل يس عن التغيير الاجتماعي الكبير الذي شهدته البلاد، قائلًا في كلماتها: “20 مليون وزيادة، كله زي بعضه، مفيش باشا، مفيش بيه، كله متساوي”.
وتعكس هذه الكلمات شعور المصريين بتحقيق العدالة والمساواة بعد أن تم إلغاء الألقاب التي كانت تميز بين الطبقات.
عشرين مليون وزيادة كانوا عايشين هنا أموات .. علشان حضرات السادة البهوات والباشوات
إسماعيل يس
لا تفوّت قراءة: قانون العمل الجديد في مصر.. كيف يؤثر على الرواتب والإجازات وساعات العمل وحقوق الموظف؟
من “باشا” و”بك” إلى “سعادة المستشار” و”سيادة السفير”
رغم أن الألقاب المدنية جرى إلغاؤها رسميًا بعد ثورة 23 يوليو 1952، إلا أنها ظلت حاضرة في الحياة اليومية للمصريين.
استخدم الناس تلك الألقاب في حديثهم اليومي، حيث تجدها شائعة في مواقف مثل عندما يطلب منك السايس إكرامية قائلاً: “باشا”.
المصريون لم يجدوا مانعًا في استخدام هذه الألقاب من باب المجاملة أو التقدير، بل أصبحوا يمنحونها لأنفسهم بشكل طبيعي.
ومرت هذه الألقاب من جيل إلى جيل، بين الكبار والصغار، وأصبحت جزءًا من الثقافة الاجتماعية.
ومع صعود الضباط الأحرار وتغيير الوجاهة الاجتماعية، بدأت الأسر في توجيه أبنائها للالتحاق بالكليات العسكرية، مثل الشرطة والحربية، للحصول على لقب “الباشا”.
كما بدأ البعض يسعى للالتحاق بكليات مثل الاقتصاد والعلوم السياسية للحصول على لقب “السفير”، أو الطب للحصول على لقب “الدكتور”، سعياً وراء التقدير الاجتماعي.