الأرقام تفرض سؤالًا: هل حربنا ضد وصم الأمراض النفسية قلل من خسائرها؟

تُعد التكلفة العالمية لحالات الصحة النفسية عالية، إذ تقدر خسائر الإنتاجية بسبب الاكتئاب والقلق وحدهما بنحو تريليون دولار سنويًا وفقًا لشركة برايس ووترهاوس كوبرز.

ومع استمرار التنمية الاقتصادية السريعة، تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تهديدًا خفيًا من شأنه أن يهدد هذه التنمية، يتمثل في ازدياد عبء الأمراض النفسية.

وفي هذا الصدد، أبرز تقرير صادر عن شركة ديلويت العام الماضي أنه في أعقاب جائحة كوفيد-19، وبينما تستثمر بعض المنظمات موارد كبيرة تُقدر بمعدل 11 مليون دولار سنويًا للشركات التي تضم أكثر من 20 ألف موظف، لمعالجة قضايا رفاهية القوى العاملة، لا تحقق هذه الاستثمارات النتائج المرجوة.

وأكد التقرير أنه يتعين على المنظمات معالجة الأسباب الجذرية المتعلقة بسلوكيات القيادة على كافة المستويات، وهيكلة الوظائف، وطرق العمل، لتحقيق رفاهية الموظفين، وفي عالمنا العربي نواجه أزمات لها علاقة بالقيادة بالتأكيد ككل الدول، ولكن لدينا مشكلة أعمق وتعد جذرية، وتتمثل في الأزمة المجتمعية للأضطرابات النفسية.

العالم العربي

هناك مشكلة رئيسية تتعلق بمفهوم الأمراض النفسية في العالم العربي، فيظن البعض أن المرض النفسي يرجع إلى نقص في الدين، أو المصاب يتلاعب بمن حوله ليحصل على اهتمام، والبعض الأخر يرى أن المرض النفسي وصم يسهل عليه وصم الأخر به، وآخرون يرون أن المرض النفسي سهل التغلب عليه بالإيمان وبالصلاة، كل هذا من الجانب المجتمعي، أما على مستوى الجانب الطبي فهناك أزمات جذرية لها علاقة بأن الأطباء النفسيين بدوا يركضون خلف شهوة شهرة التأثير على منصات التواصل الاجتماعي، وبالتبعية جعل هذا الأمور المتعلقة بالطب النفسي مستباحة من الجميع، وسّلعت الأمر برمته، وهذا ما تكشفه الأرقام، فبالرغم من أن العالم العربي بدأ يحارب وصم الأمراض النفسية في الآونة الأخيرة، إلى أن الأمر بدا بلا أهمية.

وما تثبته الأرقام حسبما يفيد موقع فوربس ميدل إيست، فيما يتعلق بدول مجلس التعاون الخليجي، “يعاني نحو “15%” من السكان من اضطرابات نفسية في أي عام، وفقًا لتقرير شركة برايس، ما يُلقي بظلاله على الاقتصاد، إذ تفقد دول مجلس التعاون الخليجي ما لا يقل عن “37.5 مليون” يوم إنتاجي سنويًا إثر تداعيات الأمراض النفسية، بما يعادل 3.5 مليار دولار من خسائر الإنتاجية.

ومع تزايد الاضطرابات النفسية الشائعة مثل القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل والخرف في دول مجلس التعاون الخليجي، فاقمت جائحة كوفيد-19 والتوترات الجيوسياسية الأخيرة عبء الأمراض النفسية. ورغم تزايد التحديات، تواجه المنطقة نقصًا حادًا في المختصين بمجال الصحة النفسية، حيث لا يوجد سوى 2.85 طبيب نفسي لكل 100 ألف شخص في دول مجلس التعاون الخليجي الست، وفقًا لتقرير الشركة”، وفي مصر حسبما تفيد وزارة الصحة يعاني نحو 25 بالمائة من المواطنين من الاضطرابات النفسية، كل هذا يطرح تساؤلات حول مسارات الصحة النفسية وعلاقتها بالعمل.

احذر اتجاه خاطئ

هناك بعض المؤسسات العربية بدأت في صرف بدل للعلاج النفسي بالإضافة إلى الراتب، ولكن يبدو أن هذا لم يكن الحل، والحل يكمن في التساؤل حول المسار الذي خضناه ومستمرين عليه، في هل بعد إزالة الوصم عن المرض النفسي بدت الأمور أفضل؟ وهل بعد خمس سنوات من الآن سنصبح بلا علل نفسية تؤثر على العمل؟ وهل شكل العقود وبنودها تلعب دورًا في زيادة قلق العاملين واضطراباتهم؟، كل هذه الأسئلة تطرحها الأرقام التي ذكرت أعلاه، وتؤكد على أننا نحتاج إلى إعادة التفكير في المسار الذي نخطو فيه ومنه لمواجهة هذه الأزمات.

آخر كلمة ماتفوتوش قراءة: حقبة صحية جديدة: الأردن الأولى عالميًا في القضاء على مرض الجذام

تعليقات
Loading...